رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    تقدم في التحقيقات: اكتشاف المخرج الرئيسي لنفق التهريب بين المغرب وسبتة    "برلمانيو الأحرار" يترافعون عن الصحراء    فوز صعب ل"الماص" على المحمدية    المنتخب النسوي يفوز وديا على غانا    "ميزانية المواطن".. مبادرة تروم تقريب وتبسيط مالية جهة طنجة للساكنة    لجنة تتفقد المناخ المدرسي ببني ملال    "طلب رشوة" يورط عميد شرطة    حادث سير يصرع شابة في الناظور    "الفوبريل" يدعم حل نزاع الصحراء    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    السلطات المغربية تحدد موقع مدخل نفق لتهريب المخدرات بين سبتة المحتلة والفنيدق    نادي القضاة يصدر بلاغاً ناريا رداً على تصريحات وزير العدل بشأن استقلالية القضاء    المدير السابق للاستخبارات الفرنسية للأمن الخارج: المغرب كان دائما في طليعة مكافحة الإرهاب    طقس السبت .. امطار مرتقبة بمنطقة الريف والواجهة المتوسطية    ارتفاع المداخيل الضريبية بنسبة 24,6 في المائة عند متم يناير 2025    أزولاي: البصمة المغربية مرجع دولي لشرعية التنوع واحترام الآخر    اختتام القمة العربية المصغرة في الرياض بشأن غزة من دون إصدار بيان رسمي    صراع مغربي مشتعل على عرش هدافي الدوري الأوروبي    من العاصمة .. الإعلام ومسؤوليته في مواجهة الإرهاب    الملتقى الوطني الاتحادي للمثقفات والمثقفين تحت شعار: «الثقافة دعامة أساسية للارتقاء بالمشروع الديمقراطي التنموي»    قرعة دور ال16 لدوري الأبطال .. ريال مدريد في معركة مع "العدو" وباريس يصطدم بليفربول … والبارصا ضد بنفيكا    استقر في المرتبة 50 عالميا.. كيف يبني المغرب "قوة ناعمة" أكثر تأثيرا؟    محكمة بالدار البيضاء تتابع الرابور "حليوة" في حالة سراح    إيفاد أئمة ووعاظ لمواكبة الجالية المغربية بالمهجر في رمضان    الملك محمد السادس يحل بمطار سانية الرمل بتطوان استعدادًا لقضاء شهر رمضان في الشمال    الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء تحدد تعريفة استخدام الشبكات الكهربائية للتوزيع ذات الجهد المتوسط    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    مليلية المحتلة تستقبل أول شاحنة محملة بالأسماك المغربية    نتنياهو يزور طولكرم ويهدد بالتصعيد    المغرب يشارك في الدورة ال58 لمجلس حقوق الإنسان    الرجاء يعلن منع تنقل جماهيره إلى مدينة القنيطرة لحضور مباراة "الكلاسيكو"    المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس.. تكريم استثنائي لرائد إقليمي في الفلاحة الذكية والمستدامة    المندوبية السامية للتخطيط تسجل ارتفاعا في كلفة المعيشة في المغرب    المقاتلات الشبحية F-35.. نقلة نوعية في القوة العسكرية المغربية    حماس: جثة بيباس تحولت إلى أشلاء    روايات نجيب محفوظ.. تشريح شرائح اجتماعيّة من قاع المدينة    الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته    إطلاق تقرير"الرقمنة 2025″ في المنتدى السعودي للإعلام    إطلاق أول رحلة جوية بين المغرب وأوروبا باستخدام وقود مستدام    تراجع احتمالات اصطدام كويكب بالأرض في 2032 إلى النصف    فضاء: المسبار الصيني "تيانون-2" سيتم اطلاقه في النصف الأول من 2025 (هيئة)    كيف ستغير تقنية 5G تكنولوجيا المستقبل في عام 2025: آفاق رئيسية    حوار مع "شات جيبيتي" .. هل تكون قرطبة الأرجنتينية هي الأصل؟    