أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    الأزمي يتهم زميله في المعارضة لشكر بمحاولة دخول الحكومة "على ظهر العدالة والتنمية"        تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025    بيت الشعر في المغرب والمقهى الثقافي لسينما النهضة    الزمامرة والوداد للانفراد بالمركز الثاني و"الكوديم" أمام الفتح للابتعاد عن المراكز الأخيرة    اعتقال بزناز قام بدهس أربعة أشخاص    بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية        بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي        محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    تولي إيلون ماسك لمنصب سياسي يُثير شُبهة تضارب المصالح بالولايات المتحدة الأمريكية    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاتحاد الاشتراكي ..حرو ب ما بعد المؤتمر
صراع «شرعية المؤتمر» و«مأسسة التيارات» يضرب حزب المهدي وعمر
نشر في المساء يوم 21 - 04 - 2014

عاش حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في تاريخه، منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي، ثلاثة صراعات داخلية، إثنتان منها انتهتا بالانشقاق، والثالثة اليوم مازالت تهدده بانشقاق جديد، ما لم يتم تدارك الموقف. الخلاف الأول حصل بسبب الموقف من تدبير العلاقة مع الدولة، أو النظام بلغة تلك الفترة، والثاني حصل بسبب الموقف من التجربة الحكومية وتقاطع النقابي والسياسي بعد التناوب التوافقي، أما الخلاف الحالي فهو يحصل اليوم بسبب الموقف من التدبير الداخلي للحزب. ويظهر هذا التباين في أسباب الخلافات التراجع التدريجي للحزب إلى مجرد هيئة سياسية تتصارع داخلها الأطراف حول من يقود الحزب في الفترة الحالية، منذ المؤتمر الوطني الأخير. فالاتحاد الاشتراكي انتقل من الانشقاق الأول عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في السبعينيات من الطموح في حمل هموم الطبقات الاجتماعية إلى مجرد طموح ضيق في حمل همومه الداخلية فقط.
وتعد الخلافات الراهنة داخل الحزب بين قيادته وبين تيار»الديمقراطية والانفتاح»الذي يقوده أحمد الزايدي، رئيس الفريق النيابي للحزب، استمرارا للخلاف الأول الذي بدأ خلال المؤتمر الوطني التاسع قبل عامين، الذي فشل في تحقيق الوحدة التنظيمية للحزب وتجميع الاتحاديين حول شرعية سياسية واحدة. فقد خرج الاتحاد محرجا من ذلك المؤتمر الذي أوصل إدريس لشكر إلى رئاسة الحزب، بالنظر إلى الانتقادات العديدة التي حفت بنتائج التصويت والاتهامات التي كيلت إلى لشكر بالرغبة في الهيمنة على مقاليد الاتحاد الاشتراكي، إلى حد أنه تم توجيه الاتهام إلى جهات خارج الحزب بدعوى أن لديها رغبة في وضع لشكر على رأسه، وكان أحمد الزايدي، المنافس الرئيسي للشكر على زعامة الحزب، أشد الناس انتقادا.
أظهر مؤتمر الاتحاد الاشتراكي أن الحزب أخذ في فقد وحدته التنظيمية، وبدأ ينحدر نحو تكريس الطموحات الفردية في الهيمنة، على حساب تاريخ الحزب، كما برهن على غياب التوافقات التي طبعت مسار الحزب في الفترات الماضية. وقد حصل كل ذلك في مرحلة سياسية بالمغرب اتسمت بارتفاع الحساسيات الشخصية أو الفئوية على حساب الديمقراطية الداخلية للأحزاب السياسية، وتغلب النزوعات الشعبوية التي كرست مظهرا آخر من مظاهر أزمة التنظيمات الحزبية في بلادنا. وهو الأمر الذي مس حزبا عريقا آخر هو حزب الاستقلال بعد وصول حميد شباط إلى أمانته العامة، لكي يظهر من داخله تيار آخر يرفض الاعتراف بالقيادة الجديدة. وهكذا أصبح الحزبان يعيشان صراعا قويا بين شرعيتين، «شرعية المؤتمر»، و»شرعية الخط السياسي».
بيد أن حزب الاتحاد الاشتراكي فضل تدبير الأزمة بطريقة مختلفة، تعترف بوجودها دون أن تسعى إلى وقفها. فبعد أن فشل الزايدي وجماعته في الوصول إلى قيادة الحزب تم الإعلان عن إنشاء تيار الديمقراطية والانفتاح في ماي من السنة الماضية، سعيا وراء كسب الاعتراف به داخل الحزب، وهو ما وجد عقبات أمامه بسبب الفيتو الذي فرضه الكاتب الأول الجديد. وقد كان الإعلان عن ذلك التيار بمثابة عدم اعتراف بالقيادة الجديدة للحزب التي أفرزها المؤتمر الأخير، وتأكيدا على فكرة تعايش مؤسسيه داخل الحزب نفسه مع قيادة لا يعترف بها، في مفارقة غير مسبوقة داخل الاتحاد الاشتراكي، إذا استثنينا مرحلة بداية الثمانينات التي خرج منها تيار «رفاق الشهداء» الذي سيصبح فيما بعد حزب الطليعة، مع الإشارة إلى أن التيار المذكور لم يكن أيضا معترفا به داخل الحزب آنذاك.
