"هذا طاعون وذاك كوليرا"، يبدو أن هذا هو التعبير الأنسب عن الصراع الدامي في العراق بين المعسكر الشيعي لرئيس الوزراء المالكي بدعم من إيران وبين فصيلة القاعدة الجهادية السنية المسماة "الدولة الإسلامية في العراق والشام". وليس الحديث عن حرب أهلية تقليدية أخرى ولا عن حرب دينية بين الشيعة والسنة، بل الحديث عن حرب لا هوادة فيها بين كتلتين إسلاميتين تتنافسان على الهيمنة على الشرق الأوسط كله. وإن النجاحات السريعة الميدانية للمجاهدين السنيين في وجه قوات حكومة المالكي المنحلة هي الشهادة أيضا على أخطاء السياسة الأمريكية منذ كانت حرب الخليج الأولى لبوش الأب، مرورا بحرب الخليج الثانية لبوش الابن، وانتهاءً إلى عهد أوباما وسحب جنوده من العراق وردوده الخاطئة على "الربيع العربي" واستقرار رأيه على إنهاء محاربة الإرهاب. وقد أسهم كل ذلك في نمو وانتشار عناصر إرهابية إسلامية في كل أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع العراقوسوريا. لكن الولاياتالمتحدة قد تزل الآن مرة أخرى، وستكون لهذه الزلة آثار خطيرة بعيدة المدى تتجاوز الشأن العراقي؛ ففي واشنطن أصوات عن جانبي المتراس السياسي تدعو إلى التعاون مع إيران لمحاربة الإسلاميين السنيين الذين يهددون باحتلال بغداد، وكل ذلك صادر عن التعليل المبتذل وهو أن "عدو عدوك صديقك". وقد قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري: "إن واشنطن منفتحة لمحادثات مع طهران إذا استطاعت هذه أن تساعد على وقف العنف وإعادة بناء الثقة في حكومة العراق". كانت جماعة الضغط الموالية لإيران في واشنطن -برئاسة الزوجين لبريت، وكانا في الماضي "خبيرين" بالشرق الأوسط في وكالة الاستخبارات المركزية وفي مجلس الأمن القومي، وسيد محمد مراندي، وهو أمريكي من أصل إيراني يؤيد علنا البرنامج الذري الإيراني- هي التي قفزت فورا إلى المركب بحماسة كما كان متوقعا. وكان أكثر من ذلك مفاجأة تصريحُ الشيخ الجمهوري الصقر (وصديق إسرائيل الواضح) لندزي غراهام الذي قال فيه "إنه يجب على الولاياتالمتحدة أن تتعاون مع إيران لمنع أن تصبح المنتصرة الكبرى في العراق". وفي مقابل ذلك، أجاب الشيخ مكين، مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة في 2008 ومشارك غراهام في الرأي على نحو عام، بأن "مصالح وأهداف الولاياتالمتحدةوإيران في العراق متضاربة تضاربا تاما، فيجب أن يكون هدف أمريكا مضاءلة التدخل الإيراني لا تشجيعه". في الحقيقة، لا شك في أن "حركة الدولة الإسلامية في العراقوسوريا" التي بنيت بالمناسبة بقدر غير قليل بفضل عدم وجود مساعدة أمريكية كافية للجهات العلمانية التي تكافح نظام الرئيس الأسد في سوريا، هي عدو أمريكا والغرب بعامة، اللدود والمتطرف. لكن زعم أن هذه الضرورة تسوغ التعاون مع إيران أحمق وغير أخلاقي معا. ولا يوجد هنا أخيار ولا أشرار، بل يوجد شريران سافران أحدهما -وهو إيران- يسعى إلى إحراز سلاح ذري ويهدد بإبادة شعب؛ ونظام هو المعبر الرئيس عن الإرهاب العالمي وتخالف مصالحه ودعاواه مصالح العالم الحر وآماله مخالفة شديدة. ومن الواضح مع كل ذلك أن العالم السني المعتدل أيضا، مع كل تحفظه من المجاهدين في العراق، لن يتحمس تحمسا خاصا للعلاقة الغرامية التي أخذت تنشأ بين الولاياتالمتحدةوإيران الشيعية. صحيح أن هذا اختيار بين الطاعون والكوليرا، لكن ينبغي أن نتوقع من صاغة السياسة الأمريكية أن يكونوا بعيدي النظر بقدر كاف كي يلاحظوا المعضلة التي يواجهونها ملاحظة صحيحة. إن المصلحة الأمريكية الحقيقية واضحة شفافة جدا، لا يلاحظها إلا صاحب نظارتين قد غُطيت عدستاهما. هذا إلى أن سخونة العلاقات بالولاياتالمتحدة -وستكون هذه هي النتيجة المباشرة للعلاقة الأمريكيةالإيرانية- ستمنح نظام آيات الله شرعية أخرى وتقويه في التفاوض في الاتفاق الذري وتفضي إلى نشر قوات عسكرية إيرانية بصورة دائمة في أرض العراق وتكون نتيجة ذلك تقريب "الجبهة الشرقية" من حدود إسرائيل والأردن. وتوجد نتيجة مصاحبة أخرى هي حقنة تشجيع لحزب الله في سوريا ولبنان. وليس من الموصى به على نحو عام أن تعبر الدبلوماسية والإعلام الإسرائيليان تعبيرا معلنا عن إجراءات الصديقة الأمريكية السياسية، لكن هذا التحفظ بخصوص غيران غير موجود. عن إسرائيل اليوم