يحكي مصطفى الشاهدي الوزاني، المعتقل السياسي السابق، عن بداية مشوار حياته كمقاوم، وكيف تحول من عميد شرطة مكلف بالمواصلات اللاسكلية إلى مدرس للغة العربية لدى البعثة الفرنسية. يعتبر الوزاني الجنرال أوفقير عدوه اللدود وسبب كل محنه التي عاشها بعد اختطافه واحتجازه بدار المقري إلى جانب الصحافي المصري السابق سعد زغلول وزوجة شيخ العرب، ليفر إلى فرنسا ويحمل صفة لاجئ حيث عمل هناك كصحافي وخبير في شؤون الهجرة ومستشار إعلامي بدواوين وزراء فرنسيين. يحكي المعتقل السياسي السابق عن الطريقة التي حصل بها على جواز سفر مزور من أجل الفرار من المغرب في اتجاه إسبانيا، حيث التحق بالمعارضين بفرنسا بمساعدة الوزير الأول الأسبق عبد الرحمان اليوسفي. في هذا الحوار المطول يروي مصطفى الشاهدي الوزاني قصة اتهامه بالضلوع في ملف الطائرة المصرية المشاركة في حرب الرمال، التي سقطت في قبضة الجيش المغربي وتم اعتقال الضباط السامين الذين كانوا على متنها ومنهم الرئيس المصري السابق حسني مبارك. خلال إقامته بفرنسا التقى عددا من رؤساء الدول، منهم صدام حسين ومعمر القذافي، كما كان ضمن خلية التفكير الخاصة بالكتب التي ألفها صديقه مومن الديوري المعارض الشرس لنظام الحسن الثاني. كتب عن الوزاني المحامي الفرنسي الشهير موريس بوتان في كتابه الذي يحمل عنوان «الحسن الثاني، دي غول وبن بركة: ما أعرفه عنهم»، حيث ذكره كأحد المختطفين الذين أجرى محاولات بشأنهم من أجل إطلاق سراحهم عندما كانوا محتجزين بدار المقري. - بعد دراستك بالدار البيضاء توجهت إلى سلك الأمن كيف حدث ذلك؟ خلال سنة 1956 ولجت معهد الدروس العليا بكلية الآداب بالرباط، وتابعا تعليمي بمدارس حرة أيضا لاستكمال دراستي ومنها الراديو والمواصلات اللاسلكية مع معاهد فرنسا، وفي سنة 1957 انخرطت بالأمن الوطني بالمدرسة الوطنية بمدينة إفران وبعدها بمدرسة المواصلات اللاسلكية مع مجموعة من المقاومين الذين التحقوا بالعمل تحت إدارة محمد الغزاوي، وكان الفوج الذي تخرجت منه مع عدد من الضباط معروفا باسم محمد لغزاوي. وسبب ولوجي هو أنه بعد حصول المغرب على الاستقلال شجعني عدد من أفراد المقاومة على الدخول إلى مجال الأمن. - من هؤلاء المقاومين الذين شجعوك على ولوج مجال الأمن الوطني؟ بعد حصول المغرب على الاستقلال دخل عدد من المقاومين إلى الجيش ولأن سني، آنذاك، لم يكن يسمح بالدخول للجيش دخلت مدرسة المواصلات اللاسلكية، ومن الذين شجعوني المقاوم ندير بوزار المعروف ب«عبد القادر» إضافة إلى السيد محمد بنشقرون والأستاذ بنيس مدير مدارس محمد الخامس وعبد السلام الملقب ب»هوشمين». - ما الذي كان يخطط له بوزار، خصوصا أنه مقاوم جزائري وليس مغربيا؟ بوزار ولد بالرباط ودرس بالمغرب وأصبح موظفا ساميا في الجيش الفرنسي كمراقب مدني وضابطا ذا حنكة في فنون الحرب وله وطنية عالية ويؤمن بالقومية العربية، لقد كانت له اتصالات عديدة مع الوطنيين في الشرق وبالضباط الأحرار، وكانت شخصيته مرموقة وكان يقاوم ضد الحماية الفرنسية بالمغرب، كما أنه كان يقود ثورة ضد الملك، ولكنه اكتشف الحقيقة لما كان يقوم بتدريب جيش التحرير إذ فهم هو والدكتور الخطيب أنه لا ثورة بالمغرب بدون ملكية لأن ذلك سيحول المغرب