قبيل أيام فقط رافقت طفلي الصغير إلى مدرسته ليحصل على ورقة النتائج النهائية لهذا الموسم. كانت فرحتي عارمة حين اكتشفت أنه حصل على المرتبة الأولى في الفصل، فاحتضنته تعبيرا مني عن فخري به. وفي المنزل سألته أمي، ممازحة إياه، عن حلمه في المستقبل بعدما حاز المرتبة الأولى في فصله، فابتسم وعيناه تشعان فرحا: «باغي نكون...بحال ماما..صحافي». صراحة أزعجني جوابه لأن آخر شيء أتمناه لابني هو أن يكون صحافيا، ليس فقط لأن هذه المهنة هي مهنة المتاعب، كما يقولون، ومهنة «صداع الراس»، وارتفاع الضغط، واللهاث اليومي، ولأنها أيضا صارت مهنة من لا مهنة له. ولكن لأن هاته المهنة تستقطب بالأساس المتخرجين من الشعب الأدبية، وأنا لا أريد لابني أن يكون أدبي التوجه لأن ذلك صار يزعج وزيرنا في التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، بعد أن لاحظ ارتفاع نسبة التلاميذ الحاصلين على باكالوريا أدبية ب9 في المائة، وأنا لا أريد لابني أن يزعج أي مسؤول حكومي كيفما كانت رتبته. لذا حاولت بسرعة أن أثنيه عن حلمه هذا، دون أن أخبره طبعا بأن سي الداودي سيغضب منه إن أصر على حلمه هذا، فقلت له إن مهنة طبيب أو مهندس أو حتى ربان طائرة، لِمَ لا، أفضل بكثير من مهنة الصحافة لأن كل هاته المهن علمية بالأساس ولا علاقة لها بالأدب. لكن ابني أصر على حلمه وقال لي بالحرف الواحد: إما أن أكون رساما أو صحافيا. ابتسمت له خانعة وقلت لنفسي إن هذا الولد الشقي يريد إزعاج وزيرنا في التعليم العالي، وإلا لماذا يصر فقط على الاشتغال في مهنة أغلب العاملين فيها يأتون من تخصصات أدبية مثل الأدب العربي أو الفرنسي أو الإنجليزي أو من علم الاجتماع... فيما سي الداودي يرى أن «الارتفاع الحاصل في دراسة الأدب يشكل خطرا على المغرب». وهذا يعني طبعا أن ابني وكل من يبتغي التخصص في الأدب سيصبح خطرا على المغرب! تأملت ابني جيدا ودققت النظر أكثر في ملامحه إن كان يحمل علامة «خطر»، لكني صراحة لم ألاحظ فيه شيئا. أين يكمن خطره إذن؟ أقلقني هذا السؤال فعلا. فحين تكتشف أم أن ابنها سيصبح خطرا على بلاده، فإن ذلك يصيبها بالقلق والخوف، خصوصا حين يصرح مسؤول حكومي بذلك. لذلك قررت في نفسي أن أقف سدا منيعا دون أي ميول أدبي أو فني لدى ابني حتى لا يصبح خطرا على بلاده. سأمنع عنه قراءة كتب الأدب وتذوق الشعر. سأمنع عنه أي شيء يثير قلق وزير التعليم العالي، وسأجعله يختار أي شعبة أخرى علمية، حتى لو كان يكره هذه الشعبة. سأفعل كل شيء حتى لا ينزعج السيد الوزير. شيء واحد فقط أطلبه من سيادته هو أن يصدر فرمانا بمنع تدريس الأدب، وإعدام الشعبة الأدبية، لأن منها يتخرج الكتاب والصحافيون والمعلمون وكل من يشكل خطرا على هذه البلاد.