وفي الوقت الذي طالب تيار الزايدي بمأسسة التيارات في الحزب، تجد قيادة هذا الأخير نفسها في مأزق تجاه ذلك المطلب. فالاعتراف بالتيار وهذا هو المقصود يعني الإقرار جزئيا بعدم مشروعية نتائج المؤتمر الأخير، وعدم الاعتراف به يعني تعريض الوحدة التنظيمية للحزب لخطر الانشقاق. وأمام هذا الوضع المسدود فضل أحمد الزايدي أن يحول رئاسة الفريق النيابي للحزب داخل مجلس النواب إلى منبر بديل لتيار الديمقراطية والانفتاح، في محاولة للجمع بين المتناقضات، أي رئاسة فريق الحزب وفي الوقت نفسه عدم الاعتراف بقيادته، وهذا الأمر جعل قيادة الحزب تتعامل مع الفريق وكأنه تم اختطافه، ويجب إعادة إرجاعه إلى الحزب، وهو ما حاول إدريس لشكر القيام به نهاية الأسبوع الماضي حين قرر تجميد عضوية الزايدي، بسبب ما اعتبره ازدواجية تتمثل في قيادة الفريق وتزعم تيار في الحزب.
ويبدو أن الحزب دخل اليوم في أزمة صعبة تظل معها جميع الاحتمالات واردة، إذا لم تنجح الوساطة في توحيد وجهات النظر بين المعسكرين، خصوصا وأن الخلاف الحاصل يتجاوز لشكر والزايدي، وتظل هناك أطراف أخرى لا تظهر في الواجهة من داخل الوجوه القديمة في الحزب تدعم هذا الطرف أو ذاك.
ادريس الكنبوري
هل يستمر نزيف الانشقاقات في إضعاف حزب الوردة؟
مفيد: عدم الحسم في الخلافات سيؤدي إلى انشقاق سيكون آخر مسمار في نعشه
المهدي السجاري
دخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نفقا مظلما في مواجهة أزمة داخلية تكاد تعصف بمستقبله وموقعه داخل المشهد السياسي، أمام حالة الانقسام بين قيادة الحزب بزعامة إدريس لشكر، وتيار الديمقراطية والانفتاح، بعدما وصلت أصداء الصراع إلى داخل المؤسسة البرلمانية.
وضعية الاتحاد، مع صعوبة إيجاد مخرج للصراع بين القيادة وأعضاء الفريق البرلماني الداعمين لأحمد الزايدي، دفعت عددا من المراقبين إلى طرح سيناريوهات ذهب بعضها إلى التكهن بإمكانية «انشقاق» جديد لحزب الوردة، رغم أن متزعمي المعارضة الداخلية للحزب أكدوا في كثير من المناسبات أن هدفهم هو التغيير من الداخل.
مسار حزب الاتحاد الاشتراكي شهد محطات ذاق فيها مرارة الانشقاق، فهو الحزب المنشق في الأصل عن حزب الاستقلال في اسم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1959، قبل أن يتحول سنة 1975 إلى «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية»، فيما خرجت من رحم الاتحاد أحزاب أخرى نذكر منها حزب الطليعة الديمقراطي والمؤتمر الوطني الاتحادي والحزب العمالي. فهل سيستمر نزيف الانشقاقات في إضعاف حزب الوردة؟
أحمد مفيد، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بمدينة فاس، يجيب على السؤال بتحليله لخلفيات الصراع القوي بين القيادة الجديدة للحزب وتيار أحمد الزايدي، بشكل أضحى يؤشر على أن الحزب مهدد فعلا بانشقاق «المعارضة الداخلية» في حال لم يتم الجلوس إلى طاولة الحوار، لمعالجة الخلافات بطريقة ديمقراطية.
ويرى الخبير السياسي أنه في حالة عدم التراضي حول تشكيلة الفريق وطريقة عمل الحزب والتزكيات المرتبطة بالانتخابات المقبلة، فالحزب سيكون بدون شك في طريق الانشقاق، رغم أنه سبق أن عرف انشقاقات في محطات سابقة، لكن في مرحلة كان فيها قويا، أما اليوم فهو ضعيف وكل انشقاق سيؤدي إلى دق آخر مسمار في نعشه».
