ينص الدستور في الفقرة الأخيرة من الفصل الأول على أن التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لامركزي يقوم على الجهوية المتقدمة. من خلال هذا المقتضى، نستنبط أن الأمر لم يعد متعلقا بجهوية موسعة وإنما بجهوية متقدمة، أي أن لدينا جهوية لكنها قاصرة، واليوم نؤكد على وجود تقدم على مستوى هذه الجهوية وليس تغييرا كبيرا على مستوى التنظيم الترابي. وأكد الباب التاسع على الجهات والجماعات الترابية الأخرى، أي العمالات والأقاليم والجماعات. والذي يستنتج من هذا هو أن مصطلح المحلية تغير بالترابية انسجاما مع مصطلح التنظيم الترابي. وإذا كانت الجهة قد ذكرت مستقلة رغم أنها من فصيلة الجماعات الترابية فلأنها أصبحت تتبوأ مكانة الصدارة بالنسبة إلى الجماعات الترابية الأخرى، كما نص على ذلك الفصل 143 من الدستور. وبناء عليه، فإن الفصل 146 ينص على سن قانون تنظيمي يشمل مجموعة من المقتضيات الخاصة بالجهات والجماعات الترابية. واعتمادا على مبدإ التشاركية، فقد انطلقت مشاورات حول الترسانة التشريعية المنظمة لهذا الورش الانتخابي. وفي هذا الإطار، طرحت الوزارة الوصية مسودة مشروع قانون تنظيمي حول الجهوية، فإلى أي حد تستجيب هذه المسودة للمقتضيات الدستورية؟ ومما يعطي لهذه المسودة أهمية كبرى هو أن الأمر يتعلق بقانون تنظيمي، وهذا النوع من المشاريع يكمل الدستور، ولذلك بعد التصويت عليها من البرلمان تحال وجوبا على المجلس الدستوري من أجل إبداء الرأي فيها. ومن أجل مقاربة هذا الموضوع، سأركز في حلقات على قراءة أولية لهذا المجهود الذي حضرته الوزارة الوصية مشكورة. مقتضيات عامة تنطلق المادة الأولى من الفصل 146 من الدستور، لكنها ركزت فقط على ذكر الجهة، مع العلم بأن الدستور في هذا الفصل ينص على قانون تنظيمي يهم شروط وتدبير الجهات والجماعات الترابية وليس فقط الجهة، وهذا يدل على أن الوزارة الوصية ستركز في هذا البحث على الجهة على مستوى قانون تنظيمي وتخص الجماعات الترابية الأخرى بتعديل من داخل القوانين العادية المعمول بها. وهذا، في تقديري، يحتاج إلى توضيح دستوري. وإذا كان الإشكال مطروحا في ما يتعلق بمضمون المادة الأولى في مقارنتها بمحتوى الفصل 146 من الدستور، فإن الفقرة الثانية من المادة الثانية غامضة. ومن الإشارات الواردة في هذه المسودة والمستقاة من الدستور ما يلي: الحكامة والتضامن والديمقراطية والتدبير الحر والتعاون والاتفاق والتعاقد. وركزت الفقرة الأخيرة من المادة الخامسة على أن الجهة شريك مميز للسلطات العمومية، والأصل هو أن هذه الشراكة مرتبطة كذلك بالمؤسسات المدنية انطلاقا من المبادئ الواردة في الدستور نحو تأمين مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة. كما أن الجهة والجماعات الترابية ملزمة بوضع آليات تشاركية للحوار والتشاور لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين في إعداد برامج التنمية وتتبعها. إذا كانت الجهات والجماعات الترابية دستوريا في الفصل 140 منه تتوفر على سلطة تنظيمية لممارسة صلاحيتها، فإن المسودة أحالت على الفصل 90 من الدستور وتركز على ممارسة رئيس الحكومة السلطة التنظيمية، ومن الواجب أن تكون الأولى متناغمة مع الثانية، وهذه التفاتة ذكية من أجل احترام سلطة الوصايا المباشرة باعتبار الفقرة الثانية من الفصل 90 والتي تنص على أن المقررات التنظيمية الصادرة عن رئيس الحكومة تحمل التوقيع بالعطف من لدن الوزراء المكلفين بتنفيذها. وأي خلل في منظومة التناغم بين السلطة التنظيمية الحكومية والسلطة التنظيمية للمؤسسات المنتخبة يجعل هذه الأخيرة باطلة بقوة القانون حسب مقتضيات المسودة. انطلقت المسودة في المادة 8 من الفصل 145 من الدستور، وهذا مهم لأنه يحدد مجالات تمثيلية الولاة والعمال، والتي تتجلى في السلطة المركزية في الجماعات الترابية وتأمين تطبيق القانون وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها وممارسة المراقبة الإدارية والمساعدة على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية وتنسيق أنشطة المصالح اللامركزية للإدارة المركزية والسهر على حسن سيرها. إن إيجابيات المادة أنها أحالت الفصل في النزاع بين السلطات العمومية والمؤسسات المنتخبة على القضاء الإداري تكريسا لدولة القانون. وقد أجابت المسودة في القسم الأول بعد المقتضيات العامة على شروط تدبير الجهة لشؤونها وتنظيم المجلس وتسييره والنظام الأساسي للمنتخب والآليات التشاركية. نور الدين قربال