أوشلا: الزعيم مطالب بالمكر الكروي لعبور عقبة بيراميدز -فيديو-    "حماس" تنتقد ازدواجية الصليب الأحمر في التعامل مع جثامين الأسرى الإسرائيليين    طه المنصوري رئيس العصبة الوطنية للكرة المتنوعة والإسباني غوميز يطلقان من مالقا أول نسخة لكأس أبطال المغرب وإسبانيا في الكرة الشاطئية    سفيان بوفال وقع على لقاء رائع ضد اياكس امستردام    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هكذا أصبحت مآثر وجدة عرضة للخراب بعد أن صرفت عليها ملايين الدراهم
فوضى واحتلال للملك العمومي ومرائب وأسواق عشوائية تغتال جمالية المدينة القديمة
نشر في المساء يوم 13 - 03 - 2014

تشهد مدينة وجدة القديمة فوضى و«سيبة» لم تشهدهما من قبل، بعد أن تكدست الأسواق العشوائية في محيط ضيق، واحتل التجار والباعة الجائلون والقارّون والمهاجرون الأفارقة الملك العمومي، وتسبب ذلك في خنق مسالك ومنافذ المدينة القديمة، وحوّلها إلى جحيم يستحيل الاقتراب منه... وتضاعف عدد السيارات في ظل انعدام مواقف لها واقتحمت جوف المدينة الألفية، وهدد ذلك مآثرها في ظل غياب السلطات المنتخبة والمحلية لحماية واقعها المتجدد بملايين الدراهم والمتلاشي بسبب اللامبالاة والتجاهل.
لم يستطع أبناء مدينة وجدة القديمة التعرف على مدينتهم التي ولدوا فيها، وترعرعوا في أركانها، وحفظوا عن ظهر قلب أسماء أحيائها داخل الأسوار القديمة التاريخية، ويتذكرون بيوتها وأهاليها وبساطة عيشهم ووقارهم، ونظام حركاتها وسكينتها وأضرحة أوليائها ومآثرها التي تهالكت وتآكلت، وطالها الإهمال.
لم تعد وجدة الألفية تلك المدينة/الأم التي احتضنت أبناءها داخل أسوارها التاريخية بحكم أن ملامحها تغيرت جذريا، بعد أن تحولت منازلها إلى ورشات عشوائية للخياطة، وساحاتها إلى مواقف للسيارات، ومسالكها إلى معارض فوضوية للسلع المختلفة والمتنوعة، تدكّ الأرض التي تحمل فوق أديمها مساجد عتيقة وأولى المدارس الابتدائية في المغرب، وبناية تحفة تخص محكمة قضاء الأسرة ومتحف لقدماء المحاربين ومقرات زوايا...
مدينة ضاقت بسكانها
رغم تضاعف عدد سكان المدينة الألفية عشرات المرات منذ بداية القرن الماضي، إلا أن المدينة القديمة لم تعرف توسعا أو توسيعا يذكر، ولا زيد في شوارعها أو طرقاتها متر واحد، ولا احتفظ بساحاتها وبساتينها وضيعاتها، ولا وضعت لها تصاميم مستقبلية تأخذ بعين الاعتبار هذا التوسع العمراني الحضاري.
قفز سكانها من أقل من 7 آلاف نسمة في بداية القرن الماضي إلى أكثر من 500 آلاف نسمة حاليا، بل يقسم بعضهم أنها تصل خلال الصيف إلى المليون ونصف المليون نسمة، باحتساب المغتربين والسياح والزوار وسكان الأحياء الهامشية، وحتى المتسولين الذين يحجون من مناطق أخرى من المغرب. فالوجديون الطاعنون في السن يعرفون أن وجدة لم تعرف تغييرا منذ عشرات السنين، باستثناء تناسل البنايات كالفطر، وتحول حدائقها إلى بنايات إسمنتية شوهت معالمها، وتتنافس المجالس البلدية السالفة واللاحقة على محاربة غابة سيدي معافة والقضاء على المساحات الخضراء، وتشجيع الأسواق والقيساريات التي ازدهرت مع تنامي ظاهرة التهريب خلال العشرين سنة الماضية على حساب جمالية المدينة ومحيطها البيئي وأمن وطمأنينة سكانها.
