تسلط «المساء» الضوء على رجالات صنعوا مجد مدينة مراكش، وأخرجتهم من الظل إلى مشاركة الرأي العام المراكشي والوطني هموم قضية حملوها على عواتقهم. عمدت «المساء» إلى الاقتراب من ثلة من خيرة رجالات، تركوا بصمات في المدينة الحمراء، وأغلبهم تواروا إلى الظل بعيدا عن عدسات المصورين أو كاميرات الإعلاميين، أو حتى مقالات الصحافيين. واتصلت بالجدد منهم، منهم من اعتذر نظرا لمرضه، ومنهم من فضل عدم الظهور تواضعا، فكانت «المساء» صلة وصل بينهم وبين قراء أرادوا معرفة الكثير عنهم، لأنهم كانوا يعملون أكثر مما يتكلمون .. يحافظ عبد الجبار لوزير على روح الفكاهة والدعابة، سواء وهو يؤدي أعماله الفنية أو يجالس الناس أو يرد على تحاياهم في الشارع. جرب لوزير، على امتداد حياته، كثيرا من التجارب والمهن: حارس مرمى، صنايعي، مقاوم محكوم عليه بالإعدام، ثم انخرط، في وقت لاحق، في القوات المساعدة، فكان يؤدي عمله بالنهار على هذا الأساس، وفي الليل يلبس جبة الفنان المسرحي ليضحك ويمتع الجمهور المغربي. كون لوزير نفسه بنفسه، فنان لم يتردد على الكتاب القرآني سوى سنتين، قبل أن يودع الدراسة وحروف الأبجدية ويلتحق بالصنعة وهو طفل. لم يعرف عبد الجبار لوزير المدرسة، لكنه تعلم حروف الهجاء داخل السجن، لم يتعلم أبجديات المسرح في معهد متخصص، لكنه عاش فنانا يحظى بالحب والاحترام. ازداد عبد الجبار الوزير سنة 1928 بمراكش بدرب لكزا، قرب رياض العروس، كان والده يعمل إسكافيا قبل أن يتحول إلى تربية الماشية. تزوج عبد الجبار لوزير سنة «1957» من ابنة أحد أصدقاء والده، الذي كان يعمل جزارا معروفا في باب تغزوت بمدينة مراكش. وأنجب من زوجته أربعة أبناء وسمي بالوزير نسبة إلى بني وزير بالأندلس. لأجل ذلك كان لقب العائلة بلوزير. مارس كرة القدم وكان حارسا لمرمى الكوكب «المراكشي خلال سنة 1947، وكانت له مع الكرة ذكريات اجتمعت فيها الفكاهة مع الإصرار على الفوز. كان الوزير مشهورا في مجال الكرة أكثر بلقب «الخوضة». وحكاية التسمية أنه كان هناك مطرب شعبي معروف بنفس اللقب يقلده فالتصق به لقبه. الوزير يقتل حارس الكلاوي في أحد الأيام كان شقيق عبد الجبار الوزير راجعا إلى البيت، وحين مر بمحاذاة حارس الكلاوي، مر نصف مترجل على دراجته الهوائية، حيث أبقى على رجل وأنزل الأخرى، وهي العادة التي لم ترق الحارس الذي كان يأمر الجميع بالتوقف حين مروره. فما كان من الحارس إلا أن ضربه بعصاه فكسر ذراعه. حين رجع عبد الجبار الوزير إلى المنزل، لم يتقبل الحالة التي وجد عليها شقيقه، فخرج مسرعا يطلب بنبراهيم البصير، الذي رجاه أن يمكنه من سكين أو مسدس أو أي شيء يستطيع أن يثأر به لأخيه. أمّن بنبراهيم مسدسا لعبد الجبار، لكن المشكل أن الحارس لم يكن بالمكان الذي اعتدى فيه على أخيه، حيث نقلوه إلى نقطة حراسة أخرى. سأل الوزير عن المكان الذي نقل إليه الحارس، فقيل له إنه يوجد بالقرب من عرصة مولاي ابراهيم .فقصد المكان وهو يتحرق شوقا للثأر لأخيه من عجرفة حارس الكلاوي. وصل الوزير إلى المكان وقام بدراسته جيدا. ولما سنحت له الفرصة تربص بالحارس حتى اقترب منه فصوب المسدس إلى رأسه، ثم أطلق النار، ليسقط قتيلا، ثم تسلل هاربا من دون أن يراه أحد، ومما سهل مهمته أن الطلقة التي أصابت الحارس لم يصدر عنها صوت، لأنه وضع فوهة المسدس على رأسه مباشرة، حتى صار المسدس أشبه بمسدس كاتم للصوت. النجاة من الإعدام رافق عبد الجبار الوزير شقيقه إلى «لافياسيون» أي (القاعدة الجوية) حيث كان يعمل كهربائيا هناك. كان رفقته شخصان ينتميان للخلية، التي يعمل ضمنها عبد الجبار، يدعيان البحيري وبوجمعة. كان