الحلقات التي ننشرها أسفله يكتبها الصادق العثماني، مدير الشؤون الإسلامية باتحاد المؤسسات الإسلامية بالبرازيل، حول تاريخ وبدايات الإسلام في أمريكا اللاتينية، وهي تنقلنا إلى الجذور الأولى للإسلام في بلدان القارة الأمريكية، وبدايات هجرة المسلمين إليها، والتعدد الثقافي والديني بها. وقد وقع الاختيار على هذه الحلقات، نظرا لقلة ما يعرفه القراء عن الإسلام في أمريكا اللاتينية، لذلك فهي رحلة في الماضي والحاضر من خلال عدسة ملاحظ معايش. عندما تذكر كولومبيا تقفز إلى الذهن مباشرة المخدرات والكوكايين، نظرا لشهرتها في هذا المجال، وتاريخ المخدرات في كولومبيا يعود إلى القرن السادس عشر قبل دخول الإسبان إلى كولومبيا؛ حيث كانت هناك قبائل من الهنود الحمر تعتمد في حياتها على الزراعة والفلاحة ومن أهمها زراعة الكوكايين بطريقة عشوائية كنباتات عادية لا قيمة ولا مفعول لها. ومع ممارسة هذه الزراعة اكتشف الهنود أن مضغ ورق (الكوكا) يعطي للجسم نشاطاً كبيرا وحيوية تساعدهم على الأعمال الفلاحية الشاقة، ومن هنا بدأت عناية الهنود بهذه الشجرة، فانتشرت في أنحاء قبائل كولومبيا. والآن أصبحت زراعة الكوكايين من أهم الزراعات المربحة في العالم؛ حيث انخرط في تجارة هذه المادة في كولومبيا كبار المسؤولين في الجيش والشرطة والوزارة والبرلمان، حتى الأحزاب السياسية. وقد دخل الإسلام إلى أمريكا اللاتينية ومنها كولومبيا منذ اكتشاف أمريكا في القرن الخامس عشر مع العبيد الذين جلبوا من شمال وشرق إفريقيا، وقد استقر أغلبهم في البرازيل ثم انتشروا في باقي أنحاء أمريكا الشمالية والجنوبية، والأغلبية الساحقة لهؤلاء العبيد كانت من المسلمين، الذين أرغموا على ترك دينهم تحت التهديد والتعذيب وذاب الكثير منهم في هذه القارة، وتنصر من تنصر تحت الإكراه البدني والنفسي والمعنوي، وعليه تقهقر الإسلام في هذه القارة. وكانت هناك محاولة ثانية للهجرة في القرن السادس عشر، وبعد تحرير العبيد وعودة الكثير منهم إلى هذه الديار، بالإضافة للهجرات المكثفة من الهند وباكستان ولبنان وسوريا وقد تمركز أغلبهم في البرازيل والأرجنتين وفنزويلا وكولومبيا. وهكذا كان الوصول الأول للإسلام إلى العالم الجديد مبكرا كما أثبته الكثير من المؤرخين المنصفين ومنهم الدكتور «ايرفنج».. وأشار المسعودي في كتابه «مروج الذهب» الذي كتب عام 956م إلى رحلات مسلمي قرطبة عبر بحر الظلمات (المحيط الأطلسي)، التي استفاد منها كولومبوس فيما بعد. وتواجه الجالية المسلمة اليوم في كولومبيا خطر الذوبان والانقراض بسبب الإقبال على الزواج من مسيحيات، في ظل ظروف صعبة يواجهونها وعداء من بعض الطوائف الدينية المتعصبة. ويبلغ عدد المسلمين 12 ألفا، وقد وصلت شخصيات منهم إلى دوائر الحكم اسوة بالعرب المارونيين، لكنهم تركوا إسلامهم وذابوا في المجتمع الكولومبي، حيث الغياب المطلق للتعليم الإسلامي وندرة في المساجد والدعاة والكتب الإسلامية، مما يعرض أبناء الجالية للجهل بدينهم وعقيدتهم، خاصة أن عددا كبيرا منهم يتبع الابن عادات أمهاتهم المسيحيات من زيارة الكنائس والمشاركة في بعض الاحتفالات الدينية. كما أن هناك عدة أخطار تهددهم وعلى رأسها انتشار تجارة المخدرات والكوكايين وتناولها، بعد أن انغمسوا في هذه التجارة التي ترعاها عصابات واسعة القوة والنفوذ وتملك تنظيمات سياسية وعسكرية، ويتعاون معها مسؤولون كبار. ورغم هذه الأوضاع المتردية لمسلمي كولومبيا إلا أن عاطفتهم الإسلامية ما زالت موجودة، فقد روى الداعية مصطفى عبد الغني أحمد عن لقاء معهم قائلا: «في أثناء زيارتي لإحدى المدن بكولومبيا