وأوضح أن «ما يقع داخل الاتحاد الاشتراكي هو امتداد طبيعي لنتائج المؤتمر الوطني الأخير، إذ أن هذا المؤتمر شهد صراعا كبيرا بين الأشخاص، أكثر ما شهد نقاشا حول برنامج أو إيديولوجية وثقافة سياسية»، ويضيف أن «التحالف حول الأشخاص غالبا ما يؤدي إلى هذه النتائج، فالإشكال الذي يعيشه له أسباب تتجلى في التموقع داخل أجهزة الحزب وداخل المؤسسات التي يمثل فيها، ومنها مؤسسة البرلمان بمجلسيه».
ففيما يتعلق بالتموقع داخل الحزب، يوضح مفيد، أن الاتحاد عرف هذا الإشكال منذ تشكيل المكتب السياسي، لأنه وقع إقصاء ممنهج لأغلبية أعضاء التيارات الأخرى، وخصوصا تيار أحمد الزايدي رئيس الفريق النيابي للحزب، إذ أنه لم ينجح أحد باستثناء أحمد رضى الشامي الذي أعلن عن فوزه بمقعد داخل المكتب، لكنه سرعان ما قدم استقالته لأنه لن يستطيع لوحده أن يفرض توجها ويعبر عن ثقافة وبرنامج يوجهه مع مجموعة أحمد الزايدي.
كما أن ما يعيشه الحزب له ارتباط بالصراعات التي رافقت اللجنة الإدارية لحزب الاتحاد الاشتراكي، إذ أن اللجنة تأثرت كثيرا بهذه الصراعات، الأمر الذي أدى إلى شبه انقسام من داخل اللجنة الإدارية بين مدعمي إدريس لشكر وأحمد الزايدي، وكانت هذه الفرصة سانحة لأحمد الزايدي بأن يثبت بأن تشكيل الفريق لا علاقة له بقانون الحزب.
وأضاف: « كأستاذ للقانون الدستوري أرى أن تشكيلة الفريق لا علاقة لها إطلاقا بالقوانين الداخلية للأحزاب السياسية، ولا علاقة لها إطلاقا بالقانون التنظيمي للأحزاب السياسية، بل إن تشكيل الفرق البرلمانية يخضع قانونيا لمقتضيات النظام الداخلي لمجلس النواب أو المستشارين، وبالتالي فلا يحق إطلاقا للمكتب السياسي ولا للكاتب الأول أن يفرض على الفريق اختيار شخص ما رئيسا للفريق، إذ أن الفريق هو الذي يجب أن ينتخب رئيسه طبقا لما هو منصوص عليه في مقتضيات القانون الداخلي لمجلس النواب، وليس طبقا لما هو منصوص عليه في القانون الأساسي لحزب الاتحاد الاشتراكي».
وأوضح أن «ما قام به المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي يعتبر من الناحية القانونية مخالفا للقانون ومخالفا للأعراف التي جرى بها العمل في تشكيل الفرق البرلمانية، إذ أنه يجب أن يترك الأمر لممثلي الأمة في انتخاب رؤساء الفرق، لأن النائب البرلماني لا يستمد تمثيليته من الحزب طبقا للدستور، فالبرلمانيون يستمدون نيابتهم من الأمة، عن طريق الانتخاب، وبالتالي فالشعب هو الذي صوت لفائدتهم ليصبحوا أعضاء رغم أن لهم انتماء حزبي».
والسبب الآخر لهذا الصراع حسب التحليل ذاته «يتجلى أساسا في التغيرات السوسيولوجية التي عرفها الحزب، إذ أن الحزب كان حزب الأطر وحزب المناضلين ونخبة مثقفة ونساء ورجال يؤمنون بقيم ومبادئ وبثقافة واختيارات وتوجهات الاتحاد، لكن تركيبته السوسيولوجية اليوم لا تؤمن كلها بهذه الأفكار، إذ وقع تغيير كبير، الأمر الذي ساهم في تغيير توجهاته ومواقفه، وأصبح من الصعب جدا أن تميز بينه وبين مواقف أحزاب أخرى، في الوقت الذي كان يتميز بمواقفه وقراراته وإيديولوجيته وبرنامجه».
كل هذه العوامل مجتمعة، يوضح أستاذ القانون الدستوري، تشكل أسبابا مباشرة لما يعيشه الحزب اليوم، وهو مهدد بالانشقاق إذا لم يتمكن من حل هذه المشاكل بشكل ديمقراطي، بحل لا غالب فيه ولا مغلوب، وألا يتم فرض إرادة الكاتب الأول أو المكتب السياسي أو فريق أحمد الزايدي، بل فرض اختيار الحزب ومصلحته، من أجل حل هذه المشاكل العالقة.
اليوم يقف حزب الاتحاد الاشتراكي في مفترق طرق قد يؤدي به إلى إعادة التاريخ، بخروج فريق أحمد الزايدي من الحزب، أو اختيار طريق آخر عنوانه حل الخلافات بشكل ديمقراطي، وفتح المجال أمام الآراء المخالفة، بشكل يحفظ مصلحة الحزب، وموقعه الأساسي في الخريطة السياسية للبلاد.
