تتحول أحياء وشوارع منطقة درب السلطان، في اللحظات الأخيرة التي تفصلها عن آذان المغرب، إلى أشبه بخلية نحل, حين يتحرك المارة في جميع الاتجاهات بخطى سريعة لقضاء آخر الأغراض اليومية قبل حلول موعد الإفطار، والاستعداد للفترة المسائية. ونحن نتجول بين أسواقها وشوارعها، انتبهنا بالقرب من ساحة السراغنة، إلى المقتنيات الغذائية التي يحملها المارة، والمتنوعة بين منتجات ألبان، أو أشكال الخبز الذي تعده نسوة المنطقة بكثرة وتعرضه على طول جنبات الأسواق، متوسلات في ذلك بعض الدراهم لمواجهة شظف العيش. إذا كان أهالي المنطقة يتجهون في معظمهم أثناء تلك اللحظات، إلى تلبية نداء المعدة، التي أنهكها طول ساعات الصيام وارتفاع درجة الحرارة، فإن فئة معينة أخرى تهيم على وجهها في رحلة بحث عن «المزاج» لتزود المدمنين بمواد التخدير من «قرقوبي» وحشيش و«معجون» و«طابا« (النفحة)، حيث لا تهتم هذه الفئة كثيرا باقتناء المنتوجات الغذائية إلا بعد أن تطمئن ل»جودة» المخدر الذي تم اقتناؤه، مفضلة اقتناء مشروبات باردة قد تكون كافية للإفطار والالتحاق بشلة الرفاق على ناصية الشارع أو في المقهى القريب، هذه المشروبات التي يحترف شباب درب السلطان إعدادها من عصير برتقال، إلى عصير الباباي و«البناشي» و«الرايب»... يتم عرضها في الساعة الأخيرة من فترة الصيام. ويعرف الإقبال عليها انتعاشا موسميا بحلول شهر رمضان. شجارات بطعم الفرجة تعرف هذه اللحظات الأخيرة أيضا في جلبة حركتها، مشاهد خاصة لما يعرف ب«المقطوعين» أو «المرمضنين» الذين لا يتحملون أزمات الانقطاع –القسري- عن التدخين أو سائر المواد التي اعتادوا تناولها في الأيام العادية، إضافة إلى قلة ساعات النوم، ليصبح معها هؤلاء أشبه ب«براميل بارود» لا يلزمها سوى إشعال فتيل الانفجار، فيدخلون في شجارات –ثنائية في أغلبها- حول أتفه الأسباب قبل أن تخرج الأعصاب عن السيطرة، ويتحول الفضاء إلى ساحة فرجوية بامتياز قد تتطور خلالها أحيانا الأمور، إلى ما لا يحمد عقباه. هذا فيما يخص الشجارات «الحميمية» التي تكون في نفس الزقاق أو المنطقة، أما تلك التي تعرفها الأسواق فتكون ناتجة في الغالب عن محاولات السرقة، أو بسبب صراع لأصحاب «الفراشات» حول جنبات الطرق المحتلة أصلا. وهناك الشجارات المفتعلة من لدن عصابات النشل «الزرامة» للإيقاع بهدف نوعي (ضربة صحيحة)، والتي لاتكل في تعقبه حال كشفه عن مبالغ مهمة، أو مقتنيات ثمينة بأحد الدكاكين بالسوق. يحلو كذلك لبعض سكان المنطقة الذين أنهوا يوم عمل رمضاني شاق الخروج في لحظات «الذروة» هاته، بغرض الفرجة على تلك المظاهر الاستثنائية للعنف والازدحام، وتمضية الدقائق الأخيرة التي تمر بطيئة قبل آذان صلاة المغرب، بالعبارة الشهيرة «غادي نمشي نجيب الفطور...». فالمقصود من هذه الجملة، ليس جلب مواد غذائية للاستهلاك على مائدة الفطور، وإنما الترفيه إلى حين ساعة الفطور. اختناق في حركة المرور تعرف الحركة المرورية بشوارع ومدارات درب السلطان، ابتداء من الساعة الثانية بعد الزوال، ازدحاما مروريا، ينتج عن تدفق كبير لوسائل النقل الجماعية، والسيارات وكذا الدراجات ثلاثية العجلات (تريبورتور) التي تساهم بدورها في تعقيد حركة المرور، نتيجة لتعطلها الدائم ونفاذ الوقود أو تهورا من سائقيها الاستثنائيين... قد يحصل أن تستغرق رحلة العشر دقائق بالمنطقة، أزيد من 50 دقيقة، بعد التوقفات المتكررة عند أضواء الإشارات المرورية، كتلك المحاذية ل«مرجان درب السلطان» أو عند مفترق شارع الفداء مع شارع محمد السادس (طريق مديونة)، أما التنقل عبر شارع الفداء فيصبح قطعة من الجحيم، لاكتظاظه بدءا من محطة أولاد زيان حتى منتهاه بشارع 2 مارس. أمام