بعد «حرب الشواطئ» و«حرب المخيمات»، اندلعت حرب «التمليك» بين جماعة العدل والإحسان والسلطات بمدينة مكناس، على خلفية احتجاجات تشهدها منطقة سيدي بوزكري لمطالبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالتخلي عن «مقاربة إفراغ» السكان من أراضي الأحباس، وتمليكهم أراضي تحولت، منذ عقود، وفي «غفلة من الجميع» إلى منطقة آهلة بالسكان لما يقرب من 100 ألف نسمة. وأسفرت احتجاجات السكان عن اعتقال 3 أشخاص. وقالت المصادر إن المتهمين قدموا، الأسبوع الماضي، أمام محكمة الاستئناف التي قررت إحالتهم على قاضي التحقيق بتهم لها علاقة بمحاولة إضرام النار والتجمهر والعصيان وإهانة موظف. ويتابع الحاج يحيا فضل الله، عضو قيادي في جماعة العدل والإحسان، في هذه القضية في حالة اعتقال. وذكرت مصادر من تنسيقية المحتجين أن القوات العمومية تدخلت لفض احتجاجاتهم، ما أسفر عن اعتقال 9 أشخاص، تمت إحالة 3 منهم على أنظار النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بمكناس. وقالت جماعة العدل والإحسان، طبقا لبيان لها، إن أصل المشكل في هذا الملف يعود إلى تجاهل السلطات المحلية وتورطها إلى جانب مافيا العقار في عملية النصب التي تعرض لها عشرات الآلاف من المواطنين. وأدانت الجماعة تدخل القوات العمومية بعنف في حق المحتجين، ودعت إلى الإفراج الفوري عن المعتقلين. وكانت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قد قررت، في وقت سابق، إحالة ملف هذه الأراضي على القضاء، وصدرت قرارات تقضي بإفراغ هذه الأراضي لفائدتها، لكونها أراضي تابعة للأحباس، فيما السكان يؤكدون على أنهم اقتنوا الأراضي التي حولوها إلى بنايات سكنية ومحلات تجارية، أمام أعين السلطات، في أوقات متباينة، وطالبوا بتمليكهم قطعهم الأرضية. وإلى جانب جماعة العدل والإحسان، «تنافس» كل من التجمع الوطني للأحرار، وحزب العدالة والتنمية على طرح أسئلة «نارية» حول الموضوع تحت قبة البرلمان. وتم استدعاء وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية لجلسة «طارئة» حول موضوع هذه الأراضي التي بنى فوقها ما يقرب من 35 ألف مسكن. وتحدث البرلماني التجمعي بدر الطاهري عن «خطورة» الملف، وطالب، وهو يقرأ سؤاله بصعوبة في مجلس النواب، بتمتيع السكان المعنيين بالماء والكهرباء، ووثائق التمليك، والنظر في الموضوع وفق مقاربة اجتماعية، فيما ارتدى البرلماني عبد الله بوانو «قبعة» المعارضة في هذه القضية ضد حكومة يترأسها حزبه (العدالة والتنمية)، وتحدث عن مصير السكان الذين يعانون من الهشاشة أمام خطر الإفراغ الذي يهددهم، وقال إن تحول هذه الأراضي، في أوقات سابقة، إلى أحياء سكنية، عرف تجاوزات وفساد مالي وإداري تورط فيه منتخبون وإداريون. ودعا وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى أن تحاور المواطنين المعنيين، بغرض تمكينهم من وثائق التمليك. وكانت قضية أراضي سيدي بوزكري قد تفجرت لعدة مرات، وشهدت تطورات مثيرة. فقد فتحت الشرطة القضائية، منذ حوالي سنتين، تحقيقات أفضت إلى اعتقال «فوج» من المجزئين السريين والمنتخبين والسماسرة والدكاترة والأطباء اتهموا بالتورط في عمليات «تجزيء سري» عشوائي لهذه الأراضي، وبيعها للمواطنين. كما شهدت، في الآونة الأخيرة، حادث «ترامي» من قبل المئات من المواطنين على أراض غير مبنية تابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. واضطرت السلطات المحلية إلى بذل مجهودات كبيرة لإقناع هؤلاء «المحتجين» بالعدول عن «احتلال» هذه الأراضي، وتم اعتقال عدد من الأشخاص المتورطين في عملية «الاحتلال»، وتبين من خلال التحقيقات أن بعض المترامين حصلوا على عقود بيع غير قانونية، ما استدعى تعميق التحريات في هذه القضية. فيما سبق للمنطقة أن عاشت احتجاجات للسكان تطالب بتأهيل الأحياء، وأسفرت هذه الاحتجاجات عن اعتقال القيادي في جماعة العدل والإحسان، إلى جانب حوالي 10 أشخاص آخرين، وجهت لهم تهم تتعلق بمحاولة إضرام النار في سيارة رجل شرطة، والدخول في مواجهات مع القوات العمومية. وتعود أكبر عمليات «التجزيء السري» في هذه المنطقة التي تعتبر من أكبر قلاع البناء العشوائي في العاصمة الإسماعيلية، إلى سنة 2006. فقد عمدت نظارة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى وضع مساحات منها رهن إشارة بعض «المستثمرين» بالمدينة، عن طريق الكراء، مقابل تحويلها إلى مستودعات، لكن عددا منهم عمد إلى تسويرها. وتم اكتشاف «تجزئات» سكنية عشوائية بداخلها أثناء عمليات مداهمة تم القيام بها. ويعمد المجزئون إلى الحصول على رخص للتسوير من الجماعة الحضرية. وعند إجراء العملية، يقومون بتقسيم الأرض إلى قطع ويتم بيعها مقابل مبالغ تتراوح ما بين 5 و10 ملايين سنتيم للقطعة الواحدة، على أن عمليات البناء لا تحترم أدنى المعايير المعمول بها، ما ينذر بخطر وقوع كوارث إنسانية بسبب انهيارات محدقة لمنازل مكتظة بنيت على حافات ومناطق تقول المصادر إن بعضها أصلا غير صالح للبناء