الاتحاد الاشتراكي في مفترق الطرق..صراع ديمقراطي أم «تزلف» نحو الزعامة؟
محمد أحداد
لا بأس من اقتباس مقولة رأسمالية لتوصيف أحوال حزب اشتراكي أراد له أبناؤه أن يصير «مسخرة» يتفرج عليها الجميع، ويتحسرون على ما آل إليه. يقول دافيد ريكاردو، أحد أشهر منظري الرأسمالية، إن النظام الرأسمالي يحمل في أحشائه بذور الأزمة، وهي من أشد السمات التصاقا به، ولاشك أن تاريخ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يوحي بأنه مر بأزمات دورية عاصفة، كانت تنتهي إما بتكوين أحلاف داخل الحزب نفسه أو الانشقاق كما حدث مع محمد الساسي وعبد الكريم بنعتيق.
بيد أن ملامح الأزمة الحالية لا تبدو أنها تشبه الأزمات السابقة بالنظر إلى السياقات السياسية الجديدة المتحكمة، أولا لأن أحمد الزايدي رغم كل ما قاله بعيد المؤتمر الأخير للحزب لم يطعن رسميا في نتائجه، بل إنه هنأ لشكر عشية انتخابه كاتبا أول على رأس الحزب خلفا لعبد الواحد الراضي، وثانيا لأن تيار الديمقراطية والانفتاح الغاضب من طريقة تسيير الحزب في المرحلة الحالية والمتمرد داخل الفريق البرلماني، لا يعبر صراحة أنه يبتغي تغيير القيادة الحالية، بمعنى أن باب التفاوض مازال مفتوحا للوصول إلى ترضيات، وثالثا لأنه لم يحدث في تاريخ الاتحاد أن عرف تدخل أطراف خارجية، مثل ما وقع في آخر لحظة لترجيح كفة التيار الموالي لإدريس لشكر.
الظاهر أن المعطى الأخير، ونقصد تحديدا تدخل جهات خارجية، هو الذي قصم ظهر الاتحاد وجعله يعيش واحدة من أسوأ أزماته منذ أن قرر أن يدخل في حكومة التناوب التوافقي، فمناصرو تيار الديمقراطية والانفتاح، يتهمون بما لا يدع مجالا لأي تأويل جهات خارجية بمحاولة التحكم في مسار الاتحاد وتوجيه قراراته، وإضعاف هياكله الداخلية وإدخاله إلى خندق مواجهة الإسلاميين. وإذا كان أي من هؤلاء عبر بصراحة عن هوية تلك الجهات ولا أشار إلى طبيعتها، فإن بعض المحللين يشيرون إلى أنه ثمة محاولات من لدن السلطة بغاية تدجينه.
مهما يكن، من أمر، فإن صراع السلطة مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ليس صراعا جديدا، بقدر ما يشهد تاريخ المغرب المعاصر على فصول من الاصطدام، وهو، في تقديرنا، صراع مشروع ولا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن نعلق عليه الفشل الحالي لحزب»بوعبيد». لقد آثر الاتحاد الاشتراكي أن يدخل، بمحض إرادته، ماكينة السلطة، ولم يكتف بذلك فقط، بل دخل إلى حكومة إدريس جطو رغم حصوله على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية. تلك كانت الضربة الموجعة في التدافع السياسي بين السلطة من جهة والاتحاد الاشتراكي من جهة أخرى، لتنفض، بذلك، «القوات الشعبية» عن الحزب وتظهر بجلاء نتائج التحالف مع إدريس جطو في الانتخابات الموالية.
لا نعتقد أن ما يحدث حاليا، يمكن قراءته فقط من زاوية الصراع بين تيارين يريدان، كيفما كانت التحليلات، السيطرة على هياكل الحزب وفرض توجهاتهما، إنما يمكن أن نقرأه من زاوية أخرى ترتبط أساسا بتراكم»الهزات السياسية» للحزب، انطلاقا من أزمة»المنهجية الديمقراطية» ومرورا بالنتائج الكارثية التي حققها الحزب في الانتخابات التشريعية والجماعية الأخيرتين، ووصولا إلى الأزمة التي صاحبت المؤتمر الأخير.
لشكر يقول إنه يريد إعادة بناء الأداة الحزبية وتطبيق الديمقراطية الداخلية، وأنه كاتب عام لكل الاتحاديين، ثم بعد برهة، يؤكد أمام أعضاء اللجنة الإدارية، أعلى جهاز تقريري في الحزب أنه سيسقط العضوية عن أعضاء تيار الزايدي بسبب تشبثهم بالفريق البرلماني وعدم تزكية حسناء أبو زيد لدى مكتب مجلس النواب. بينما يقول أحمد الزايدي، إن تياره يمتلك تصورا جديدا للعمل بعيدا عن التحكم وقادرا على إحداث قطيعة مع مرحلة الأزمات، لكن لم يتوفر على الجرأة يوما للإفصاح عن طبيعة الجهات التي تتدخل في مسار الحزب مكتفيا ببعض التلميح الذي لا يزيد العملية السياسية إلا غموضا.
