معه تتحول كل الأشياء إلى متعة صامتة، متعة صنعها تراقص الأقدام.. بودربالة، لا بد أن هذا اللاعب خلق ليرسم بالكعب لوحة الإبهار.. تعددت ألقابه وظل دائما وفيا لسحره، لعادة المراوغة التي تلازمه كظله. كان اللاعب قد جاء إلى فريق الوداد البيضاوي سنة 1977، حين استقدمه المرحوم كاباطاس وأحمد لكميري، وكانت سنه آنذاك 16 سنة، كان مع الوداد يحيك لنفسه ثوب الزفة في لحظات كثيرة، وكان الكل من حوله يحتفلون معه بمراسيم العيد، ومع المنتخب المغربي أكمل ملاحم الإبداع.. كان نجما فوق العادة، هتف الجمهور المغربي باسمه طويلا. «المساء» تسافر معكم في ذاكرة عزيز بودربالة وتدعوكم إلى اكتشاف تفاصيل غير مسبوقة من حياة مليئة بالأحداث المثيرة. إنجاز غير مسبوق انتهت المباراة ضد إنجلترا، وهي المباراة التي أنهت «تبجح» الإنجليز.. وضربت للجماهير الرياضية، التي شجعت المغاربة بحرارة، موعدا آخر مع تألق عربي مقبل. وفي المباراة الختامية ل«مجموعة الموت»، كان لزاما على المنتخب المغربي أن يحقق الأهم ويضمن لنفسه مكانا آمنا إلى جانب «الكبار» في الدور الثاني، خاصة بعد المكالمات التشجيعية للملك الراحل الحسن الثاني. وقد أبان كل لاعب مغربي عن روح قتالية كبيرة، استحق عليها التنويه وتم اختيار عزيز ضمن الفريق المشكل لنجوم العالم في المونديال. يتحدث بودربالة عن مباراة النصر في «وادي الحجارة» (غوادا لاخارا) بفخر كبير: «قبل المباراة الختامية في مجموعتنا، كانت تصلنا الأصداء من المغرب. لقد سعد الجمهور يومها بالنتائج التي حققناها. وكانت تصلنا مكالمات تشجيعية من الملك الراحل الحسن الثاني، الذي حفّزنا على بذل مزيد من العطاء لتشريف كرة القدم المغربية.. لقد أصبحنا ملزمين بأن نجلب البسمة لهذا الجمهور العريض الذي ينتظر منا فوزا يمنحه سعادة لا توصف.. وانتظرنا مباراة البرتغال بروح المواطنة وقوة الإرادة، فقد كنا، يومها، على استعداد لهزم أي منتخب عالمي دفاعا عن القميص الوطني وتلبية لرغبة الملك وإكراما لجمهور عاشق.. كنا نعلم أنها المباراة الأخيرة وأن نقطة واحدة قد تمنحنا تأهلا مستحقا وأن الفرصة أصبحت مواتية لندخل التاريخ كأول بلد عربي وإفريقي يصل إلى الدور الثاني في منافسات كأس العالم.. فبعد خمس دقائق على انطلاق المباراة، أحسسنا جميعا أن المباراة تسير في الاتجاه الصحيح. قرأت ذلك في عيون اللاعبين. وازدادت رغبتنا في الانتصار. وقد لعب الجمهور المكسيكي والبرازيلي دورا فعالا في النتيجة. وبعد الهدف الأول لخيري، كبر الحلم أمام منتخب كان، يومها، وصيفا لبطل أوروبا.. ثم جاء الهدف الثاني الذي أحسسنا بعد تسجيله أننا سائرون في الطريق الصحيح، ودخلنا مستودع الملابس ونحن متأكدون من فوزنا ومن أننا سنعبر، حتما، إلى الدور الثاني، حتى وإن حقق البرتغاليون تعادلهم.. ولكننا أصبحنا متمسكين بالانتصار، حتى