الحلقات التي ننشرها أسفله يكتبها الصادق العثماني، مدير الشؤون الإسلامية باتحاد المؤسسات الإسلامية بالبرازيل، حول تاريخ وبدايات الإسلام في أمريكا اللاتينية، وهي تنقلنا إلى الجذور الأولى للإسلام في بلدان القارة الأمريكية، وبدايات هجرة المسلمين إليها، والتعدد الثقافي والديني بها. وقد وقع الاختيار على هذه الحلقات، نظرا لقلة ما يعرفه القراء عن الإسلام في أمريكا اللاتينية، لذلك فهي رحلة في الماضي والحاضر من خلال عدسة ملاحظ معايش. كانت بداية قدوم المسلمين إلى فنزويلا من خلال الاستعمار البرتغالي والإسباني، وذلك عقب رحلة «كولمبوس» الشهيرة. ففي الرحلة الثالثة التي قام بها «كريستوفر كولومبوس»، كان قد صاحبه فيها شخص إسباني اسمه «أميريكوفيسبوشو» وأثناء دخولهما أراضي فنزويلا رأيا بيوتاً مبنية على قنوات المياه فتذكر قريته مسقط رأسه «فالينسيا» بإسبانيا، وسميت بهذا الاسم «فنزويلا» أي فلينسيا، وعندما عاد «كولومبوس» كتب تقريراً وصف فيه ما رآه فقال: «أراض غنية بالذهب والتوابل وسكانها طيبون يمكن تحويلهم بسهولة إلى المسيحية». وأغرى حديث «كولومبوس» عن الذهب البرتغال والإسبان بالتوجه إلى القارة واستيطانها بدءاً من أواخر القرن الخامس عشر، وجلب المستعمر البرتغالي والإسباني آلافاً مؤلفة من الزنوج المسلمين من غرب إفريقيا وسواحلها لاستخدامهم كأيد عاملة في مشاريعهم الرامية إلى استغلال ثروات البلاد، كما جيء بالعديد من المسلمين الإسبان الذين كانوا يخفون إسلامهم سراً، وتم بيعهم في أسواق الرقيق بأمريكا اللاتينية. ومع بداية القرن التاسع عشر بدأ نفوذ الاستعمار الأوروبي في الانكماش أمام موجات التحرر والثورات التي سادت معظم دول القارة والتي كان الفنزويلي (فرانسيسكو ديميراندا) بمثابة الأب الروحي لها، تبعه في ذلك (سيمون دي بوليفار) الذي يعتبره الشعب الفنزويلي المحرر والبطل والقائد، لا في فنزويلا وحدها، وإنما على امتداد أمريكا اللاتينية كلها. وجاءت نهاية الاستعمار الإسباني، الذي بدأ عام 1520م على فنزويلا، على يد ثورة «بوليفار» سنة 1821م، واعترفت فنزويلا بالجميل فكانت تسمى رسميا «فنزويلا البوليفارية» وأطلقت اسمه على عملتها وعلى أهم الشوارع والمدارس والجامعات.. مع العلم أن هؤلاء الثوار والقادة وعلى رأسهم «بوليفار» تأثروا بثورات العبيد المسلمين التي خاضوها ضد الاستعمار البرتغالي في البرازيل والتي كان أخطرها ثورة «الماليز» أي «مالي» سنة 1835م. وبعد ذلك ذاب الجيل الأول من المسلمين الذي جيء بهم كعبيد إلى فنزويلا في المجتمع، والبقية الباقية التي حاولت أن تحافظ على هويتها ودينها حوربت من طرف محاكم التفتيش الإسبانية المتعصبة، ولا يوجد اليوم إلا أطلال وعلامات مرسومة على ملامح الشعب الفنزويلي تشير إلى أن هؤلاء أحفاد المسلمين. وفي مرحلة أخرى، دفعت الأزمات الاقتصادية والسياسية والظروف المعيشية الصعبة التي عرفتها الدول العربية والإسلامية، بالإضافة إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية وما نتج عنها من مشكلات بالكثير من المسلمين العرب والمسيحيين إلى الهجرة نحو فنزويلا، وقد كان أغلب هؤلاء من بلاد الشام وخصوصاً سورية ولبنان وفلسطين. وتقدر الجالية السورية بنحو نصف المليون والجالية اللبنانية تأتي في المرتبة الثانية بنحو(300 ألف)، أما الجالية الفلسطينية فتقدر بحوالي (1000)، وهناك جاليات عربية وإسلامية مختلفة لكنها لا تكاد تذكر، كما أن هناك أقلية عربية مهاجرة من بعض دول أمريكا اللاتينية خصوصاً من ترينداد والبرازيل وشيلي.. انطلق هؤلاء العرب في بداية حياتهم كباعة متجولين في الشوارع والأسواق، وفي فترة وجيزة أصبحوا من رجال المال والأعمال يملكون محلات