إذا أراد تيار الزايدي حقا، ومعه الفريق البرلماني التأسيس لفعل ديمقراطي حقيقي، فعليهم أن يقنعوا الاتحاديين والرأي العام أن لا شيء يدعو للخوف، وأن الجهات التي تريد رأس الحزب مدموغة بوجوه معروفة وعناوين مألوفة ولا نظن أن تصرف»الأصبع» الذي قام به بعض أعضاء التيار أخيرا يؤشر على ذلك، الآن، على الأقل. بالمقابل، فإن الفترة القصيرة التي دبر فيها لشكر حزب «الوردة» تمنح الانطباع أنه لم يكتسب الخبرة في تدبير الأزمات»الديمقراطية»، ومازال يؤمن بعقلية الكولسة وسياسة لي الذراع، وهي سياسة ستقود الحزب إلى الهلاك لا محال.
السيناريوهات المطروحة في الوضع القائم كثيرة، منها أن تنجح جهود الوساطة التي يقودها عبد الواحد الراضي لإقناع كلا التيارين بضرورة الجلوس إلى مائدة الحوار وتجنيب الحزب خطر الانشقاق، أما السيناريو الثاني فيتمثل في قبول لائحة إدريس لشكر الانضمام إلى لائحة أحمد الزايدي في مجلس النواب أو أن يتنازل الزايدي لصالح أبو زيد مرشحة اللجنة الإدارية. في الظاهر، تبدو هذه الحلول عصية جدا، لكن منعرجات السياسة المغربية علمتنا أنها حافلة بالمفاجآت حتى في اللحظات التي يعتقد فيها الجميع أن القطار زاغ عن سكته.
بالواضح، «داء العطب» في الاتحاد الاشتراكي قديم، أي أن معالجته تحتاج إلى وقت طويل في ظرفية تعرف تراجع أحزاب اليسار وخفوت صوته داخل المجتمع، مما يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول مستقبل الحزب الذي كان يشكل خصما عنيدا للسلطة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. نعتقد، جازمين، أن قيادة الاتحاد لم تفهم»الدرس السياسي» المغربي رغم بساطته.
«جمرة» الانشقاق تنمو في أحشاء الاتحاد الاشتراكي
كانت الصورة التي التقطتها عدسة المصورين للفريق الاشتراكي يوم التصويت على رئيس جديد لمجلس النواب خلفا لكريم غلاب، معبرة إلى حد بعيد عن الواقع المتأزم للبيت الاشتراكي. في الصورة يظهر أنصار إدريس لشكر يجلسون لوحدهم، فيما اختار أنصار أحمد الزايدي أن يجلسوا في ركن قصي من المجلس. لا تحتاج الصورة إلى الكثير من التأويل السياسي، فحتى في عز الصراع بين تيارات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لم يصل الشقاق إلى مثل هذه الدرجة.
ما الذي جرى بالضبط، ليصل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى الوضعية الحالية؟ هل وصل الصراع إلى نقطة اللاعودة؟ ثم متى كان التدافع السياسي حول الزعامة يسمح للكاتب الأول بطرد المناضلين وتهديدهم بتجميد العضوية؟ وأي معنى للتصرف»غير الأخلاقي» الذي قام به أعضاء من تيار الديمقراطية والانفتاح وهم يشهرون أصابعهم في وجه القيادة الحالية؟
الجواب عن الأسئلة السابقة قد يقود إلى نتيجة أساسية وهي أن الاتحاد الاشتراكي على وشك الانفجار، خاصة وأنه راكم الكثير من الأزمات وحمل داخله مقومات الشقاق منذ كبوة المنهجية الديمقراطية. بصيغة أخرى، كانت الخلافات الحادة والأمزجة المتغيرة والمختلفة ومطامح الزعامة مكبوتة، وقد بين الصراع الدائر حاليا أن الكل كان ينتظر الفرصة المناسبة لتصفية حسابات قديمة وأخرى جديدة.
الثابت أن معسكر إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لن يقبل، سواء على المستوى السياسي أو النفسي، بالخسارة أمام تيار الزايدي لأسباب متعددة، أولها أن اللجنة الإدارية، وهي أعلى هيئة تقريرية في الحزب، قررت الإطاحة بلائحة الزايدي البرلمانية وقررت مساندة حسناء أبو زيد، وثانيها أن لشكر ليس مستعدا للسقوط في أول معركة سياسية بعد محطة المؤتمر الأخير، ثم إن قيادة الاتحاد ترى في الفريق البرلماني منافسا حقيقيا للتغلغل داخل الهياكل.
تيار الديمقراطية والانفتاح المتسلح بالنظام الداخلي لمجلس النواب و22 برلمانيا ينتمون إلى مختلف مناطق المغرب وبأعضاء من اللجنة الإدارية، سيدخل في صراع مرير خلال الأيام المقبلة ضد تيار إدريس لشكر، القادر على سحب البساط من مناصري الزايدي، خاصة أنه مسنود باللجنة الإدارية، وفوق ذلك يستثمر اعتراف التيار المضاد في الحزب بعيد المؤتمر الأخير.