«تحولت منازل بأكملها إلى قيساريات وسط أحياء آهلة بالسكان، وتناثرت الدكاكين والمحلات التجارية والبراريك بشكل عشوائي، واحتلت المداخل والمسالك بمباركة المسؤولين من سلطات محلية ومنتخبة»، يشرح أحد سكان عمارات شارع علال الفاسي المتواجدة بمحاذاة سوق الفلاح وسط مجموعة من القيساريات داخل المدينة القديمة، بمحيط شارع علال الفاسي ودرب امباصو وساحة سيدي عبدالوهاب التي لم تعد قادرة على استيعاب عشرات الآلاف من السكان والزوار الذين يرتادونها يوميا، حيث تنشط الحركة التجارية والاقتصادية.
وتساءل المواطن عن الدواعي التي جعلت المجالس البلدية تصادق على تصاميم تلك القيساريات التي تجاوز عددها ال15 في مساحة جدّ ضيقة لا تتعدى 4 كلم مربع، وتسمح بإقامتها وسط أحياء مخصصة للسكن لا تتوفر إلا على أزقة ضيقة لا تستوعب حتى الكراريس فما بالك بالسيارات والشاحنات والحافلات...
فوضى احتلال الملك العمومي
فوضى وعشوائية تتميز بها المدينة القديمة بعد احتلال الملك العمومي من طرف التجار والباعة الجائلين والقارين والمناسباتيين والرسميين وأصحاب العربات المجرورة والمدفوعة والمهاجرين الأفارقة الممارسين لهذه الأنشطة الذين أصبحوا مستقرين، والذين سطوا على الأرصفة، واحتلوا مواقع وسط الطرقات والساحات، ووزعوها فيما بينهم وحددوا محيطهم، بل منهم من أصبح يتاجر في كراء أمكنة وبقع الأرصفة والساحات... ورسم هؤلاء الباعة مناطقهم ونشروا أمتعتهم وعرضوا بضائعهم وسلعهم وتشاجروا وتحاربوا وتقاتلوا من أجل الحفاظ على تلك المواقع التي امتلكوها بالقوة، بل قاوموا وجاهدوا حتى من أجل التوسع لامتلاك سنتيمترات أكثر.
تحكم الفوضى والعشوائية أزقة المدينة القديمة والأسواق والساحات، وفي غياب القانون تراجع الأمن والنظام وتناسلت الأسواق اليومية أمام المساجد لاقتناص مصلين زبناء محتملين بعد الانتهاء من الصلاة، ووسط الأحياء السكنية، فزحفت العربات المجرورة والمدفوعة أمام أبواب المساجد وداخل الأزقة عند عتبات المنازل، وتنافس التجار على حيازة الأرصفة « برًّا وجوًّا» بعرض أسلعتهم وتعليقها، ولم يبق من الطريق العمومي إلا مترا أو بعضه احتله الباعة المتجولون الذين يبررون ذلك بأنهم يكترون المكان ويؤدون «الواجب».