التقيت بأعضاء الجالية البالغ عددهم ثلاثين شخصا، وبعد الحديث عن الدين وأهميته في حياتنا استجابوا لأداء صلاة الظهر جماعة، وبعد الصلاة قام أحدهم يخطب قائلا: «الحمد لله أن سمعت كلمة الله أكبر قبل أن أموت، ولم نسمعها في هذه البلاد منذ ثلاثين سنة». أشار إلى أن الجالية المسلمة الكولومبية تحتاج بشدة لتضامن إخوانهم من العالم الإسلامي والعربي، وخاصة المنظمات الإسلامية العالمية التي تهتم بشؤون الأقليات المسلمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وتعيش أغلب الجالية المسلمة في العاصمة بوكوتا وميكاو وفي كالي ومايكو. وأكبر تجمع للمسلمين في كولومبيا يوجد في مدينة ميكاو، ورغم الحياة البسيطة التي تعيشها هذه المدينة، إلا أن فيها ما يزيد عن 5 آلاف نسمة من السكان العرب 80% من المسلمين السنة و20% من الشيعة والباقي من الدروز والمسيحيين العرب، ومعظمهم من لبنان وسوريا وتبدو حياة هذه المدينة وكأنها قرية عربية. وكان المسلمون قد بدؤوا هجرة ثانية إلى كولومبيا في خمسينيات القرن الماضي، وأغلب المهاجرين كانوا من الشام من مسلمين وعرب مسيحيين، ولم يكونوا على معرفة باللغة الإسبانية - لغة كولومبيا - الأمر الذي عانوا منه كثيرا في الحوار والتعامل مع الشعب الكولومبي. وبمجرد وصولهم إلى هذا البلد بدأ كل شخص يفكر في طريقة الحصول على الإقامة الرسمية، وكان معروفا في هذا الوقت أن الشخص لا يمكنه دخول الولاياتالمتحدة إلا إذا تزوج امرأة كولومبية زواجا معترفا به في الكنيسة، ومن ثم تسابق المسلمون على الزواج من كولومبيات مسيحيات، ولم يكن لهم أي هدف سوى الحصول على الإقامة والدخول إلى أمريكا وتحسين مستوى العيش. ومما زاد في ضعف الأقلية المسلمة في كولومبيا هو انغماس أبنائها في تجارة المخدرات، حيث أغرت الكثير من المسلمين فانغمسوا فيها وجلبت الويل والدمار لهم ولأبنائهم، كما انعكست سلبا على جل التجمعات الإسلامية في هذا البلد، نظرا للفقر والحاجة وضعف الموارد المالية، بالإضافة إلى تخلي الدول الإسلامية والعربية عنهم، ومع ذلك فهناك بعض الجمعيات الإسلامية تقوم بمجهودات دعوية وتعليمية بغية الحفاظ على أبناء الجالية من الضياع، ومعلوم أن كولومبيا تعيش الحياة الأمنية المضطربة مع شدة الفقر والمشكلات الاقتصادية المعقدة. وما زالت الجهود المبذولة من قبل بعض الجمعيات والدعاة لنشر الإسلام في كولومبيا بسيطة جدا ولا تكاد تذكر، وفي السنين الأخيرة استطاعت بعض الجمعيات والمراكز الإسلامية والمساجد في كولومبيا وخاصة في مدينة ميكاو، ومدينة بوكوتا، وجزيرة سان أندروس، وسانتا مارتا، وألبي لدوبار، وكوكوتا، أن تؤدي خدمات شتى ساعدت في الحفاظ على هوية الكثيرين تحت خيمة الإسلام، كما استطاع بعض الشيوخ والدعاة وفي مقدمتهم الداعية أحمد الطايل خلق صحوة داخل أوساط الشباب الكولومبي المسلم، رغم قلة الإمكانات والمدارس والمساجد..وعليه يقترح بعض الدعاة ورموز الجالية المسلمة وضع خطة استراتيجية علمية للحفاظ على الأقلية الكولومبية المسلمة، تتضمن إنشاء وقف خيري لدعم مشروعات الدعوة وبرامجها وتغطية احتياجات الجالية، ويمكن من خلاله إيجاد مشاريع استثمارية تفتح فرص العمل لأبناء الجالية والمسلمين الجدد، وتشارك السلطات المحلية والدولة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وجدير بالذكر أن أبناء العرب والمسلمين كانوا قد وصلوا إلى أماكن مرموقة في الحكم، لكنهم ذابوا في هذا المجتمع وأصبحوا مسيحيين لا علاقة لهم بالإسلام، وهذا هو التحدي المطروح على المسلمين في كولومبيا ومعظم دول أمريكا اللاتينية. الصادق العثماني