«توازن الرعب» في المرحلة الحالية يميل إلى كفة تيار أحمد الزايدي بحجة أن الفريق البرلماني الاشتراكي أعلن مساندته الصريحة له، وتشبث برئيسه السابق، الشيء الذي وضع لشكر في موقف جد حرج أدى به إلى «الاستنجاد» بعبد الواحد الراضي للبحث عن مخرج سلس للأزمة الحالية دون الحاجة إلى الدخول في حرب استنزاف طويلة قبل الانتخابات الجماعية المقبلة. بيد أن الأخبار التي رشحت أخيرا تفيد أن جزءا كبيرا من التيار الموالي للزايدي رفض الجلوس على طاولة المفاوضات، ليس بدافع عدم الرغبة في مواجهة لشكر، بل لأن القاعدة الأولى التي تحكم التفاوض هي التنازل.
يدرك جيدا الغاضبون من تسيير إدريس لشكر للحزب أن الفريق البرلماني صار المعقل السياسي الأخير للي ذراع قرارات اللجنة الإدارية، وأن أي تنازل عن أحمد الزايدي كرئيس للفريق، سيفقدهم «الورقة الرابحة» الأخيرة لضمان موقع متقدم داخل الحزب. ولا غرابة إذن أن نلفي أن حسن طارق، النائب البرلماني خرج بتصريح ناري حول الوضعية الحالية للفريق البرلماني، مهددا بالانسحاب من مجلس النواب. يقول طارق»في حال تمطيط مكتب مجلس النواب الآجال القانونية لإفساح المجال أمام إدريس لشكر لإحداث اختراق في الفريق، وإذا تبين أن هناك من يدبر مؤامرات بغاية ممارسة الضغط على مكتب مجلس النواب في أفق تمديد الآجال التي يحددها النظام الداخلي للمجلس، فإن ردنا سيكون مدويا ومفاجئا». وواصل طارق كلامه بلهجة حادة في تصريح سابق للجريدة «الآجال الدستورية لافتتاح الدورات معروفة، وقرار مكتب المجلس الصادر يوم 10 أبريل كان متوازنا، حيث أكد على شرعية اللائحة المقدمة من طرف أحمد الزايدي ومنح آجالا معقولة في أفق تسوية المشكلة، لكنها انتهت اليوم مع التاسعة صباحا، وإذا لم يتم احترام القانون الداخلي، سأكون أول المستقيلين من المجلس»
نفهم شيئا واحدا من هذا التصريح، وهو أن تيار الديمقراطية والانفتاح، لن يتنازل، بالمعطيات القائمة الحالية، عن الفريق البرلماني، وإذا حدث العكس، فإن الحزب مقبل على مرحلة جديدة يبسط فيها لشكر سيطرته الشاملة على دواليبه.
خيار الانشقاق يبقى واردا وغير وارد في آن، واردا لأن مكتب مجلس النواب، إلى حدود الساعة، فتح أفقا آخرا للصراع بين تيارات الاتحاد الاشتراكي حينما أخر الإعلان عن اجتماع لجنة الرؤساء، الشيء الذي من الممكن أن يقسم الحزب في الأيام القليلة المقبلة، وغير وارد لأن الزايدي ومعه أعضاء تيار الديمقراطية والانفتاح عبروا في محطات عديدة أن هدفهم ليس الانشقاق.
على العموم، وضعية الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لا تسر أحدا، ولا تؤشر على مستقبل سياسي واعد كما قال لشكر عشية انتخابه كاتبا أولا للحزب، ولاشك أن تناقضاته الحالية ستقزم حظوظه في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
أحرزير: التطاحنات الشخصية داخل الأحزاب تقودها نحو مزيد من التقسيم
قال إن الأحزاب خانت انتظارات المواطنين وأصبح الهاجس لديها هو ضمان المواقع
لم تجد بعد الأحزاب السياسية من تبرير لغرقها في الصراعات الشخصية سوى رمي الاتهام على جهات وأياد خارجية وتحميلها المسؤولية، وهو اتهام يبقى تقليديا حسب إحرزير عبد المالك أستاذ العلوم السياسية الذي أكد أن الأحزاب المغربية، وعلى رأسها حزب الاتحاد الاشتراكي، حولت الصراعات الشخصية إلى أجندة تشتغل عليها، لتصبح مهمة تقسيم الحزب مهمة داخلية، تتكفل بها الأحزاب التي وصلت إلى مرحلة ضعف غير مسبوقة، وهو ما سيمهد لسكتة قلبية سياسية ستطرح تحديات خطيرة أهمها تحدي البديل، وتحدي المشروعية، في ظل الانهيار المتواصل لبورصة السياسة لدى الشارع العام الذي فقد الثقة في الهيئات السياسية، خاصة مع توالي الصراعات وتبادل الاتهامات التي تتفجر مع كل مؤتمر حزبي.
