سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الفرنسيون يحملون عامل الدار البيضاء مسؤولية الاضطرابات التي كانت تحدث بالمدينة سباتيي: منذ الاتفاق الإنجليزي الفرنسي هبت على الأوربيين بالمغرب ريح الكراهية.. ومنذ معاهدة الجزيرة بدؤوا يتعرضون للقتل
عبد الله عرقوب هذه النظرة المبتسرة، التي كانت تختصر شخصية المغربي في كونها «عدوانية» و«متعصبة» و«حاقدة» على الأوربي بسبب دينه وعرقه، ظلت تخفي، باستمرار وبشكل متعمد، السبب الحقيقي لتأزم العلاقة بين الطرفين، والتي لم تكن كذلك في السابق. إذ «طيلة قرن عاش الأوربيون، كما يقول أندري آدم، بين ظهراني المغاربة في أمن، خاصة في المدن الساحلية»، قبل أن تتحول هذه العلاقة السلمية إلى صدام دموي راح ضحيته بعض الأوربيين في عدد من المدن المغربية (مقتل تسعة أوربيين بالدارالبيضاء في 30 يوليوز 1907، مقتل موظف فرنسي بطنجة في 27 ماي 1906، مقتل الطبيب الفرنسي موشان بمراكش في 19 مارس1907، الاعتداء على عدد من الأوربيين سنة 1906 في وجدة، مراكش وفاس...). الأوربيون الذين عاشوا هذه الأحداث بدؤوا يشعرون بأن وجودهم في المغرب صار غير مرغوب فيه، وأن الأهالي لم يعودوا يعاملونهم كما في السابق. هذا الوضع المستجد سيعبر عنه بشكل جلي لويس جانتيل، الجيولوجي والجغرافي الفرنسي. إذ بعد عودته إلى المغرب رفقة الطبيب الفرنسي موشان، الذي اغتيل بعد ذلك بمدة قصيرة، سيلاحظ حين نزولهما بمراكش تبدل نظرة الأهالي إلى الأوربيين، وخصوصا الفرنسيين. يحكي جانتيل: «أحسست منذ اليوم الأول أن شيئا ما تغير. في اليوم الأول الذي وصلنا فيه، سمعت الناس يقولون عند مرورنا: «هاهم الفرنسيون الذين جاؤوا ليأخذوا المغرب. وكانت النتيجة المباشرة لذلك أنني لم أتمكن من إيجاد دار للكراء». نفس الأمر سيلاحظه أيضا إدموند دُوتي، الذي زار عدة مناطق بالمغرب، وكان يقوم بمهام استطلاعية واستعمارية. يكتب دوتي «بصفة عامة، فإن الصفة المميزة للرأي العام عند نهاية 1906 كانت هي ازدياد العداء تجاه المسيحيين...ففي الشياظمة حيث كان السكان يستقبلون الأوربي، في السابق، بكل لطف، أصبحوا أكثر احتقارا، ويصعب عليه المرور بينهم (...) وبين القبائل العربية كان الأمر أسوأ. فلا يمكن التخييم دون تلقي علامات الاحتقار بشكل متزايد. وقد أصبح من العادي في هذه السنة أن يُستهزأ بك عندما تمر بالدواوير التي لم تكن في السنوات السابقة تقابلك بأي سوء». كان سبب هذا التحول، كما يستنتج دوتي، هو معاهدة الجزيرة الخضراء. وهي الخلاصة نفسها التي سيخرج بها السياسي الفرنسي كاميل سباتيي في كتابه «خطأ الجزيرة». يكتب سباتيي: «في زمن سابق كان الأوربيون يتمتعون في الموانئ الأوربية بأمن تام، ومنذ الاتفاق الإنجليزي الفرنسي هبت عليهم ريح من الكراهية، ومنذ معاهدة الجزيرة بدؤوا يتعرضون للقتل، وكل واحد يشعر بأنه ليس الغضب المؤقت للروح المغربية أبدا، بل هي كراهية مصممة ومتعقلة ومبررة، تعني الفرنسيين خاصة من بين الأوربيين». ويضيف سباتيي أن معاهدة الجزيرة الخضراء «كان عليه أن يثبت النظام فلم يخلق إلا الارتباك والبلبلة، وكان عليه أن يؤسس السلام نهائيا فأطلق الحرب» بسبب القرارات الخطيرة التي خرج بها، والتي كانت مخيبة لآمال المغاربة. كان من بين هذه القرارات: - تنظيم شرطة بالموانئ المغربية المفتوحة للتجارة وتكليف الفرنسيين والإسبان وحدهم بتأطيرها. - إنشاء بنك مخزني لمراقبة مداخيل ومصاريف الدولة المغربية. - تمكين الأوربيين من حق التملك. - إخضاع الأمناء المغاربة في الجمارك لمراقبة مباشرة من قبل مراقبين أوربيين من أجل استخلاص القرض الذي منحته فرنسا للمغرب سنة 1904. بعض القرارات كانت مدرجة سلفا في مشروع طاياندي، الذي سبق للمغرب أن رفضه سنة 1905 لأنه يمس بسيادته الوطنية، قبل أن يجد نفسه مضطرا من جديد إلى قبولها بعد أن ألبستها فرنسا لبوسا دوليا. وهذا ما أثار غضب المغاربة، الذين أحسوا بأنهم أصبحوا محجوزا عليهم ماليا، وأن ثروات بلادهم تمت السيطرة عليها من قبل الأوربيين، فعمت المدن موجة من الغضب والسخط لم تستثن منها الدارالبيضاء، التي كانت معنية بثلاثة من قرارات الجزيرة، أثارت غضب قبائل الشاوية، فشرعت تهدد الأوربيين المقيمين بالمدينة. في رسالة مؤرخة في 11 أبريل 1907 كتب محمد الطريس إلى وزير الخارجية عبد الكريم بن سليمان يخبره فيها بأن «باشدورات الألمان والنجليز والفرنصيص والصبنيول أخبرونا بورود الأعلام عليهم من قناصلهم بالدارالبيضاء بأن عاملها أخبر جميع القناصل هناك بما بلغه من أن قبائل حوز الثغر المذكور يرومون الضرب عليه ومد اليد العادية في سكانه». كان عامل الدارالبيضاء آنذاك هو القايد بوبكر بن بوزيد، الذي كان الفرنسيون يعتبرونه شخصا جبانا وعاجزا ومتواطئا في الآن نفسه مع قبائل الشاوية. وقد حملوه مسؤولية ما كان يحدث من اضطرابات لأنه لم يستطع صد الهجمات التي كان يشنها الحاج حمو، قايد أولاد حريز، بمساعدة قبائل الشاوية، على ضواحي المدينة.