لنفترض أن السينمائيين المغاربة قرؤوا فعلا هذا الكتاب: «ورشة سيناريو» الذي يتضمن الفصول التالية: «كيف تحكى حكاية، نزوة القص المباركة، وبائعة الأحلام» لغابرييل غارسيا ماركيز. لو حدث ذلك لكان السينمائيون المغاربة قد تغيروا وغيروا كثيرا من معتقداتهم الفنية ومن تعاملهم مع السينما المغربية، ولخجل الكثيرون مما يقدمونه للمغاربة مما يسمونها «أفلاما» تعسفا. وأعتقد أنه لو تمت قراءة الكتاب أيضا من طرف القيمين على مجال تقديم الدعم لوضعوا كثيرا مما تسمى»سيناريوهات» في سلة القمامة، ولوفروا المال العام للشعب. وأعترف أن محاولة تقديم ملخص للكتاب هنا في هذا العمود هو تعسف عليه. فالأمر يقتضي قراءته كاملا، وليس فقط من طرف المهتمين بالمجال السينمائي فقط، بل أيضا من طرف الجمهور، وخاصة عشاق السينما.. لو فعلوا ذاك لتمتعوا، و لتكشفت أمامهم أشياء كثيرة، ولعلموا أنهم مخدوعون حينما يضيعون وقتا ومالا في سبيل التفرج على أفلام بلا سيناريو، أو بسيناريوهات «كوكوت منيتية». إن استسهال كتابة السيناريو أو اعتباره مجرد شيء ثانوي، أو إلغاؤه عند بعض المخرجين وإنجاز أفلامهم بدونه، لن يؤدي إلا إلى أفلام رديئة لا معنى لها. وعلى ذلك فإن قراءة «ورشة سيناريو» لماركيز الذي أشرف على هذه الورشة وحول كل ما دار فيها إلى كتاب مطبوع شيء لا بد منه من أجل خلق التحول داخل الجسد السينمائي الحائر، الذي لم يأخذ بعد سكته. فلنستمع إلى ماركيز وهو يتوجه بخطابه إلى «طلبة» الورشة: «أحد أكثر الالتباسات تواترا، في ما يتعلق بهدف الورشة، تتلخص في الاعتقاد بأننا جئنا إلى هنا كي نكتب سيناريوهات أو مشروعات سيناريوهات. وهذا طبيعي، فأنتم جميعكم تقريبا كتاب سيناريو أو تريدون أن تصبحوا كذلك، تكتبون أو تتطلعون إلى الكتابة للتلفزيون أو السينما، وبما أن هذه مدرسة للسينما والتلفزيون، تحديدا، فمن المنطقي أن تحافظوا لدى المجيء إلى هنا على العادات الذهنية للمهنة. فتواصلون التفكير بمصطلحات الصورة، والبنى الدرامية، والمشاهد والمناظر، أليس كذلك؟ حسن إذن: انسوا ذلك كله. إننا هنا من أجل حكاية القصص. فما يهمنا تعلمه هنا هو كيف يتم تركيب قصة، وكيف تحكى. وإنني لأتساءل مع ذلك، متكلما بصراحة كاملة، عما إذا كان ذلك شيء يمكن تعلمه». في ورشته هاته كانت تطرح الأفكار التي ما تفتأ تتحول وأحيانا تلغى وتطرح بدائل أخرى. كل هذا من أجل الوصول إلى اللحظة الحاسمة التي لا يمكن أن يغفل عنها المشاهد: «مثل الصياد الذي يكتشف فجأة، من خلال منظار بندقيته، اللحظة الدقيقة التي يقفز فيها الأرنب» وعلى المشارك في الورشة أن يقبل ذلك، فليس هناك معلم ومتعلم و»ديكتاتور»، فالكل يتعلمون ويساهمون في صنع الأحسن والأجمل. ف»ليس مقبولا -كما يقول ماركيز في الكتاب- أن يكون المشارك في الورشة شخصا لا يقبل النقد. فهذه عملية أخذ ورد، ويجب أن يكون المشارك مستعدا لتوجيه الضربات وتلقيها. أين هو الحد بين ما هو مسموح به وما هو غير مقبول؟ لا أحد يعرفه. فكل واحد منا يحدده بنفسه. في البدء، يجب أن تكون القصة التي سيرويها كل واحد منا واضحة في ذهنه. ويجب عليه انطلاقا من ذلك أن يكون مستعدا للنضال والدفاع عنها بالأظفار والأسنان، أو يكون مرنا بما يكفي، عندما يحين الوقت، ليعترف بأن القصة مثلما يتصورها لا تحتمل التطور..» وقد أحسن ماركيز تقديم الصورة حينما قال: «صورة كاتب السيناريو مختلفة جدا. ليس هناك حاجة إلى المهانة في هذا العالم أكثر من الحاجة إليها لممارسة مهنة السيناريو بكرامة فهو عمل إبداعي لكنه في الوقت نفسه عمل تابع». إن القصة التي يكتبها ستتحلل وتنشطر ل»يكون –كما يقول ماركيز- آكل اللحم البشري الأكبر على الدوام هو المخرج الذي يستحوذ على القصة، ويندغم بها ويدخل فيها موهبته ومهنيته وخصوصيته لكي تتحول أخيرا إلى الفيلم الذي نذهب لمشاهدته». ماذا لو قرأ سينمائيونا هذا الكتاب؟ وما ذا لو قرأه عشاق السينما؟ لو حدث ذلك لتغيرت أشياء كثيرة ولتكشف للجمهور أنه مخدوع . أفليس التغيير هو ما تنشده السينما؟