تجارية مهمة وشركات مختلفة ولهم وزنهم الاقتصادي، الأمر الذي دفع بالكثير من الأحزاب السياسية بمد وربط خيوط التفاهم معهم؛ بحيث أصبح فيهم المحامي والقاضي والطبيب والمهندس والمدرس في الجامعة. في هذا السياق يتحدث المدرّس « لريانو»(48 سنة) مع مجموعة من طلبته لوكالة الأنباء الإسلامية لدول أمريكاالشمالية والجنوبية عن أحوال المسلمين في فنزويلا: «أنا فنزويلي أسكن في كراكاس بجانب المسجد ولي أصدقاء عرب، وهناك جالية عربية قوية محترمة، والشعب الفنزويلي عموماً ينظر إليها نظرة تقدير واحترام، ونعتبرهم جزءاً لا يتجزأ من كيان الأمة الفنزويلية». وتعيش أغلب الجالية المسلمة في مدينة كراكاس، ومراكيبو، وماتورين، وبرشلونة، أما الجالية الفلسطينية فأغلبها يعيش في مدينة فالينسيا ولهم مركز إسلامي ومسجد، لكن لا يزال الكثيرون منهم متحمسين للقومية العربية، وهذا ينعكس سلباً على تسيير المسجد وبالتالي ضعف الجالية أمام التكتلات الأخرى، وهذا عائق خطير يواجه الجالية المسلمة في فنزويلا. ويوجد في فنزويلا العديد من الجمعيات الخيرية والمراكز الإسلامية والنوادي العربية والمدارس الإسلامية والعربية وفي مقدمتها المدرسة الإسلامية التابعة للتجمع الإسلامي الفنزويلي بماركاريتا والذي يترأسه السيد «قاسم طيجن»، كما يوجد عدد لا بأس به من المصليات والمساجد. ويعتبر مسجد الشيخ إبراهيم بن عبد العزيز الإبراهيم في كراكاس العاصمة، أكبر المساجد في فنزويلا وفي كافة أنحاء أمريكا اللاتينية، وقد تم الانتهاء من بنائه وافتتاحه رسمياً في 21 أبريل/نيسان 1993م. ونشأت فكرة إنشاء المسجد حسب رغبة أفراد الجالية الإسلامية في كراكاس وحاجتهم إلى مسجد يجمعهم ويقوي إيمانهم وعزيمتهم، وتبلورت خلال زيارة قام بها أحد رؤساء الجمهورية الفنزويلية وهو»كارلوس أندريز بيريز» إلى المملكة العربية السعودية، قام على إثرها بمنح قطعة أرض للجالية المسلمة في كراكاس تزيد مساحتها على 5000 متر مربع وتكفلت ببنائه مؤسسة إبراهيم بن عبد العزيز الإبراهيم الخيرية. ولكونه المسجد الأكبر في أمريكا اللاتينية حرصت المؤسسة على إعطائه طابعاً معمارياً مميزاً يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وعند افتتاحه خاطب الرئيس الفنزويلي الجماهير المسلمة قائلاً: «إن هذا العمل لن يكون فقط مركزاً للعبادة أو اعتكاف المؤمنين، وإنما سيكون رابطة جديدة للصداقة بين الشعب الفنزويلي والشعوب العربية المسلمة»، مؤكداً تقديره واحترامه للديانة المسلمة.» وللمركز نشاطات مهمة ودور مميز في خدمة قضايا الإسلام والمسلمين في هذا البلد.. والملاحظ أن هناك تعدداً للواجهات العاملة في حقل الدعوة، فهناك جمعيات ومراكز ومدارس وتجمعات مختلفة يغلب عليها الولاء للبلدان والأوطان الأصلية بالإضافة إلى التسابق أحياناً على قيادة الجمعية أوالمسجد. ويرى أبناء الجالية أن هذا الواقع المرير الذي تعيشه الجالية المسلمة في فنزويلا يؤثر فيها من الداخل، كما أن اتفاق المسلمين في هذا البلد على وحدة جامعة في الهياكل والمؤسسات والهموم والطموحات هو السبيل الوحيد والغذاء الناجع في استمرارية بقائها، لأن إمكانات المسلمين في فنزويلا لا تعاني من الشح والقلة، إنما تعاني الشتات والخذلان، وعدم وضع خطط وإستراتيجيات من خلالها تجمع كلمتهم وتقوي صفوفهم، وتجمع موارد المسلمين ولو محدودة وتستقطب جهدهم في بناء مؤسساتهم الدينية والثقافية والاقتصادية والسياسية. فنزويلا بلد بترولي وتعتبر رابع منتج ومصدر عالمي بإنتاج ثلاثة ملايين ومائتي ألف برميل يومياً، وبها الكثير من الثروات الطبيعية إلا أن أغلب شعبها إلى حد اليوم يعاني من الفقر، ويفتقر إلى أبسط المواد الأساسية لاستخدامها في مائدة طعامه.