هدف الثلاثة هو التعرف على المكان لتنفيذ عملية به. وصل أعضاء الخلية الثلاثة إلى منطقة هبوط الطائرات، حيث قاموا بضبط منافذ المطار وتصميمه، وفي تلك الأثناء تناهت إلى مسامعهم أصوات وقع أقدام، التفتوا فإذا بهم يرون حشدا كبيرا من عناصر الدرك والأمن يطوقونهم. ويتذكر عبد الجبار الوزير أنه عندما بلغ الباب الجديد، وهو رهن الاعتقال قال في نفسه: «وداعا باب الجديد لن أراك بعد اليوم». نزل عبد الجبار الوزير في ضيافة «كوميسارية» جامع الفنا، الذائعة الصيت، هناك ذاق وجبات من التعذيب معدة بعناية، كان الجلادون يعدون جدولة مرتبة بدقة لانتزاع أقصى درجات الألم من أجسادهم المنهكة بالسهر والتعب، فكانوا يوثقون أقدامهم بإحكام ويشرعون في ضربهم إلى أن يموت إحساسهم بها، وبعدها يرغمونهم على المشي على أرضية مفروشة بالحصى (الكرافيت)، عندها يصل الألم إلى حد الإغماء، ليتهاوى الجميع أرضا من شدة الألم، فيبدأ الضرب مرة أخرى، ويستمر المسلسل إلى أن يصل ذروته، يمسكون أصابعهم بملقاط، ليستمر التعذيب، حينها اعترف عبد الجبار الوزير بكل ما شارك فيه من عمليات وما كان يخطط له بعد المحاكمة. صدر في حق الوزير حكم بالإعدام رفقة بن إبراهيم، وحمان الفطواكي، وعلال وبوبكر، وغيرهم، ولأن عبد الجبار كان متابعا في ملف آخر متعلق بتوزيع المناشير وغيرها، أحالوه على محكمة الرباط مع بن إبراهيم وولد عبد الكريم، وأحمد الخروفة ضمن مجموعة متكونة من ثمانية أشخاص تقريبا، أما حمان الفطواكي فسارعوا بإعدامه. مكث عبد الجبار بسجن بولمهارز بمراكش سبعة أشهر، وبعدها رحلوه إلى سجن لعلو، الذي أقام فيه إلى أن جاء الفرج مع عودة محمد الخامس والتوقيع على الاستقلال. بعد الخروج من السجن ورفضه العمل ضمن صفوف جيش التحرير زار عبد الجبار الوزير أعضاء فرقة «الأطلس» للمسرح، برئاسة مولاي عبد الواحد العلوي... «جابوا الهْدية والخْروف والسكر والطبالة». اقترحوا عليه العودة إلى الفرقة، قائلين له إن وقت الفن والعمل المسرحي قد حان، فوافق على الفكرة، حيث اجتمع من جديد وكانت الفرقة تتشكل من محمد باجدي، ومولاي عبد الواحد العلوي، والمدني الكردوني، وعبد السلام الفطواكي، ومولاي الطيب. وكانوا ساعتها يتدربون على مسرحية «غلطة أم». العمل «مخزني» في سنة 1957 شارك عبد الجبار الوزير بمسرحية «الفاطمي والضاوية» في المهرجان المسرحي الوطني الذي نظم، وقتها، بالمعمورة، والذي شاركت فيه ثماني فرق وطنية. ولعب محمد بلقاس دور «الضاوية»، والذي نال إعجاب المشاهدين، ليفوزوا خلال هذا المهرجان بالجائزة الأولى، قيمتها 40 ألف ريال. بعد ذلك لعب في مسرحيات «العساس» و»وليدات جامع الفنا» وغيرها. شارك عبد الجبار الوزير في أزيد من 78 مسرحية. مثل «أنا مزاوك فالله»، و«الخراز»، ومسرحية «سيدي قدور العلمي»، التي كانت مسرحية صعبة، بالنسبة إليه، على اعتبار أنه كان يؤدي في السابق أدوارا يغلب عليها طابع الفكاهة والكوميديا، بينما دور «سيدي قدور العلمي»، كان يغلب عليه طابع الدراما. وبعد خروجه من السجن لم يقتصر عمل عبد الجبار الوزير على المسرح بل التحق بصفوف القوات المساعدة. فقد اقترح عليه أعضاء المقاومة الالتحاق بالشرطة أو بالجيش. وفي سنة 1957 التحق بالقوات المساعدة. وكانت المقاومة هي من اقترحت إلحاقه بالقوات المساعدة. هذا العمل العسكري وجد معه صعوبة في التوفيق بين العمل في صفوف «المخازنية» والمشاركة في الأعمال المسرحية الفنية. فلم يعد بإمكانه القيام بجولات لتقديم عروضه المسرحية. فكان مسؤولو الإذاعة هم من يتكلفون بأمر استصدار التراخيص له بالعمل في الإذاعة وخلال الجولات من وزارة الداخلية.