عندما كان البوليس الفرنسي في «رواسي شارل دوغول» يفتش «عن جوا منجل» بين حقائب وجوارب وزير خارجيتنا صلاح الدين مزوار، كان نحو عشرين شخصا غير بعيد عن المطار، في قاعة جميلة بسفارة المغرب في الدائرة السادسة عشرة، ينصتون للكاتب فؤاد العروي، مؤلف «اِحذروا من المظليين» و»سنة بين الفرنسيين»و»أسنان الطوبوغراف»، أو «حضيو مع مّالين الباراشيت» و»عام عند الفرنساويين» و»سنينات الطوبوكراف»، مادام العروي يفضل ترجمة كتبه إلى عربية «أقرب إلى الدراجة»، كما أكد خلال اللقاء، في تعليق على ترجمة إبراهيم الخطيب لمجموعة من قصصه في كتيب يحمل عنوان «المهبول»... وعلى ذكر «المهبول»، فإن صلاح الدين مزوار ذهب إلى «شارل دوغول» دون أن يخطر السلطات الفرنسية، ويبدو أنه دخل في مزايدات مع بوليس المطار، مما جعلهم يفتشون حقائبه وجواربه على سبيل الانتقام. طبعا، لا شيء يبرر تصرف «الديوانة» الفرنسية مع رئيس دبلوماسيتنا، لكن من الصعب أن نصدق أن باريس أعطت تعليمات لإهانة وزير خارجية المغرب، لأنها لن تربح شيئا من تدهور العلاقات بأوثق حلفائها في الضفة الجنوبية. على كل حال، حظ مزوار سيئ، ليس فقط لأنه تعرض للإهانة في المطار، بل لأنه أخلف الموعد مع جلسة أدبية جميلة، كان بإمكانه أن يحضرها قبل أن يغادر إلى الرباط. لقاء ممتع تحدث فيه فؤاد العروي بكثير من الصراحة عن مساره المهني المتعرّج وعن كتبه، وعن لقاءاته ومغامراته بين باريس وأمستردام والجديدة ولندن. بدا واضحا أن مؤلّف «لم تفهم شيئا في الحسن الثاني» (أو «ما فهمتي حتّى وزّة فالحسن التاني»، مادام يفضل الدارجة!) يجد متعة في الحديث مع الجمهور. يتكلم كما يكتب، بكثير من الشغف. كان سفير المغرب في باريس، شكيب بنموسى، سعيدا وهو يقدم زميله القديم في مدرسة «الطرق والقناطر»، قبل أن تتفرق بهما السبل ويختار كل واحد منهما «طريقه» و»قنطرته».. بنموسى دخل إلى السلطة من أبوابها الواسعة، وصار أحد الرجالات الذين يعول عليهم القصر الملكي؛ والعروي توغل في متاهة الكتابة، وأصبح أحد «ملوك» الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية، واحد من المغاربة الثلاثة المتوجّين بجائزة الغونكور (في القصة)، مع الطاهر بنجلون (في الرواية) وعبد اللطيف اللعبي (في الشعر). حين كان مزوار يعيش قصته السيئة مع الشرطة في «شارل دوغول»، كان العروي يتحدث بكثير من السخرية عن علاقته بالطائرة، مستفيضا في شرح الأسباب التي تجعله يقاطع المطارات، ويقضي جزءا لا يستهان به من حياته داخل القطار، وهي القصة التي يدور حولها كتابه المقبل. ودون أن يتخلى عن ابتسامته الشامتة، أخبرنا العروي بأن إدريس بنهيمة، مدير «لارام»، ألهم كثيرا من رواياته... ويا للمصادفة. ولنقلها صراحة: إذا لم يكن العروي يملك حاسة سادسة، فإنه يشتغل مع المخابرات! على كل حال، لو كان مزوار يحب «الأدب» لما قلله عليه بوليس المطار، كان يكفي أن يحضر اللقاء مع فؤاد العروي بدل أن يستقل الطائرة على عجل في اتجاه الرباط. لو فعل لما اضطر إلى خلع حذائه وجواربه، لأن السفارة كانت ستتكفل بإخطار من يعنيهم الأمر كي يتخذوا ما يلزم من إجراءات ليستقل رحلته كما يليق بأي وزير خارجية. لكن يبدو أن زعيم «التجمع الوطني للأحرار» يفضل الرياضة على الأدب، ومن المرجح أن يكون ميله إلى «التحدي» أحد الأسباب التي جعلت البوليس يدخل معه في لعبة «شد لي نقطع ليك»، التي انتهت بتفتيشه من رأسه حتى أخمص قدميه. يكفي أن تتعالى على الشرطي كي ينتقم منك ب»القانون»، علما بأن المسافرين العاديين أنفسهم لا يفتشون على ذلك النحو المهين. ولا شك أن وزير الخارجية يعرف أن التباري يحتاج إلى «روح رياضية»، ونأمل أن يتعلم من هذا الحادث ألا يضع بيض المغرب كله في سلة فرنسا، خصوصا أنه كان لاعب كرة سلة !