تلك الحركة المرورية المتشنجة، لا يسمع إلا ضجيج أبواق السيارات وحافلات النقل العمومي، التي تزيد من توتر الوضعية، ليطلق السائقون العنان لألسنتهم بالسب والشتم، في رحلة التسابق للدخول إلى المدارات، والإسراع بالخروج منها. ينتج في الغالب هذا الاختلال في الحركة المرورية بسبب عدم ضبط التدفقات المرورية، من محاور حضرية أخرى متجهة إلى درب السلطان، خاصة على مستوى شوارع «طريق مديونة» الذي يعد شريانا مروريا حيويا، وشارع الفداء، وكذا شارع الحزام الكبير الذي يفصل حي الفرح عن درب ميلان المنطقتين الصاخبتين شرق درب السلطان، والذي لا يعرف بدوره أي إشارة ضوئية أو علامات تشوير، بالرغم من وجود العديد من مدارس التعليم الأساسي على جنباته. إشارات ضوئية معطلة أحيانا، وعلامات تشوير مرورية لم يعد منتصبا منها غير أعمدتها، إضافة إلى نقط مرورية «قاتلة» تعرف حوادث يومية، تظل شاهدة على لا مبالاة المسؤولين، وسوء المخططات العمرانية المحلية. «أسواق عامرة» إذا كانت الدارالبيضاء عاصمة اقتصادية للمغرب، فإن منطقة درب السلطان تشكل قلبا اقتصاديا نابضا للمدينة، خاصة في الشق غير المهيكل منها، حيث تتمركز بالمنطقة العديد من الأسواق العامرة، كسوق القريعة المركزي وأسواق الدراجات وكذا سوق الفحم، إضافة إلى القيساريات ك«الحفاري» و»العطارين» و«سوق الحبوب» و«بياضة»، التي تبقى كلها أسواق وطنية تعرف أرقام معاملات مهمة، لا تنعكس على واقع المنطقة الاقتصادي أو الاجتماعي، بحكم عدم تنظيمها للاستفادة من عائداتها، وكذا إفساح المجال لتطورها عشوائيا بصفة «غير مهيكلة». كذلك تعرف جماعة الفداء شرقا وجود سوق للتمور بدرب ميلان يعد الأول وطنيا، وكذا سوق الأثواب المنشأ حديثا وسوق الأكياس البلاستيكية. هذا الكم من الأسواق، فرض بدوره نشاطا استثنائيا داخل المنطقة بمناسبة شهر رمضان، حيث تصبح تلك الأسواق أشبه ب«المواسم القروية»، تعج بالحركة وكثرة المعروضات من البضائع مثل سوق التمور أو سوق القريعة للخضر والفواكه، وكذا «قيساريات» درب السلطان المختصة في اللباس ولوازم الأناقة، إلى جانب المواد الإلكترونية والمعدات المنزلية. تخترق تلك الأسواق شبكات محترفة من النشالين تضم أحيانا نساء وأطفالا، تتربص بالتجار والزبائن قبل أن تسلب أحدهم متاعه في هدوء، ودون إثارة أي انتباه، كما يوجد صنف آخر منها مختص في النشل داخل حافلات النقل العمومي ولاسيما خطوط 56 و40 و81 و38، التي يبقى آخر ماتفتقت عليه «عبقريتها» الإجرامية، استغلال الرضع للتمويه، ودس المسروقات داخل أغطيتهم. ناهيك عن استمرار ظاهرة السرقة بالخطف بواسطة استعمال الدراجات النارية، المنتشرة على طول شوارع المنطقة، حيث يمكن أن يكلف الجواب على إحدى المكالمات الهاتفية في المكان الخطأ هاتفا نقالا ثمينا، وصدمة نفسية لصاحبه. مخدرات تحت الطاولة زائر المنطقة سواء قبل موعد الإفطار أو بعده، لن يبذل جهدا كبيرا، لملاحظة بعض النقط الثابتة لترويج قطع الحشيش، في كل من مناطق درب الكبير ودرب الشرفاء وحي الفوسفاط المجاور للمحطة الطرقية، دون أن نغفل أحياء درب ميلان ودرب لا سيكون، وكذا عين الشفاء قرب المقاطعة الحضرية 22. في حين يتم ترويج الحبوب المهلوسة بشكل حذر، حيث يسطع نجمها هذه الأيام، إذ تتجاوز الحبة منها 60 درهما، وتبقى أهم نقط ترويجها درب الكبير ودرب الشرفاء ودرب ميلان، حيث يتخفى مروجوها عادة داخل أسواق الخضار والفواكه لضرب عصفورين بحجر واحد، فقاعدة الزبناء «الأوفياء» تتشكل عادة من هؤلاء الباعة المتجولين، الذين لا يحركون ساكنا في معظمهم قبل تناولها، وكذا استغلال أجواء الأسواق المكتظة التي تصعب عملية المراقبة والتتبع للدوريات الراجلة