يحكي مصطفى الشاهدي الوزاني، المعتقل السياسي السابق، عن بداية مشوار حياته كمقاوم، وكيف تحول من عميد شرطة مكلف بالمواصلات اللاسكلية إلى مدرس للغة العربية لدى البعثة الفرنسية. يعتبر الوزاني الجنرال أوفقير عدوه اللدود وسبب كل محنه التي عاشها بعد اختطافه واحتجازه بدار المقري إلى جانب الصحافي المصري السابق سعد زغلول وزوجة شيخ العرب، ليفر إلى فرنسا ويحمل صفة لاجئ حيث عمل هناك كصحافي وخبير في شؤون الهجرة ومستشار إعلامي بدواوين وزراء فرنسيين. يحكي المعتقل السياسي السابق عن الطريقة التي حصل بها على جواز سفر مزور من أجل الفرار من المغرب في اتجاه إسبانيا، حيث التحق بالمعارضين بفرنسا بمساعدة الوزير الأول الأسبق عبد الرحمان اليوسفي. في هذا الحوار المطول يروي مصطفى الشاهدي الوزاني قصة اتهامه بالضلوع في ملف الطائرة المصرية المشاركة في حرب الرمال، التي سقطت في قبضة الجيش المغربي وتم اعتقال الضباط السامين الذين كانوا على متنها ومنهم الرئيس المصري السابق حسني مبارك. خلال إقامته بفرنسا التقى عددا من رؤساء الدول، منهم صدام حسين ومعمر القذافي، كما كان ضمن خلية التفكير الخاصة بالكتب التي ألفها صديقه مومن الديوري المعارض الشرس لنظام الحسن الثاني. كتب عن الوزاني المحامي الفرنسي الشهير موريس بوتان في كتابه الذي يحمل عنوان «الحسن الثاني، دي غول وبن بركة: ما أعرفه عنهم»، حيث ذكره كأحد المختطفين الذين أجرى محاولات بشأنهم من أجل إطلاق سراحهم عندما كانوا محتجزين بدار المقري. - كيف كانت أولى خطواتك الدراسية؟ درست بمدرسة اللمطيين بفاس وكانت متاخمة للحي الذي نقطن به، وكانت تعتبر من أجود المدارس لأن التعليم بها كان باللغتين العربية والفرنسية، ويدرس بها أساتذة مغاربة وفرنسيون وكان أغلب تلاميذها ينحدرون من الأوساط الراقية، وكانت عائلتي تستقدم أساتذة لمنحي حصصا إضافية في المنزل. وبالنسبة إلى التعليم الثانوي درست بثانوية مولاي إدريس التي درس بها عدد من الأطر والوزراء ومنهم الأزرق عبد اللطيف الجواهري الذي كان صديقا لي منذ الطفولة، كما درس بنفس المدرسة عبد الوهاب الدكالي، غير أنني انقطعت عن الدراسة بسبب المقاومة.. - هل تحتفظ بذكريات عن صديقك الجواهري الذي يشغل حاليا منصب والي بنك المغرب؟ لقد كان من التلاميذ الأذكياء وكان يأتي إلى منزلنا يوميا ليستفيد مجانا من الدروس الخصوصية التي كنت أتلقاها في مادتي العربية والفرنسية من لدن أساتذة مبرزين، والذين كان والدي وجدي يؤديان لهم مكافآت مالية. كما أنني كنت دائما أذهب إلى منزلهم وأتناول معه وجبة الفطور حيث كانت والدته تعد لنا «الخبز محروق بالقرفة والسكر» وكان يحب أكله. وفي أحد الأيام مررنا بالقرب من مذابح فاس ورأينا أحدهم يريد إدخال جمل إلى المذبحة وأخذ الجمل يبكي ومنذ تلك الفترة انقطعت عن أكل اللحوم. - ما سبب انقطاعك عن الدراسة؟ في سنة 1953 انقطعت عن متابعة الدراسة بشكل مؤقت بثانوية مولاي إدريس، لأنني أشعرت بقرب اعتقالي من طرف الفرنسيين بسبب ضلوعي في أنشطة تتعلق بالمقاومة والمشاركة في إخفاء ما تبقى من أسلحة كانت عند جدي بوشنافة، حيث سلمتها للدكتور الخطيب عن طريق عبد القادر بوزار، المعروف باسم «ندير» الذي كان يشرف على تدريب جيش التحرير بتطوان، وأصبح بعدها وزيرا للتشغيل بعد حصول المغرب على الاستقلال. - كيف تعرفت على ندير بوزار؟ وكيف أصبحت عضوا في المقاومة؟ بما أنني أنتمي للكشفية الشورية التابعة لحزب الشورى والاستقلال، اتصل بي مقاومون أعرفهم وأخذوني إلى منزل الحاج أحمد السقاط الذي كان منزله مجاورا لمنزلنا وكان يؤوي المقاومين بفاس، وهناك كان لقائي الأول مع ندير بوزار ومقاومين أمثال أحمد الحياني ومولاي الطاهر والبرنوصي وغيرهم . كما أننا كنا نعقد اجتماعات داخل منزل محمد بلحسن الوزاني بدرب بوحاج والذي كان ملتقى للكشافة ولأخوات الصفا ولمقاومين مختلفين بصفة مستمرة. وبعد لقاءاتي المتكررة ببوزار الذي كان يعمل تحت أوامر الدكتور الخطيب علمت منه أن هدفه هو الحصول على السلاح، خصوصا أنه في تلك الفترة فقد الأسلحة التي كان يتوفر عليها بسفينة «دينا» التي استقدمها من مصر، وهكذا جرى اللقاء بيننا وسلمته الأسلحة التي كانت بحوزتنا. ولابد من الإشارة إلى أن كلا من الدكتور الخطيب وندير بوزار ومن يدور في فلكهما كانوا يهدفون إلى تأسيس دولة مغاربية موالية لمصر على غرار الجمهورية العربية المتحدة كما حصل مع سوريا، والذي يؤكد دستورها على الاشتراكية الإسلامية الوسطية، وهذا ما كان ينادي به الدكتور الخطيب، وفي بداية الاستقلال بزغت خلافات خطيرة بين القيادات المختلفة لجيش التحرير، اقتنع الخطيب وبوزار بأن الثورة ستستمر ضد الاستعمار لكن دون المس بالملكية. - كيف قمت بتهريب السلاح وأنت كنت ما تزال مراهقا؟ لقد أتيحت لي فرصة التعرف على أفراد المقاومة والاهتمام بالشأن الوطني بسبب طبيعة المنزل الذي نشأت فيه، وبحكم أن جدي توفي كان من المفروض أن يسلم السلاح الذي كان بحوزته للسلطة غير أنني قمت بتسليم السلاح للمقاومة وساعدني في ذلك أحد الخدم، إذ بعدما طلبت منه والدتي أن يتخلص من السلاح برميه في الواد خوفا من فرنسا، أقنعته بأن أسلمه للمقاومة والتقيت ليلا مع أحمد الحياني وعبد السلام بوشلاغم وميلود البركاني ليتم تسليم السلاح لبوزار. ومن ناحية أخرى، لابد من التذكير أن بوزار سبق أن كلفني بمهمة جلب السلاح رفقة المقاوم الحاج التهامي الكندري من إسبانيا وبالفعل ذهبت رفقته في سيارة كسائحين إلى مدينة «أليكنتي»، بعدما قدمت لنا معطيات حول كيفية وصول الباخرة المحملة بالسلاح وكيفية الاتصال بالمقاومين المختلفين. - من أين كان يتم استقدام السلاح وقتئذ ؟ غالبا من الشرق، لقد كانت مهمتي محصورة على مرافقة المقاوم الكندري، بينما كان هو مكلفا بكل الترتيبات حيث سلم شيكا للذين تسلم منهم السلاح، وعدنا إلى الرباط بعدما قضينا حوالي ثمانية أيام في السفر، وسلمنا السلاح لنذير بوزار التي تكلف بإيصاله إلى أعضاء المقاومة بمختلف ربوع المملكة. - بعد انقطاعك عن الدراسة ماذا عملت بعدها؟ تابعت دراستي سنة 1954 بمدرسة محمد الخامس الموجودة بدرب السلطان بالدارالبيضاء والتي كانت تحت إشراف حزب الاستقلال حيث كان مديرها هو محمد بنشقرون والأستاذ بنيس، وكنا من بين أساتذتها عبد الله إبراهيم، فتابعت دراستي بهدف الحصول على البكالوريا. - لماذا اخترت مدينة الدارالبيضاء بالضبط؟ لما علم الفرنسيون بتسليمي السلاح للمقاومة شرعوا في البحث عني، فهربت إلى الدارالبيضاء ولجأت إلى خالي عبد السلام الوزاني حيث كان يقطن هناك ومكثت عنده سنة كاملة، واتصلت بالهلال الأسود ومنهم عبد الرحمان العسكري وعبد الله بوزاليم وآخرين. ومن بين الوقائع التي عشتها بالدارالبيضاء حضوري عملية قتل أحد أقارب خالي بمنزله من قبل الوطنيين لأنه كان خائنا واتهم بالوشاية.