نصيحة أخوية صادقة: إن لم تكن ابن فلان أو أن تكون فلانًا بنفسه، فلا تحاول أن تمرض في هذه البلاد السعيدة. بداية، عليك أن تتعامل مع الشعور العارم بالأهمية، والذي يتمتع به حارس بوابة المستشفى الحكومي الذي تقصده. قد تحتاج في بعض الأحيان إلى شهادة طبية كي يقتنع هذا الأخير بمرضك، كي يسمح لك بالدخول للحصول على شهادة طبية.. حل أنت هذه الحلقة المفرغة! حاول قبل كل شيء أن يكون مرضك في وقت مناسب.. لا تمرض في وقت الذروة، ولا في وقت المداومة الليلية ولا في وقت الغذاء، ولا بعد العصر، إلخ... امرض دوما في وقت مناسب.. مهمتك أن تبحث عنه.. لو وصلت في هذا الوقت، فربما وجدت ممرض الاستعلامات في مكانه.. وقد تحصل بشيء من العسر على ورقة عليها رقم ما، تاركا إياك تستنتج العلاقة الرياضية بينه وبين المصلحة الطبية المراد الوصول إليها.. وبعد أن تغرق في التوغل في مجاهل إفريقيا تلك، ستنتبه حتما بعد فوات الأوان إلى تلك العلامات و العبارات الموجهة التي تذكرك بالطرق السيارة، وقد تصل قبل أن تتوفى لو كتب لك عمر. تصل أخيرًا أمام غرفة الطبيب، وهناك من المؤكد أنك ستجد الشعب كله بين الجالس والواقف بانتظار الدور.. تقف بدورك، و بمرور الوقت تجد نفسك جالسا فوق شي ما لا تدري كنهه.. ربما هي الأرضية الباردة .. تنام، وتستيقظ.. بجانبك امرأة حامل.. تضع حملها.. يكبر الطفل..يلعب بجانبك و أنت تتثاءب بملل.. أخيرًا يأتي دورك.. لا تدري كم قضيت في هذا المكان لكنك داخل غرفة الطبيب أخيرًا.. يسألك بضجر: «ماذا لديك؟» تجيب: «لدي حمى و غثيان وأحيانًا أشعر ب...» يقاطعك أن «اصمت فقط فهمت».. يكتب فوق ورقة الدواء تشكيلة متنوعة من الأدوية.. تشكيلة كافية لعلاج نزلاء مستشفى كامل على ما يبدو.. لو كنت بحاجة إلى فحوصات أو ما شابه، فلا بد أن تكون قد حملت مذخراتك كلها معك لأنهم حذفوا كلمة العمومية التي كانت تلي «وزارة الصحة» من جهة، ولأنك بحاجة إلى (عصارة) قهوة كاملة لتحريك ملفك.. انتهى زمن القهوة الصغيرة يا أخي.. تتذكر قول صديق: إن الأطباء لا يعطونك الدواء الأرخص أو الأكثر مناسبة.. بل يعطونك الدواء الذي يرون وجه ممثل شركته بكثرة، حيث يتلقون المزيد و المزيد من العينات، والمزيد من الهدايا كالأوراق والأقلام وما شابه، بمجرد أن يرسلوا المزيد والمزيد من المرضى المطالبين بنفس الدواء إلى الصيدليات.. ستتوجه لأقرب صيدلية.. وبمجرد أن تطالع فاتورة الأدوية التي ستقتني سوف تشعر بالتحسن بالتأكيد.. وستتأسف عن عدم أخذك للدواء لأن الحاجة إليه انتفت.. لقد أصبحت منيعًا ضد جميع الأمراض..لن تمرض بعد الآن..