ذلك هو عنوان الديوان الجديد للشاعر عبد الغني فوزي. وقد صدر عن اتحاد كتاب المغرب 8002، بعد ديوانه الأول (هواء الاستدارة) الصادر سنة 5991، وكتابه (الهوية المفتقدة) الصادر سنة 2002، وهو مجموعة من الأعمدة دأب الشاعر على نشرها في بعض الصحف الوطنية. في ديوان (آت شظايا من رسائلهم) ، لا تتنازل الذات عن الجذور... والعصا الملوحة في بعض القصائد قد تصيب الذات نفسها- متى أخطأت الحروف إلى هذه الجذور، كما أنها لا تتنازل عن العالم، فهي بحكم بحثها (الجذري) مهيأة ليس للتعالي، وإنما للتشظي والذوبان. تتقاطع صورة الذات والعالم في استعارات متبادلة؛ هنا ( حروب خاسرة- طعنات- قتل- عبث- غبار شنق...). وهناك(هيأة مشروخة-تيه-انكسار- شتات- جثة..). نتابع بشغف كيف تنهض الذات من هذا الدمار، مؤسسة إرادتها الخاصة على تحريض شفاف (نستطيع أن نستدرج الصمت للحرف- وتتفتق عن اشتعال- في انتظار عودة الأشياء إلى مائها- أنا البياض- اشتهيني صغيرا كما رسائلهم...)، بانية هويتها بإصرار(آت من شظايا من رسائل الموتى والفقراء-الأرض التي لم نطأها بعد- البحث عن متكأ كالوطن...)، مدركة لفعلها الخلاق (إلى أن أعود في الصوت كالنسج العطشان- أوصل الخيط بالخيط في الغياب- أوصل الملمح بالملمح في التصدع..). إن فعل الذات الشعري تكون وصيرورة. وهو حركة كلية متدفقة،مكتظة بالمجاز وبالمرئيات والأصوات والأفعال. ترسو هذه الحركة على يقينها الخاص (حتما ستسعى الريح بزادها...)، كما ترسم خياراتها الشعرية ممتشقة القصيدة (القصيدة ستخرج للعراك)،فاردة هكذا رسائلها واحدة تلو الأخرى (في الأفق القز حي المأمول- لنعيد الم جد لشقائق النعمان- في انتظار عودة الصباح- أندلس التراب والرؤية- في انتظار عودة الطبيعة إلى إنائها واستفاقة الحروب من غبارها). هذا الديوان هو رحلة شعرية مقنعة، تصل إلى بر الأمان بشجاعة رؤيا وجدارة قصيدة. ويمكن اعتبار الأعمدة التي نشرها وينشرها الشاعر عبد الغني فوزي مسودات للقصيدة وحاشية لها في آن. انه نفس الحفر والبحث عن تلك (الهوية المفتقدة). في القصيدة يتجذر هذا البحث نابشا في بعض التفاصيل اليومية ، وفي هموم الذات وتجربة وجودها... وفي المشترك القومي من خلال بعض رموزه التاريخية والحضارية. في الأعمدة يخوض الشاعر نفس البحث بأسئلة أكثر خصوصية، تنخرط في الجدل العام حول الكثير من الظواهر الأدبية والثقافية. هنا يتخلص الخطاب الأدبي من الكثافة البلاغية للقصيدة ،ومن غنائيتها أو هجائيتها لينتهج بلاغة أخرى في الحجاج والمجادلة.