انتهت فصول الإثارة في جامعة الكرة.. فقد أعلن لقجع قبل أسبوع عن الزاكي مدربا جديدا للأسود.. هذه المرة استجابت الجامعة للغة المنطق.. «حسباتها مزيان».. واستجابت أيضا لرغبة شعب بأكمله.. وعاد الزاكي إلى عرين الأسود.. وفي الذاكرة حلم أمة.. الحلم بكأس لم نغن لها منذ سبعينيات القرن الماضي.. راهن الزاكي على ثقة شعب، على حب الوطن.. وعلى حفاوة اللعب في عقر الدار.. قبلها، كان لابد لهذا الجمهور العاشق أن يضع يده على قلبه.. كان عليه أن ينتظر نهاية مسرحية لم نرد لها أن تنتهي بدراما حزينة.. فقد جاءت الجامعة بإدفوكات، المدرب الخائن، وجاءت بتراباتوني، المدرب العجوز، ودخل السباق المحموم فيربيك بحظوظ ضعيفة.. ومعهم الزاكي، الرجل الذي صنع يوما ملحمة النصر بتونس.. ولم يخرجه من المونديال إلا تعادل غادر في تونس.. كان لابد لنا أن نتساءل باستغراب: كيف يعقل أن نمنح تدريب الأسود لمدرب إيطالي جاء ليبحث عن تقاعد مريح بالمغرب؟ مدرب قد نحتاج معه لعقدين اثنين، واحد معه وثان مع شركة ديال ليكوش.. ونحتاج معه أيضا لمترجم، ولمكبر صوت ولملايين الأوروهات لكسب وده.. وهل من المعقول أن نضع الثقة في إدفوكات، المدرب الخائن الذي قد يتخلى عنا يوما في نصف الطريق. كما فعلها يوما مع منتخب بلجيكا؟ وقد لا نختلف في أن فيربيك انتهت مهمته.. وقد لا يحتاج منا غير باقة ورد وجمل وداع لطيف.. ومستعدون لأن نحمل عنه حقائبه إلى المطار.. لقد أسعدنا حقا أن يكون الزاكي هو رجل المرحلة.. فالعرس في بلدنا ومن غير الممكن أن يكون هناك عريس آخر غيره.. الزاكي.. كنت دائما أعرف أن هذا الرجل مسكون بهاجس فريد اسمه التحدي، كان يترجمه يوما في الشبكة.. تعملق أمام الجميع دون استثناء، تصدى يوما لعمالقة الكرة، قضى على التبجح الإنجليزي، أبهر نجوم المنتخب البولوني، وأنهى - بتدخل سريع لن ينساه «رومنيغة» ومعه كل العالم- غطرسة الألمان في مونديال الأحلام بمكسيكو 86.. لقد كان الزاكي واحدا من نجوم المونديال، وجاء البعض يسأل عن هذا الحارس الذي صنع التميز في «كوادا لاخارا» و»مونتيري».. لقد أمتع الزاكي محبيه وخصومه على حد سواء، ولم يكن هناك حارس آخر أحسن منه.. وقبلها بأعوام كان الزاكي في سلا يتعلم أبجديات الحراسة مع الحارس العنكبوت لعلو، وداخل الوداد أكمل السحر كله.. وفي إسبانيا كان سفيرا فوق العادة.. تحدثت عنه الصحافة العالمية بكل اللغات الممكنة. وحين أراد الأسد العودة إلى عرينه بمغرب الأفراح، شيدت له «مايوركا» تمثال الخلود.. لقد كان فعلا عطر «مايوركا» الفريد ونجم إفريقيا المدلل، فاز بالكرة الذهبية بعد مونديال رائع، ومضى سعيدا بلقبه. وبعد سنوات التألق كحارس كبير، دخل الزاكي عالم التدريب.. كانت التجارب رائعة داخل أندية وطنية قبل أن ينتقل إلى فقرة أخرى أكثر إشراقا، فقد قاد الزاكي مجموعة سحرة إلى تونس ووقع بالقدم أحلى لحظات القدر.. لعب نهاية «الكان» في واحدة من أنجح المشاركات المغربية في كأس إفريقيا للأمم.. والفرح يومها كان يتعدى الزغردة والرقص والفرح... والذين يعرفون الزاكي يعلمون أنه يملك العديد من الهوايات، فهو عاشق للتبوريدة والصيد، وهو قبل كل ذلك كناوي يمتع من حوله بنبرات هجهوجه.. يعشق الزاكي الموسيقى، فقد ظلت أغاني كناوة تجذبه إليها باستمرار.. يهوى الزاكي كذلك، إلى جانب الموسيقى لكناوية، الغوص في أعماق البحر.. يعشقها بقوة، وإن كان الرجل يدرك جيدا أن كرة القدم هي عشقه الذي لم تغيره السنون.. الزاكي، وعد بالفوز بكأس إفريقيا، يعلم أن المهمة صعبة ولكنها غير مستحيلة.. ولكننا مع الزاكي أدركنا جميعا أن مطرب الحي يطرب.