معادي أسعد صوالحة «... كنت أشعر بالنداء الداخلي المُوجه لمساعدة الفقراء لكن الطريق لتنفيذه مليئة بالعقبات، خاصة في ظلّ المناوشات السياسية التي بدأت تحدث قبيل استقلال الهند بسنوات قليلة، لكن ندائي الداخلي كان يعلو صوته يوما بعد يوم، وبتُ عازمة على إنشاء إرسالية جديدة للراهبات التي رفضتها الكنيسة ورفضها البابا بيوس الثاني عشر، بعد أن قدّمت التماسا له عام 1948 وبعد عام من حصول الهند على استقلالها وتزايد حدّة الصراعات الدموية بين المسلمين والهندوس، وكان هذا سببا مباشرا لرفض التماسي لاستحالة تأسيس رهبانية مسيحية في الوسط الهندي السائد نحو الدموية العقيمة، لكن هذا الطلب سرعان ما تم قبوله عام 1950 ومنحني البابا تأسيس رهبانيتي الجديدة التي حملت اسم (مرشدات المحبة) التي خصّصتها للراهبات وعلمتهنّ فيها دروسا في محاربة الفقر، وسرت بهنّ حافية لساعات حتى استجد الألم أوصالي وبتّ أعلّم الصغار القراءة والكتابة بإعدادهم المتزايدة كل يوم ...». كان تصميم تيريزا وتفانيها في العمل قد حقق أمنياتها، فافتتحت رهبانيتها وحاربت الفقر وعلّمت الصغار القراءة والكتابة وتجاوزت بذلك عدائية الهندوس والمسلمين تجاه الإرسالية المسيحية التي جاءت بها إلى بلاد لا تقبل بمسيحية بيضاء، وتتجاهل حواجز السلطة والطبقية والعرق وتضع أصبعها على أخطر جراح البؤس، وأنشأت منزل القلب المفتوح (اينرمال هريراي) لتمكن الفقراء من الموت فيه بكرامة عام 1952 حتى عدّ أول بيت للمحتضرين في العالم وجعل اسم تيريزا يشتهر عالميا وباتت تقول حينها «... لم يتم قبولنا في البداية على الإطلاق...، واجهنا صعوبات كبيرة ولبعض الوقت ظلت مجموعة من الشباب تحتج علينا وتهدّدنا وتتشاجر معنا دون أن يثير ذلك فزع الفقراء الذين نعتني بهم، وفي أحد الأيام خطرت لي فكرة : إن أردتم قتلي فافعلوا ذلك، لكن ينبغي عليكم التوقف عن هذا الهراء...، وبعد حين خفقت تلك التهديدات خاصة بعد أن خُضنا أوائل السبعينيات أشكالا أخرى للتعليم حيث مفاهيم الحياة الجنسية التي قمنا بإدخالها إلى الأحياء الفقيرة...، لقد كنا نخاطر بحياتنا وحياة الراهبات نظير خوضنا لموضوع الجنس وتحديد النسل الذي كان مرتبطا بالخطيئة في التفكير الكاثوليكي، لكننا قرّرنا وضع الاعتبارات الأخلاقية جانبا، فأنا لستُ مُنظرة بل امرأة حكيمة وعملية تساعد الناس بلا شروط، حينها لم أهتم بما يقوله الناس عن الموت حتى ولو كانوا سيموتون بعد ساعة، فلا يجب أن يموت الرضّع دون تلقي الحب والعناية والرعاية، فلسنا من يحدّد ما إذا كان من الأفضل للناس أن يولدوا أم لا.... وحدة الله الذي يقرّر الحياة والموت.....». في العام 1963 كانت الأم تيريزا قد تمكّنت من تطبيق خططها الإضافية وأسست معها إرسالية الأخوْة الخيرية التي فتحت بها المجال للرجال للانضمام إلى حياة وتجربة الأخوات حتى أضحى يعمل في إمبراطوريتها ثمانمائة أخ وأربعة آلاف أخت، وانطلقوا جميعا لمحاربة مرض الجذام الذي بدأ يضرب مناطق الهند وأنشئت العديد من المنازل لمحاربة المدمنين وعلاجهم عام 1962 حتى فوجئت بجائزة نوبل للسلام عام 1979 التي لم تنعم بها طويلا بسبب إصابتها بذبحة قلبية حادة 1989 وبقيت تعاني منها لوقت قصير حتى فارقت الحياة عام 1997 بعد أن تخلت عن رهبانيتها وتركت إرساليتها التي تملك 710 منازل في أكثر من 133 دولة ويعمل بها 450 أخت ومئات الآلاف من المتطوْعين، وتترك لنا كلماتها الأخيرة والمُعبّرة «..... ابدأ بالحب والعمل وحسب...، ابدأ به في المنزل واطلب من شريكك القيام بعمل خيّر، ابدأ بمساعدة شخص محتاج في حيّك أو مدرستك أو بيتك....، ابدأ بفعل شيء جميل أيّا يكن ما تفعله، لا يكفي أن تقول أُحبُ الله ولكنني لا أحبُ جاري ...، حينها تكون كاذبا إن قلت إنك تحب الله ولا تحب جارك..، فكيف يمكنك أن تحب الله الذي لا تراه ولا تحب جارك الذي تراه وتلمسه وتكلمه وتعيش معه...، لذلك من الأهمية أن ندرك أنه ليكون الحب صادقا يجب أن يؤلم....، أريدكم أن تبحثوا عن الفقراء في بيتكم...، في حيّكم... في قريتكم...في مدينتكم ... في بلدكم ووطنكم...