اشتهرت مدينة مراكش بعدة أسماء من بينها "سبعة رجال"، وارتبطت برجالاتها، الذين بصموا حياتها الدينية والروحية، وألهموا الكثير من الكتاب والأدباء وشعراء الملحون، من خلال حسهم الإنساني والأخلاقي، ما دفعنا إلى الالتفات لظاهرة هؤلاء الرجالات. على امتداد أربع وسبعين مسرحية، والكثير من المسلسلات التلفزيونية والإذاعية، والسكيتشات الفكاهية صحبة رفيق الفن والدرب الراحل محمد بلقاس، يلخص عبد الجبار لوزير لوقائع وأحداث وأسماء وعناوين تلخص لسيرة فنان متميز جرب كل الفرص والخيارات التي يمكن أن تقترحها الحياة على أي فرد منا. يحتفظ عبد الجبار لوزير لنفسه بروح الفكاهة والدعابة، سواء وهو يؤدي أعماله الفنية أو يجالس الناس أو يرد على تحاياهم في الشارع. جرب على امتداد عقود حياته كثيرا من الفرص والتجارب والمهن: حارس مرمى، صنايعي، مقاوم محكوم عليه بالإعدام، انخرط، في وقت لاحق، في القوات المساعدة، فكان يؤدي عمله بالنهار على هذا الأساس، وفي الليل يلبس جبة الفنان المسرحي ليضحك ويمتع الجمهور المغربي. كون نفسه بنفسه، فنان لم يتردد على الكتاب القرآني إلا لسنتين، قبل أن يودع الدراسة وحروف الأبجدية ويلتحق بالصنعة وهو طفل. لم يعرف عبد الجبار لوزير المدرسة، لكنه تعلم حروف الهجاء داخل السجن، لم يتعلم أبجديات المسرح في معهد متخصص، لكنه عاش فنانا يحظى بالحب والاحترام. مارس كرة القدم وكان حارسا لمرمى الكوكب المراكشي خلال سنة 1947، وكانت له مع الكرة ذكريات اجتمعت فيها الفكاهة مع الإصرار على الفوز. يسترجع الفنان الفكاهي عبد الجبار لوزير، خلال حديثه مع "المغربية"، بعض الذكريات التي مازالت عالقة بذهنه، خصوصا لحظة الحكم عليه بالإعدام الذي لم يجر تنفيذه، بعد حصول المغرب على الاستقلال وعودة الملك الراحل محمد الخامس من المنفى. يقول عبد الجبار لوزير عن ظروف وملابسات اعتقاله والحكم عليه بالإعدام، "رافقت أخي إلى "لافياسيون" (القاعدة الجوية) حيث كان يعمل كهربائيا، كان معي رفيقان من الخلية يدعيان البحيري وبوجمعة، كان هدفنا التعرف على المكان لتنفيذ عملية به، وصلنا منطقة رسو الطائرات، ضبطنا منافذ المطار وتصميمه، وفي تلك الأثناء وصلت إلى آذاننا أصوات وقع الأقدام، التفتت فإذا بي أرى حشدا كبيرا من عناصر الدرك والأمن يطوقونا، اعتقلونا، داهمني إحساس كبير بالفقد، وعندما بلغنا باب الجديد قلت في نفسي "وداعا باب الجديد لن أراك بعد اليوم". يسترسل عبد الجبار لوزير في حديثه قائلا "نزلنا في ضيافة "كوميسارية جامع الفنا" الذائعة الصيت، هناك ذقت وجبات مفضلة من التعذيب معدة بعناية، كان من الصعب علي تصور مضمون آخر للجحيم بعد العذاب الذي لقيته هناك، الجلادون يعدون جدولة مرتبة بدقة لانتزاع أقصى درجات الألم من أجسادنا المنهكة بالسهر والتعب، مثلا يوثقون أقدامنا بشدة ويشرعون في ضربها إلى أن يموت إحساسنا بها، وبعدها يرغموننا على المشي على أرضية مفروشة بحصى صغير (الكرافيت) عندها يصل الألم إلى حد الإغماء، نتهاوى أرضا، فيبدأ الضرب مرة أخرى، ويستمر المسلسل إلى أن يصل ذروته، يمسكون أصابعنا بالملقاط (اللقاط)، اعترفت بكل ما شاركت فيه من عمليات وما كنا نخطط له بعد المحاكمة، صدر في حقي حكم بالإعدام أنا وبن إبراهيم وحمان الفطواكي وعلال وبوبكر وغيرهم، ولأنني كنت متابعا في ملف آخر متعلق بتوزيع المناشير وغيرها، أحالوني على محكمة الرباط مع بن إبراهيم وولد عبد الكريم وسي أحمد الخروفة ضمن مجموعة متكونة، إذا لم تخني الذاكرة، من ثمانية أشخاص، أما حمان الفطواكي فسارعوا بإعدامه، مكثت بسجن بولمهارز بمراكش سبعة أشهر وبعدها رحلونا إلى سجن لعلو الذي أقمنا فيه إلى أن جاء الفرج مع عودة محمد الخامس والتوقيع على الاستقلال".