-إلى أي مدى يمكن أن يصل الصراع الدائر حاليا داخل حزب الاتحاد الاشتراكي؟
الأزمة تسير في اتجاه عودة الانقسام للاتحاد الاشتراكي، في استكمال للصيرورة الانقسامية التي عرفها الاتحاد الوطني، إذ أصبح التجزيء بمثابة ثقافة سياسية، وهو ما تترجمه حرب الزعامات والمقاعد، وحرب التأثير داخل حزب الاتحاد الاشتراكي، والتي اتخذت طابعا عنيفا، خاصة من طرف إدريس لشكر المسلح بدعم قطاع واسع من الشبيبة في مواجهة خصومه الممثلين في الزايدي ورفاقه.
وهذا الواقع يقودنا إلى فكرة قالها «واتر بوري» في كتابه «الملكية والنخب»، حيث تحدث عن تقنية التجزيء والإضعاف، وهو ما يفسر لماذا أصبح الانقسام جزءا من الثقافة السياسية بالمغرب، لذا لن نفاجأ إذا وجدنا أنفسنا أمام المزيد من التيارات.
- قوة أي حزب تقاس بما تفرزه صناديق الاقتراع، في ظل الأزمة التي يعيشها حزب الاتحاد الاشتراكي، ألا ترون أنه يمهد الطريق لنكسة غير مسبوقة مع اقتراب الاستحقاقات الجماعية؟
سأعود مجددا لعلم الاجتماع، فالنخبة في بداية الاستقلال كانت عائلية، وتدور حول النظام المخزني أو النظام السياسي، وكانت هناك أسر معروفة، لكن وبعد حدوث المواجهة فإن ذلك مهد لاستراتجية التقسيم التي أشار إليها عدد من الباحثين والدارسين للحقل السياسي المغربي، ممن أكدوا أنه إذا أردت أن تضعف نخبة معينة فيجب أن تضاعف عددها، لأن كثرة العدد ستمهد بشكل مباشر لتقليص نفوذها وحجمها، وتأثيرها السياسي، وهو ما شاهدناه في20 سنة الماضية، إلى درجة كما قلت سابقا أصبح التجزيء والانقسام جزءا من ثقافتنا السياسية، وهذا يسيري على عدة أحزاب مثل الاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية، والاستقلال، لكن الملاحظ أنه في العشر سنوات الماضية تحول اليسار أو أحزاب اليسار ونخبته إلى أعيان، أو ما يسمى عند الفرنسيين بالأعيان الحمر، إذ أصبح سلوك اليسار للأسف مماثلا لسلوك الأعيان، وهو ما يسفر جزءا من الأزمة التي تعيشها بعض الأحزاب.
وعلاقة بحزب الاتحاد الاشتراكي، أعتقد أنه بعد الخروج من المربعات العائلية، وتغلغل بعض فئات الطبقة المتوسطة، وجدت زعامات جديدة، و تقزمت الأحزاب، وأصبح الهاجس لدى الكثيرين، هو أن يصبحوا زعماء لدرجة تحول فيها الصراع حول القيادة، إلى حرب أشخاص، وليس حرب برامج أو أفكار وقناعات إيديولوجية، ولهذا نجد اليوم صراع لشكر والزايدي داخل حزب الاتحاد، أما هاجس تحيين المذهب السياسي للحزب فليس موجودا على الإطلاق.
- ألا تعتقدون أن ما يشهده عدد من الأحزاب، ومنها حزبا الحركة الشعبية والاستقلال من تطاحنات تتخذ في بعض الأحيان طابعا شخصيا سيزيد من تكريس الصورة السلبية للسياسة والسياسيين لدى المواطن العادي؟
أقول أكثر من هذا، فنحن اليوم أمام أحزاب «لا تسيير سياسي»، فلم نعد في ظل الوضع الحالي قادرين على القول بوجود آفاق لمشروع مجتمعي يمر عبر صناديق الانتخابات للوصول إلى السلطة، وتطبيق برنامج سياسي لحزب معين، أو برنامج سياسي متفق عليه من طرف مجموعة من الأحزاب المتحالفة، هذا السيناريو فعلا انتهى، وأصبحنا نتقاتل بيننا ونتصارع في خصومات مجالية، أفقدت الكثير من الأحزاب مصداقيتها وتأثيرها في الصراع السياسي، لذا أصبحت السياسة بدون جدوى، وعديمة الفائدة، فالصراع الدائر حاليا داخل الاتحاد الاشتراكي كما نلاحظ، ليس صراع أفكار أو أيديولوجيات كما أسلفت، بل صراعا شخصيا داخل أقطاب.