أصبح المواطن العابر المسكين، في امتحان عسير، مجبرا على الزحف تحت المعلق أو القفز فوق المعروض، دون الحديث عن المناسبات الدينية، حيث تستفحل فيها الأوضاع ويتضاعف عدد الباعة للمواد الاستهلاكية والمناسباتية، وتعتقل الأرصفة وتفرش الساحات وتختنق المدينة...مع العلم أنه مُنِع على التجار بالمدينة القديمة إخراج البضائع والسلع خارج الدكاكين، بعد إنجاز مشروع تأهيل المدينة العتيقة بمئات الملايين من الدراهم، وبعد ترميم بعض أزقتها وواجهات محلاتها التجارية وساحاتها الصغيرة وتزيين أسقفها بالخشب...لكن رغم هذا المنع عاد التجار إلى عادتهم القديمة أمام أعين قائد المنطقة والسلطات المحلية والمنتخبة.
كثرت حوادث التصادم والشجار بين المواطنين والباعة، ونشط النشالون واللصوص وأصحاب السلوكات المنحرفة التي لم يعهدها أبناء المدينة القديمة.
«إن القانون يحكم المتاجر والدكاكين، ويحكم الرصيف كما يحكم الزقاق والطريق والشارع، ويضبط الساحات والأسواق والسلوكات والتصرفات...» يقول أحد المحامين الذي كاد أن يدخل في صراع مع أحد الباعة على رصيف «طريق مراكش»، بعد أن رفض البائع فسح مسلك للمواطنين.
تجار المدينة ينتفضون
عبّرت تنسيقية التجار التي تضم 15 جمعية بمدينة وجدة عن تذمر التجار للوضع الكارثي الذي آلت إليه المدينة القديمة، ومعاناتهم مع سلوك السلطات المحلية والمنتخبة، التي تتقاعس في محاربة هذه الأنشطة العشوائية والفوضوية، رغم أوامر والي الجهة الشرقية عامل عمالة وجدة أنجاد، وطالبوا بإلحاح غير ما مرة عبر مراسلاتهم بالتدخل الصارم لحماية النظام داخل المدينة، وصيانة مكتسباتها التي تتمثل في الحلة التي لبستها والصورة الجميلة التي منحها لها مشروع إعادة هيكلتها بعشرات الملايين من الدراهم.
وجهت تنسيقية التجار بمدينة وجدة تنبيها إلى أن المجهودات في مجال محاربة الفوضى وتنظيم الأسواق وإغلاق الطرقات من طرف الباعة الفوضويين والعربات المجرورة والمدفوعة، لفتح المسالك لعبور ومرور المواطنين ووسائل النقل داخل أسواق المدينة القديمة؟ فشلت ونتج عن ذلك استفحال الأوضاع، خاصة ساحة سيدي عبدالوهاب وساحة العطارين أمام مسجد حدادة، مما تسبب في تدهور الوضعية الاقتصادية للتجار أصحاب الدكاكين في هذه الأسواق، ناهيك عن إغلاق الطرقات وعرقلة حركة مرور المواطنين والبضائع، ومعاناة التجار النفسية والمعنوية وتعرضهم للتهديد والتنكيل من طرف هؤلاء الباعة الفوضويين.
الشكايات أشارت على أن الوضع الفوضوي عرقل عمل شركة النظافة، مما تسبب في انتشار الأزبال والنفايات العضوية لسوق السمك والجزارين التي تولدت عنها روائح كريهة تزكم الأنفاس، تضاف إليها أدخنة «شوايات» السمك مع تردي الأوضاع الأمنية، وانتشار اللصوص والنشالين بسبب الاكتظاظ الناتج عن سدّ المسالك من طرف الباعة، وانتشار المختلين عقليا والمتشردين والمتسولين وسلوكات مشينة تحدث ليل نهار داخل سوق السمك وسوق اللحم وقيسارية لقنادسة وقيسارية لحبوس بالمدينة القديمة .
قدم التجار ملفا مطلبيا للسلطات يتمثل في وضع حدّ للفوضى العارمة عند مداخل السوق، وإيجاد حلّ للباعة الفوضويين، وحماية التجار المسجلين في السجل التجاري من المنافسة غير الشريفة التي يتعرضون إليها من طرف الباعة الفوضيين، وإلزام الشركة المكلفة بالنظافة بالقيام بواجبها على أحسن وجه، وتعيين منظفين خاصين في النهار، وتوفير حاويات القمامة بالنقط السوداء كسوق السمك والجزارين.