نتمكن من احتلال المرتبة الأولى ونخلق أحلى مفاجأة في المونديال.. أضاف بعدها كريمو هدفا ثالثا، وكان التأهل الكبير الذي كان قبل سنوات «ممنوعا» على العرب والأفارقة.. وفي مستودع الملابس، كان الفرح يفوق الوصف ويتعدى الزغاريد والرقص.. فقد كلم الملك الراحل الحسن الثاني ثلاثة لاعبين، تحدث إلى عميد الفريق، الزاكي بادو، وإلى عبد الرزاق خيري وإلى عبد ربه، قال لنا إنه فخور بنا وإننا أسعدنا كل المغاربة»... نهاية حلم جميل أن تنتقل إلى الدور الثاني من المنافسات فذلك إنجاز رائع جدا، ولكنْ أن تتصدر مجموعتك، فتلك قمة الإبداع.. وكان على المنتخب المغربي أن يواجه في دور الثمن منتخبا ألمانيا حافلا بالأسماء الكبيرة.. يختصر عزيز دقائق مباراة نهاية الحلم المغربي في المكسيك قائلا: «أصبحنا بعد هذا الإنجاز مطالَبين بمواجهة منتخب ألمانيا، لقد أعاد التاريخ نفسه، فبعد مباراة مكسيكو 70، سيواجه المنتخب المغربي منتخب ألمانيا في مكسيكو 86، وهذه المرة في الدور الثاني.. لقد توقعنا صعوبة المواجهة. كان هناك تخوف كبير من منتخب ألمانيا، الذي كان يضم بين صفوفه لاعبين موهوبين، كان لا بد لنا أن نغادر ملعب «غوادا لاخارا»، الذي شهد ملحمة النصر ونلتحق بملعب «مونتيري»، الذي كان يعرف حرارة مرتفعة ونسبة رطوبة مرتفعة كذلك.. ففوق أرضية ثقيلة، ظهر العياء على اللاعبين وأدركنا أنه لا يمكن هزم المنتخب الألماني إلا بالضربات الترجيحية. ولكن دقائق المباراة لم تمهلنا طويلا، فقد سجل الألمان هدف النصر قبل دقيقتين من نهاية المباراة، وكانت تلكم نهاية مسار التألق. وفي مستودع الملابس، كان هناك تلاحم كبير بين المدرب فاريا ومساعده جورفان، وكان الانسجام واضحا بين لاعبين هواة وبعض المحترفين.. كنا سعداء بما وصلنا إليه وقد كان بإمكاننا الذهاب بعيدا في المونديال لو أننا تخطينا عقبة الألمان، ولكن النهاية كانت رائعة جدا، رغم الهزيمة ضد زملاء شوماخر».
استقبال ملكي تاريخي بعد هذا الإنجاز التاريخي، وجّه الملك الراحل للمنتخب المغربي دعوة لمتابعة المونديال في المكسيك حتى نهايته، وأهدى اللاعبين بعدها زيارة إلى نيويوركالأمريكية، وهي الزيارة التي استمرت ثلاثة أيام، توجه بعدها المنتخب المغربي إلى جنيف، ثم أقلته طائرة خاصة إلى المغرب، لتتزامن عودته مع الاحتفالات بعيد الشباب. وقد خصص الملك الراحل الحسن الثاني استقبالا رائعا لأبطال المكسيك، رفقة ولي عهد السعودية آنذاك وملكها الحالي في مركب محمد الخامس. كان استقبالا تاريخيا يتذكره كل من حضروه بفخر كبير، وكان مناسبة، أيضا، لمرافقة الملك أثناء مراسيم تدشين عمالة عين السبع -الحي المحمدي. لقد كان مونديال المكسيك فاتحة خير أمام منتخبات عربية وإفريقية لتحقق، بعد سنوات، نفس الإنجاز. كما كافأت الجامعة جهود اللاعبين بمنحة مالية قدرت ب160 ألف درهم لكل لاعب»...