وفرق المداهمة الأمنية. يصف أحد الفاعلين المدنيين ل»المساء» تركز نشاط ترويج المخدرات داخل أسواق درب السلطان قائلا: «مساكن هادوك الخضارة خدامين غي على البزناسة والكرابة، اللي كيصوروها، كيجي البزناز يديها ليهوم...». انتعشت بدرب السلطان سوق المخدرات مجددا، منذ رحيل الكوميسير الصوتي، الذي طهر معظم نقاطه السوداء، حينما باتت مناولة قطعة حشيش أو حبة مهلوسة أشبه بمغامرة غير محسوبة النتائج للمروجين، هذا، قبل أن يتم تنقيله –بعد شهور قليلة- إلى مقر ولاية الأمن بمسؤولية جديدة ضمن الفرقة الولائية للتدخل، وهو الأمر الذي يفسره بعض الفاعلين الجمعويين بالمنطقة بأنه يبقى ضريبة أداها العميد الصوتي، بعد أن صار «نجما» أمنيا ومثالا في صد الجريمة والمجرمين، وتجفيف منابعها، بمحاربته أولا للمقاهي المعدة لاستهلاك تلك المواد السامة، وتكثيف الدوريات ثم ملاحقة «البزناسة الكبار» الذين يعمل تحت نفوذهم العديد من المروجين الصغار. كما أخبرنا مصدر مطلع بأن العميد الصوتي انتبه، في وقت سابق، إلى أن منطقة درب السلطان لا تعدو غير فضاء للترويج، في حين تبقى أوكار تجميع المخدرات في انتظار توزيعها خارج المدينة بمناطق «الدروة» و«بوسكورة» و«الهراويين»، ليستعد لوضع خطط لمداهمتها قبل أن ينزل خبر إعفائه كالصاعقة على سكان المنطقة الذين نددوا بالقرار، وكانوا على وشك تنظيم وقفات احتجاجية أمام ولاية الأمن، قبل أن يقرروا الخوض في أشكال احتجاجية أخرى، عبر الشبكة العنكبوتية ومراسلة المصالح الأمنية المركزية. فبعد أن استبشر السكان خيرا، إثر انحسار نشاط مروجي المخدرات وشتى أنواع الممنوعات، عادت «حليمة إلى عادتها القديمة» بين أزقة وشوارع المنطقة، فيما سكان درب السلطان ينتظرون أن ترأف السلطات لحالهم وتعمل على إلجام «تجار السموم».
أساليب جديدة في ترويج المخدرات تعمد صحافي «المساء» التجول في ساعة الذروة بين أزقة درب الكبير، لرصد واقع ترويج المخدرات، لنتفاجأ بضعف الرواج مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، حيث كانت تعج جنبات الأزقة بطوابير المدمنين الذين ينتظرون «بضاعتهم»، أما هذه السنة، فلم نلحظ غير الاكتظاظ الناتج عن «فراشات» المواد الغذائية وبعض المروجين الصغار الذين يتنقلون بين الأزقة في لمح البصر. استفسرنا دليلنا بالمنطقة عن سر التحول، ليجيبا بأن عمل الصوتي السابق بدرب الكبير آتى أكله نسبيا، حيث أصبحت معه «الزنقة» التي اشتهرت سابقا وهي «زنقة 8» مهجورة إلا من بعض الأطفال الذين يلهون بها. كذلك دلنا مرشدنا على العديد من الباعة المتجولين و«الخضارة» الذين اختاروا تجارة شريفة عوضا عن ترويج المخدرات، بعد أن أنهكتهم المطاردات الأمنية والتردد على ردهات المخافر والسجون. بالمقابل، لم يستسلم أفراد عصابات ترويج المخدرات، لواقع المحاصرة الأمنية، مطورين أساليب جديدة في ترويج المخدرات كما ابتكر المروجون سبلا جديدة قوامها «الترويج بالتجوال»، أي انتظار هاتف «الطلبية» والتنقل لمكان معلوم بواسطة الدراجة أو سيارة مكتراة لهذا الغرض، حيث يناول زبونه قطعة الحشيش عبر مصافحة سريعة لا توحي البتة بأنها عملية اقتناء مخدر أو ما شابه. كذلك أدى الضغط الأمني إلى ظهور فئة جديدة، وهي «فئة الوسطاء» الذين يجمعون مبالغ من العديد من المدمنين الراغبين في التبضع، قبل الاتصال ب«البزناس» وتحديد مكان اللقاء معه، والذي يكون بعيدا عن النقط السوداء (محطات الوقود مثلا..). هاته الفئة التي تتقاضى أجرا ماليا منتظما من لدن المروجين، إضافة إلى قطع حشيش مجانية، تساهم، حتما، في الالتفاف حول كل الخطط الأمنية الجادة لمحاصرة وتعقب عصابات ترويج المخدرات بمنطقة درب السلطان.