إلى طوائف. وقد كان بوزار مديرا لمدرسة المقاومة بجنان الرهوني بتطوان وبعدها عهدت إليه مسؤولية المندوبية السامية للمقاومة وجيش التحرير كما شغل منصب وزير الشغل. - يعني أن بوزار كان يخطط لثورة ضد الملك الحسن الثاني بالمغرب كان الاتفاق بين بوزار والدكتور الخطيب أن تكون ثورة ضد الملك، ولكنها اقتنعا في ما بعد أن لا جدوى من ذلك، فاقتنعا إلى جانب محمد بلحسن الوزاني بأن تكون الثورة من الأعلى أي مع الملك تراجع عن أفكاره، وآمن بالثورة ضد الفساد وتطهير المغرب من أذناب الاستعمار. - عند ولوجك سلك الأمن، كيف كانت علاقتك بالمدير العام للأمن الوطني محمد الغزاوي؟ لم تكن لي أي علاقة مباشرة بالغزاوي، فقط عرفته عند حضوره حفل تخرجنا الأول الذي حمل اسمه، وهو من وقع شواهد تخرجنا. ولكن عموما ما كنا نعرفه في تلك المرحلة عن الغزاوي هو أنه كان ثريا وساعد كثيرا حزب الاستقلال والمقاومة في البداية، ولما جاء الاستقلال كان هو أول مدير أمن وطني وجذب إليه عناصر من جيش التحرير والمقاومة رغم أنه كان لا يحمل شواهد وكان على درجة عالية من الثقافة وكان خطابه مؤثرا، وبعدها لم تعد إدارة الأمن بيد المقاومين بل ذهبت إلى الذين كانوا يعملون إلى جانب الاستعمار. - بعد تخرجك من مدرسة المواصلات اللاسلكية أين تم تعيينك؟ بمجرد تخرجي من المدرسة طلبت من المسؤول المهندس الفرنسي ريشودو أن يقبل رغبتي في العمل بداخل مفوضية فاس، وقد لبى طلبي لأني كنت من الصف الأول من المتخرجين برتبة متفوقة للغاية، وبعد سنة التحقت بالعمل بمركز مراقبة الاتصالات بالراديو بالرباط بعد أن منحت نقطة جزاء ممتازة وأرجعني المهندس «ريشودو» إلى الرباط لأشهر مع مراقبين متواجدين بمناطق مختلفة على تنظيم إجراء الاتصالات بالإشارات اللاسلكية بين مراكز الأمن المختلفة فوق التراب الوطني وجعلها منضبطة. ومن مهام المركز الأخرى العمل على كشف من يحاولون التجسس أو القيام بأعمال تخريبية وغيرها ماسة بأمن الدولة، وذلك انطلاقا من استعمالهم أجهزة تصدر أو تلتقي الإشارات اللاسلكية.. وكثيرا ما يقع التعرف بدقة على أماكنهم ويتم اعتقالهم. وفي سنة 1961 في إطار مغربة المدرسة تقرر الاستغناء عن الضباط الفرنسيين الذين كانوا يشرفون على مدرسة المواصلات اللاسلكية منذ عهد الحماية وتعويضهم بمغاربة لهم الخبرة الكافية في المجال، وصرت مسؤولا عن قسم التعليم والتدريب مكان ضابط فرنسي برتبة نقيب في البحرية الفرنسية. وحصل عشرات الممارسين بعد هذا التدريب على الشهادة الرسمية في المواصلات اللاسليكة ومنهم من عينوا بالمفوضيات المختلفة ومنهم من تجندوا بقوة التدخل السريع. - من كان المدير العام للأمن الوطني وقتئذ؟ كان محمد أوفقير الذي حل محل محمد الغزاوي على رأس الإدارة العامة للأمن الوطني، وكانت فصول الدراسة داخل الإدارة العامة بالقرب من مكتب أوفقير الذي كان يتفقد بين الفينة والأخرى سير التكوين، وكانت مهمتي هي تكوين فيلق من الشرطة ليصبح ما يسمى بقوة التدخل السريع، فاسترعيت انتباهه، فطلب تقريرا عني من رئيسي وقتها المهندس «ريشودو»، الذي كان في السابق يشغل منصب مدير عام لمعامل فيلبس بفرنسا، وكانت له صداقة مع الحسن الثاني، فرفع المهندس «ريشودو» تقريرا عني لأوفقير.