- ما هو تعليقكم على التصريحات التي وردت من أطراف حزبية مختلفة، بوقوف جهات وأياد من خارج دائرة الأحزاب وراء التطاحنات والصراعات القائمة؟
هذا اتهام تقليدي، ربما قد يكون مقبولا في السنوات الماضية التي كان فيها تدخل فعلي من قبل المخزن والنظام، لكن ما يحدث الآن هو في الواقع تطاحنات داخلية، ونحن أمام تجزيء وتشتيت أتوماتيكي يأتي من داخل الأحزاب.
ففي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي كان هناك تدخل من طرف الدولة لتقزيم وإضعاف بعض الأحزاب، وهي الأحزاب التي وصلت الآن إلى مرحلة إنهاك أصبحت معها هي من تتولى مهمة إكمال التقسيم بفعل الصراعات الداخلية، هذا رغم ما ورد في بعض التحليلات والآراء من أن ظهور الوافد الجديد ممثلا في حزب الأصالة والمعاصرة، كان له دور في ما عرفته بعض الأحزاب من بروز زعامات على حساب بعض الكفاءات التي كانت ستكون الأصلح، وحتى إن سلمنا بهذا، فإن الأمر يتعلق بتدخلات غير مباشرة سعت لظهور قيادات ضعيفة، لكن هذا لا يمنع التأكيد على وجود إضعاف ذاتي بفعل الصراعات الشخصية التي فوتت على الحزب القيام بمراجعة، ليدخل في المجهول.
- ألا تعتقدون أن المشهد السياسي المغربي أصبح اليوم بحاجة ماسة لإعادة الهيكلة، تفاديا للوقوع في سكتة قلبية سياسية، ستترجمها نسبة عزوف كبيرة، ستطرح بدورها سؤال البديل وسؤال المشروعية؟
السكتة القلبية بدأت مند سنين، والمشكل موجود فعلا في ما يتعلق بالقوى السياسية التي يمكن طرحها كبديل، لأنها في الواقع غير موجودة، فبعد الشروع في تنزيل الدستور الجديد كنا نأمل في أن بعض القيادات ستحترم نفسها، وتغادر المشهد السياسي لتتيح الفرصة للتشبيب وجريان النخب، لأن السياسة ليست مجرد وثيقة دستورية، علما أن هذه الوثيقة يجب أن تسهل مأمورية جريان النخب لظهور وجوه جديدة وبرامج جديدة، لمواجهة التحديات المستقبلية، لكننا في المغرب نجد أن العكس هو الصحيح، فلدينا وثيقة دستورية جديدة بوجوه قديمة تصر على البقاء واحتكار المشهد في كل موسم سياسي وانتخابي، مما خلف تدمرا كبيرا لدى الرأي العام.
وحل هذا المشكل في نظري يتم من خلال قيام الأحزاب الوطنية بمراجعة نفسها، وأن تقوم بنقد ذاتي وتفتح الأبواب للكفاءات الشابة، مثل ما حدث في فرنسا، حيث فتحت الأحزاب أبوابها للتقنوقراط الشباب من أجل ممارسة السياسة بطريقة جد عقلانية، ودون أي عقد، أما في المغرب فنحن نلعب في مربع ضيق جدا، وبقيادات معروفة، كما وقع في انتخاب رئيس مجلس النواب، إذ وجدنا أنفسنا أمام إعادة إنتاج لبعض القيادات القديمة، دون الانفتاح على الكفاءات داخل الحزب ما يفضح غياب الديمقراطية الداخلية.
- مؤتمرات عدد من الأحزاب أصبحت بمثابة محطة لإعلان انهيارها وتشرذمها، عوض أن تكون مناسبة لتجديد الحزب وإعادة النظر في الحصيلة ورسم خارطة طريق للمقبل من التحديات، ما هي الأسباب؟
الأسباب كثيرة، وإذا أخدنا بعين الاعتبار أن من يقرر فعلا في أي سلطة سياسية في العالم هم أناس لا ينتخبون، وعلى رأسهم التقنوقراط الذين يلعبون دورا كبيرا في بلورة السياسات العمومية، ما يجعل الأجندات الحزبية بدون أثر ولا تأثير، وهو ما يسفر النفور السياسي، حيث أصبحت الأحزاب كلها محافظة، وما نجده اليوم هو عدم وجود برامج يمكن أن تناقش أو تترجم لسياسات عمومية، إذ تناقش فقط الهياكل وتراتبيتها من الناحية التنظيمية. أما من حيث المضامين السياسية فيتم المرور عليها مرور الكرام، في مقابل التركيز على من سيكون في المكتب السياسي وغيره، في إطار البحث عن المواقع، ولو كان ذلك على حساب الهدف الأساسي المتمثل في مناقشة البرامج والمذهب، وبلورة أجندة سياسية يمكن ترجمتها من خلال الحكومة بعد الانتخابات، وهذا ما ولد أيضا خيبة أمل حتى لدى بعض القياديات التي أفنت عمرها في الحزب، قبل أن تهجره بعدما تأكد أن الأحزاب خانت انتظارات المواطنين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.