لا شك أن كثيرا من الشباب المغاربة يطرحون على أنفسهم هذا السؤال: هل نستطيع أن نكون حداثيين وفي نفس الآن محافظين؟ سؤال قد يرى فيه البعض نوعا من التناقض، خصوصا أولئك الذين لا يرون لأنفسهم مكانا سوى في أقصى اليمين أو في أقصى اليسار، ويتناسون أن «التيساع» يوجد في الوسط وليس على الأطراف. والحق أن هذا السؤال له أهمية كبيرة، بالنظر إلى التحولات السريعة التي يعرفها المجتمع المغربي، والتي استفحلت سرعتها بشكل كبير في أواسط التسعينيات من القرن الماضي، عندما بدأت الصحون المقعرة تتقاطر على أسطح بيوت المغاربة، وأصبح الكثيرون يعيشون بأجسادهم هنا، وعقولهم مشدودة إلى تلك العوالم الغربية الباهرة، قبل أن تتضاعف سرعة هذا التحول مع مجيء الأنترنت، ومن تمة وجد الكثيرون أنفسهم في مفترق الطرق، بين الرغبة في تقليد الحداثة الغربية أو الحفاظ على الهوية المغربية. وربما كان هذا العامل واحدا من العناصر التي جعلت أكثر من ثلاث مائة ألف مغربي ومغربية يعانون من السكيزوفرينيا، والتي انتهت بالذين سايروا هذا التحول بشكل أعمى إلى الإصابة ب«الشذوذ الفكري»! فهل نستطيع كشباب نعيش في القرن الواحد والعشرين، ونتحدث يوميا عبر الحواسيب المرتبطة بالأنترنت مع أشخاص من جنسيات وديانات وثقافات مختلفة أن نساير التطور العظيم الذي يشهده العالم، ونكون بدورنا حداثيين وفي نفس الآن محافظين؟ بالنسبة لي، أعتقد أن الجواب هو نعم بكل تأكيد. لكن، يجب علينا أولا أن نحدد ماهو مفهوم الحداثة، وما معنى أن يكون الإنسان محافظا؟ لأن هناك من يفهم الحداثة على أنها تتلخص في ارتداء سروال ضيق وممزق من الركبتين، ويظهر من تحته التبان، مع وضع الأقراط في الأنف أو السرة أو في أي مكان آخر من الجسد، مع وضع قبعة أمريكية على الشعر الذي يجب أن تكون تسريحته مثيرة. و«باش تكمل «الحداثة» مزيان الواحد مرة مرة يفتخ شي جوان. في المقابل، هناك من يفهم أن الإنسان لا يمكن أن يكون محافظا إلا عندما يحلق شاربه ويسدل اللحية على الصدر، مع ارتداء طاقية بيضاء ولباس أفغاني يتشكل من سروال تنتهي حدوده عند ساق القدم وجلباب أو «فوقية» تنتهي حدودها هي أيضا في نفس المكان. شخصيا لا أتفق مع مثل هذا النوع من الحداثيين والمحافظين على حد سواء، لأنهم جميعا يحصرون كل شيء في المظهر الخارجي ويضربون العقل الذي هو البوصلة الحقيقية للإنسان في الصفر. لذلك لا يستحق أي منهما أن يكون قدوة لنا، «حيت بجوج بيهم غالطين»! أن تكون حداثيا معناه أن تكون لديك عقلية منفتحة. هذا لا يعني أن تكون مثل «قزيبة الفروج»، «الريح اللي جا يديها». أبدا. العقلية المنفتحة معناها أن تكون لديك القابلية للتحدث مع الآخر، بغض النظر عن دينه وثقافته وأفكاره، دون أن يزعزع أفكارك ومبادئك التي تؤمن بها. بمعنى أن تكون لديك مناعة تجعلك تكون على الدوام كما تريد أنت وليس كما يريد الآخر. أن تكون حداثيا معناه أن تأخذ الأشياء الإيجابية من الآخر، وتترك له أشياءه السلبية، وليس كما يفعل البعض عندما يأخذون كل شيء بالجملة! أن تكون حداثيا لا يعني بالضرورة أن تلغي الدين من حياتك، كي يخلو لك الطريق لفعل كل شيء وأي شيء، لأن من يفعل ذلك يستطيع أن يعيش حياته كما يريد، ولكنه عندما يسافر إلى العالم الآخر بلا شك «غادي يخصو الحساب»! أن تكون حداثيا معناه أن تعيش حياتك وسط إطار من الإنضباط. أن تستمع إلى الموسيقى وتذهب إلى المسرح والسينما وحتى السهرات الفنية من أجل الاستمتاع بالحياة وليس من من أجل «فتخ الجوانات» وسرقة اللحظات الحميمية تحت جنح الظلام! من جانب آخر، ليس من المفروض أن ترتدي لباسا معينا كي تكون محافظا، وليس ضروريا أن تسدل اللحية وتضع المسواك بين أسنانك كي تثبت هويتك الدينية. «حيت هادشي غير زواق وما منّو والو». وليس من المنطقي في شيء أن تنزوي على نفسك وتغلق الأبواب في وجه الآخرين، حتى لا تتسرب «أفكارهم المسمومة» إلى فكرك أنت، ويزعزعوا مبادئك وقناعاتك. فمن يعتقد أن مبادئه قابلة للزعزعة في أي لحظة، ما يجب عليه أن يفعله هو أن يستبدلها بمباديء أخرى غير قابلة للزعزعة عوض الانطواء على الذات. نحن هنا نتحدث بطبيعة الحال عن الراشدين وليس الأطفال الصغار والمراهقين الذين لم يكتمل نضجهم الفكري بعد. هؤلاء يجب حمايتهم حتى ينضجوا ويصيروا راشدين. هكذا يستطيع أي واحد منا أن يكون حداثيا ومحافظا. يجمع بين الدين والدنيا، ويعيش حياة عادية بلا عقد وبلا انزلاقات، دون أن يرتدي سروالا ممزقا في الركبتين أو جلبابا يخاصم الكعبين. «إيوا شفتو، الواحد راه يقدر يكون حداثي ومحافظ في نفس الآن. بلا لحية بلا جوان»!