، لكن ابدءوا بالحب والسعادة والفرح والبهجة والعزيمة والمثابرة والابتسامة الدائمة التي هي بداية الحب وبداية العمل...». في الخامس والعشرين من شهر أبريل من العام 2004 أصدر أحد الأكاديميين الكنديين(سينيشال لاريفي) كتابا زعم بأنه يمثل السيرة الذاتية للأم تيريزا، والذي لم تُكمل فصوله بسبب إصابتها بالمرض الذي أتى على حياتها مُتهما إياها بالخداع والتضليل والكذب، وبدأ من خلال هذا الكتاب باقتباس العديد من النصوص والرسائل التي كانت الأم تيريزا قد بعثت بها إلى بابا الفاتيكان الذي كان له دور كبير في خدعة علاقات عامة، حينما أخفى اتصالاته وتعاملاته المالية المشبوهة مع القديسة تيريزا التي كانت تؤمن مساكنا أرخص مما يجب للفقراء والمرضى (على حسب قول الكاتب)، على الرغم من توفرها على ثروة كبيرة من المال مستغلة بذلك الفقراء والمحتاجين لتبني سمعتها الإنسانية على أعمال خيرية أقرب ما تكون إلى الاحتيال، وفي هذا بدأ يقول في مقابلة له مع صحيفة التايمز الهندية «......لقد كانت الأم تيريزا ترى الجمال في معاناة المساكين والفقراء، إنها امرأة كانت أكثر تفضيلا للدعاء بدلا من توفير الرعاية الصحية اللازمة...، فإذا لم تقم تيريزا بالعمليات والاتصالات والتعاملات المالية المشبوهة لاختصار خمس سنين من عمليات تجميل لسمعتها وأدارت أعمالها ببخل شديد فليمنحني أحد عنوانا للمكان الذي آلت إليه ملايين الدولارات التي كان من المفترض أن تذهب لأفقر الفقراء..». ويضيف هذا الكاتب بالقول في المقابلة الصحفية نفسها «.... لقد كانت الأم تيريزا خُدعة القرن العشرين ليس إلا، لقد بنت نفسها ومكانتها بين سكان العالم من خلال الكذب والتضليل والاستغلال الأمثل للفقراء والمحتاجين، لكي تعيش برغد وثراء وتجني الكثير من الأموال لشخصها فقط، حتى أن غالبية المرضى والفقراء التي ادْعتْ رعايتهم لم يتلقوْا علاجا لائقا بقدر ما تُركوا في العراء وكان الموت باستقبالهم....»، لكن مثل هذه الإدعاءات لم تلقى القبول والرضى لدى (ميغ غرين) الذي أصدر كتابا يحمل النسخة الأصلية للقديسة وحمل اسم (الأم تيريزا: سيرة ذاتية) الذي عمد إلى تقديمه من طرف بابا الفاتيكان نفسه وشخصيات عالمية روت بكلمات بسيطة وموجزة التاريخ الإنساني للأم تيريزا تلك القديسة التي جالت العالم وسكنت في أفقر بقاعه فقرا بين الفقراء والمُشردين بغرض توفير الرعاية الصحية والاجتماعية لهم ونجحت في ذلك النجاح الأكبر، وبدأ يقول ردّا على ما أورده الكاتب في مقابلته الصحفية «.... إن مثل هذا الكتاب ليس سوى تضليلا لحقيقة المرأة ومشوارها الطويل في محاربة الفقر والجوع والفساد، وزرع البسمة والأمل على وجوه الأطفال المُشردين والمجذوْمين والمحروْمين في أشد الأماكن فقرا، حيث الهند وأحيائها الفقيرة المليئة بالحرمان والمعاناة.....، فالأم تيريزا لا تحتاج لأن يكتب عنها أحد أو يُساعد في شهرتها التي لا تزال وستبقى بين ربوع العالم المختلفة بفضل سياساتها التي لم ترغب فيها سوى لتوفير الطعام والشراب والملبس والسكن للأطفال والمعوزين والمحتضرين حتى يموتوا بكرامة، وبالتالي يجب على زميلي الذي ادعى بأنه يحمل كتاب سيرتها الذاتية (الذي أنشره بنفسي فقط) سوى العودة لاستحضار أفعالها وقراءة مقولاتها وكلماتها التي سيفهمها الأمي قبل المُتعلم «...أنا لا أصلي من أجل النجاح بل لطلب الإيمان والتثبيت في مهامي...، كن مُخلصا في الأشياء الصغيرة لأن قوتك تكمن فيها، كن مؤمنا بتحقيق السلام الذي إذا فقد لدينا فلأننا نسينا أننا ننتمي إلى بعضنا البعض....»، وختم كلماته بالقول بأن الأم تيريزا ليست بحاجة لأن يدافع عنها أحد أو أن يفصح عن شخصيتها لأنها امرأة عرفت في كل بيت وكل ركن من أركان هذا العالم رغم أنها أديْنت من طرف الكثيرين التي سبقتهم في الرّد على مثل هذه الإدانة حينما قالت للجميع «.... إنني لم ولن أفكر قطعا في أن تكون محبتي شاملة من طرف الجميع بقدر محبتي لكل إنسان وتفكيري بهم وحبي لهم، لأن الأشياء الوحيدة التي تؤمن لنا الصعود إلى السماء هي أعمال الخير والمحبة والكرم التي يجب أن يمتلئ وجودنا بها، إن كل عمل بسيط نعمله بمحبة الله سيكون عظيما، يجب عليكم أن تختاروا الخير بدل الشر والحب بدل الكراهية دون أن تُعيروْا اهتماما للذين يدينونكم ويفضّلون أن يفعلوا ما تفعلونه من خير...، فإذا تمت إدانتي من طرف الناس فلا وقت لدي لكي أدينهم بقدر ما سأمنح وقتي كله لكي أحبهم....».