تعتبر الكاتبة المكسيكية لاورا إسكيبيل ضمن قائمة الكاتبات البارزات في أدب امريكا اللاتينية، تحديدا بعد صدور روايتها Like Water for Chocolate التي ترجمت الى العربية مؤخرا تحت عنوان الغليان وصدرت عن المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة. ولدت لاورا ايسكيبل في المكسيك في 30 سبتمبر 1950، وبدأت العمل مدرسة في روضة للأطفال قبل أن تبدأ في كتابة مسرحيات الأطفال أولا ثم تتحول الى كتابة الرواية. روايتها الغليان التي تحولت الى فيلم سينمائي حمل العنوان الأصلي للرواية، حازت علي عدة جوائز، وترجمت الي الانكليزية كما ترجمت الي ثلاثين لغة أخري. في هذا الحوار تحكي لاورا إيسكيبل عن تجربتها في الكتابة، وعن موقفها من التقاليد الصارمة، كما تحكي عن تجربتها في كتابة السيناريو: { يبدو الحب حاضرا بقوة في روايتيك الغليان و قانون الحب وكما لو أنه معادل للوجود الإنساني، للقدر، ما سبب انشغالك بهذه الفكرة؟ بالنسبة لي الحب هو القوة الدافعة والملهمة. إنها القوة التي تحرك العالم. ربما لما هو أبعد من القدر الإنساني، القدر مجرد فكرة شغلتني كموضوع ولكن ليس بشكل جبري، أنا أؤمن أن بمقدور الإنسان أن يغير قدره من خلال المعرفة الذاتية، حين تعمل علي تطوير نفسك فأنت تحول قدرك. { ما هو القدر إذن اذا كان متحولا؟ إنه طريق ينبغي عليك السير فيه أو السفر عبره، ويعود إليك الخيار حين تقرر الرحيل عنه. في عملك هناك استحضار لقوة التقاليد، ماذا يفعل الزمن إذن أمام تلك المقدرات الموروثة؟ التقاليد الموروثة عامل مهم يتضافر مع لعبة القدر ليحكمها، مثلا كأن تولد في عائلة يهودية أو مسيحية أو مسلمة، أو تحمل ديانتين مختلفتين، عائلتك لها الحق (بوضع اليد) علي ما ينبغي أن تعتنقه أنت من ديانة. هناك أيضا محاولات المجتمع المستمرة لتحديد الدور الذي علينا أن نقوم به. وهذه التحديدات لا تتوافق دائما مع رغباتنا الداخلية. أنا دائما مشغولة بالبحث في العلاقة القائمة بين عالمنا الداخلي والعالم الخارجي، ومن وجهة نظري ينبغي التنبه كثيرا للصوت الداخلي، لأنه الطريق الوحيد لتكتشف ما هي مهمتك في هذه الحياة. وهو أيضا الوسيلة الوحيدة التي تزودك بالقدرة لتتخاصم مع العائلة أو الثقافة التي تملي عليك نموذجا معينا عليك التصرف من خلاله. { ماذا تفعلين حين لا يكون الصوت الداخلي منسجما مع الخارج؟ في روايتي قانون الحب البطلة أزوثينا تعاني معاناة عظيمة من صراع داخلي، وترفض الاصغاء لملاكها الحارس الذي يكون صوته موازيا لصوت الآخر داخلها، بالتأكيد ستظل هي في صراع مع عدة عوامل اجتماعية في زمنها ذاك رغم أنها لا تبدو تقليدية، لكنها بشكل أو بآخر تقوم بأفعال منافية لتقاليد تلك الأيام. { الكاتبة التشيلية ايزابيل اللندي التي تكتب مثلك بالاسبانية تري أن رواياتها تختلف تماما حين تترجم للانكليزية، خصوصا فيما يتعلق بالحبكة في قصة الحب، بمعني أنه لا يتم ترجمتها بشكل جيد من الاسبانية الي الانكليزية، هل تجدين هذا صحيحا؟ بالنسبة لي كنت سعيدة جدا بالترجمة الي الانكليزية، لكن أظن أن هذا القول ليس بالحكم الدقيق، مع كتاب مثل (قانون الحب) هناك عدة مشاكل بالنسبة للترجمة، فقد كتبتها بعدة أصوات وطرق متنوعة في الكتابة، من المؤكد أن المترجم واجه مشاكل خلال ترجمتها الي الانكليزية حيث تقنيات اللغة الانكليزية مختلفة رغم أن المترجم يحرص أن يأتي بمعني مقارب بين اللغتين. لعل الصعوبة الأخري تكمن في حس الدعابة ، فالدعابات من الصعب ترجمتها من ثقافة الي أخري، مثلا مع شخصية مثل (أزوثينا) من الممكن تجاهل الأمر لأنها شخصية بعيدة عن المرح. لكن مع (كواكيتا) تلك الشخصية القدرية المفعمة بسوء استخدام مرح للمفردات يكون التحدي أكبر بكثير. لكن بالنتيجة علي المترجم أن يعطي التورية المناسبة التي تساعد الآخرين علي فهم المعني. { كيف بدأت كتابة الروايات؟ لم يحدث الأمر بسبب غاية ملحة دفعتني للكتابة. بدأت الكتابة اولا بشكل عملي وليس شخصي، فقد كنت أعمل معلمة في روضة أطفال وشاركت في ورشة عمل مسرح للأطفال، في البداية كانت المواد المتوفرة لدينا قليلة جدا، لذا بدأت أكتب مسرحيات للأطفال، ثم مع مرور الوقت كتبت برامج تلفزيونية للأطفال. حين تزوجت كان زوجي يعمل في الاخراج السينمائي وكان معجبا جدا بما أفعله، تعلمت معه كتابة السيناريو، وشجعني علي ان اكتب للسينما. لكن المشكلة بالنسبة لي كانت دوما مع الانتاج، غالبا ما تعوق مشاكل الانتاج ظهور العمل كما هو لأنهم يتدخلون في أفكاري مطالبين بالتخلص من هذه الشخصية أو تلك. لذا صرت محبطة من هذا الوسط. روايتي (الغليان) التي تم تحويلها الي فيلم، كانت في الأساس فكرة لفيلم سينمائي لكن قيل لي أنها ستكلف الكثير من المال، وستحتاج لميزانية ضخمة، لذا قررت كتابتها كرواية لكن طوال الوقت ظلت في ذهني كمشاهد سينمائية، ولم أفكر أنها ستتحول الي فيلم، لكن بعد نجاحها في المكسيك وفي امريكا اللاتينية تلقيت الكثير من الاقتراحات لتحويلها الي عمل سينمائي، وهذا ما حدث بالفعل. { رواية (قانون الحب) تبدو مرئية ومفعمة بالصور أكثر مما هي مروية، هل كنت تنوين تحويلها أيضا الي عمل سينمائي؟ لا أبدا، مع أنها عرضت مؤخرا علي المنتجين. { كيف تميزين بين الكتابة الروائية وكتابة السيناريو؟ العمل في إحداهما يختلف تماما عن الثاني، في الفيلم يمكنك الاعتماد علي المشاهد ورواية الحكاية بسرعة، لكن في السينما لا تجد بسهولة التقنية التي تساعدك علي الولوج في قلب الأفكار والمشاعر الانسانية، بينما في الرواية يمكنك ان تعبر بسهولة عن كل ما تريد قوله حول مشاعر وأفكار الأبطال. { هل هناك شيء معين تودين قوله من خلال رواياتك؟ خلال عملي كمدرسة توصلت الي استنتاج أن ما يتعلمه المرء في الدراسة غير كاف علي الاطلاق، وان ما ينبغي التركيز عليه هو تعلم كيف يفهم ذاته. قانون الحب هو ما يجب تعلمه في المدرسة، وما أردت إيصاله للناس هو أنه ينبغي علي الناس عدم إطاعة القوانين الاجتماعية التي لا تتناسب معهم، ينبغي عليهم التخلص من كل ما يعيق صوابهم الذاتي. { وكيف توصلت لهذا الاستنتاج؟ أنا أنحدر من عائلة كاثوليكية، رغم أن تربيتي لم تكن متزمتة جدا لكن مع سن المراهقة بدأت بدراسة الفلسفة الشرقية، وصرت نباتية وباقي الأشياء الاخري. . . ومع الوقت صرت أمارس التأمل، لكن خلفيتي الروحانية كانت انتقائية لذا تغيرت فلسفتي كثيرا مع الوقت. { يوجد جوع من الناحية الروحية، لذا أتساءل اذا كان هذا السبب من ضمن الأسباب التي أدت الي رواج كتبك وشعبيتها؟ الرسائل التي تلقيتها من قرائي في غالبيتها تضمنت الشكر علي الجانب الروحاني الموجود في رواية (الغليان) والذي ساعدهم كثيرا في حياتهم. { ماذا يعني المطبخ بالنسبة لك؟ المطبخ بالنسبة لي هو أهم جزء في المنزل. إنه مصدر المعرفة ومجرد وجود مثل هذه الفكرة يضفي سعادة ما. { متي تعلمت الطبخ؟ مع أمي وجدتي. الوصفات الواردة في رواية الغليان هي مما تحفظه قريحتي المطبخية، وكل وصفة لها مناسبتها الخاصة. { لمن تفضلين القراءة؟ أحب قراءة كل شي، ربما افضل غابرييل غارسيا ماركيز، هناك رواية أحبها لخوان رولفو تدعي بيدرو بارامو ، غابرييل غارسيا ماركيز يقول أن خوان رولفو يوحي له بالكثير من الأفكار. رولفو أول من كتب الواقعية السحرية الحديثة رغم انه أصدر كتابين فقط. هذه التقنية موجودة منذ أيام سرفانتس لكن رولفو هو أول الكتاب الحديثين الذين استخدموا هذه التقنية. { كيف تعرفين الواقعية السحرية؟ لا أستطيع أن أعرفها، أظن أن هذا الأمر يتعلق بالنقاد أكثر من الكتاب. { هل أثر ماركيز علي كتابتك؟ كل الكتاب في امريكا اللاتينية تأثروا به، لكنني أظن أن التأثير الأكبر يأتي من الطعام الذي نتناوله، ومن الموسيقي التي نستمع اليها. أنا أظن ذلك لان العوامل الثقافية بين اللاتينيين متشابهة جدا وبالتالي فالنتاج الأدبي متشابه بعض الشيء. { ما الذي جعلك تقررين ارفاق (سي. دي) مع هذا الكتاب؟ السبب الأول أنني رغبت في مشاركة القراء في الاستماع الي موسيقي بوسيني ، والسبب الثاني أن الموسيقي لها تأثيرات مباشرة علي الوعي، كما رغبت للقراء أن يتشاركوا مع خبرات أبطال الرواية. { لماذا يقرأ الناس الروايات في رأيك؟ لا أستطيع الكلام بالنيابة عن كل القراء، لكن بالنسبة لي أحب قراءة القصص التي فيها شيء حقيقي، واقعي، وأهم من كل شيء عاطفي. لا أحب قراءة مقالة سياسية في الرواية، لا أحب قراءة النقد والسفسطة الفكرية الباردة. ما أحب قراءته هو الكتابات التي تقربني من الناس.