تنسيقية التجار بمدينة وجدة هددت في حالة استمرار هذا الوضع الكارثي باللجوء إلى محطات نضالية غير مسبوقة من وقفات احتجاجية، وإغلاق مرحلي ثم إغلاق نهائي للمتاجر والدكاكين، بعد أن وصل أغلبهم إلى حافة الإفلاس، وذلك لفسح المجال لمزيد من الفوضى والعشوائية والسيبة التي تنمو وتكبر أمام أعين المسؤولين من سلطات محلية ومنتخبة وأمنية.
احتلال الملك العمومي وخوصصة الأرصفة
المجهودات التي تقوم بها السلطات المحلية والحملات المحتشمة التي باشرتها لتحرير الملك العمومي بعد احتلاله من طرف الخواص بمدينة وجدة، باءت بالفشل وضاعفت من عزيمة العديد من المترامين على مساحات من الملك العمومي من الأرصفة والفضاءات المحيطة حتى الخضراء منها في بعض أركان المدينة، واستغلالها للمصالح الشخصية والأنشطة التجارية على حساب أمن وسلامة وحرية المواطنين.
ومباشرة بعد مرور لجن المراقبة والتنبيه والتهديد بالحجز، يعود المعنيون بالأمر إلى إخراج سلعهم وبسطها على واجهة المتاجر، وعرض البضائع وسط الطرقات واستعادة الفضاء المحرر، في عملية كرّ وفرّ دون ملل ولا كلل.
ضاق المواطنون وعبروا عن استيائهم وسخطهم من زحف أصحاب المحلات التجارية وضمهم لمساحات شاسعة أضعاف مساحات محلاتهم، من أرصفة للشوارع والطرقات والساحات بمدينة وجدة، ونافسهم في ذلك الباعة الجائلون والقارّون، ولم يتركوا حتى مسالك للمارة والراجلين والمتجولين من المواطنين الذين يضطرون للنزول إلى الطرقات، مزاحمين بذلك السيارات والدراجات النارية والهوائية والشاحنات والحافلات والعربات.
لقد تجاوز البعض سلطة القانون ومنح لنفسه سلطات أكبر بحيازته للملك العمومي، في غياب أي رادع ومانع، وأجهز على حرية المواطنين وعمد إلى تثبيت أعمدة حديدية على الأرصفة بحجة منع السيارات من الوقوف، وإغلاق منافذ متاجره ومضايقة الزبائن، ومنهم من يقوم بطلاء الرصيف باللونين الأبيض والأحمر في إشارة إلى «ممنوع الوقوف» أو يصفف على طول الطريق بجانب الرصيف صناديق أو مزهريات أو أي حاجز من الحواجز يمنع وقوف السيارات أو أي آلية، ومنهم من يكوم سلعه وبضائعه على الرصيف، ويترك الطريق للمارة والمتبضعين، معرضا حياتهم لخطر حوادث السير.
مواطنون كثيرون يغرسون أشجار الزيتون أو نوعا من شجر البرتقال المرّ، أو أخرى من نوع مختلف أمام منازلهم وسط الأرصفة، دون استشارة المصالح البلدية المكلفة بالأغراس المناسبة لجمالية المدينة. هذه الأشجار، غالبا ما تنبت على سطح الأرض وتتفرع أغصانها في غياب التشذيب والاهتمام، اللهم جني بعض ثمارها التي لا تساوي عذابها وعناءها، ومن هذه الأشجار ما يحجب الرؤية عن السائقين ومنها ما يشغل الرصيف كلّه ويمنع المارة من استغلاله ويضطرون إلى ارتياد الطريق.
لقد سبق أن وجهت عدة مؤسسات شكايات للسلطات المنتخبة والمحلية، وعبرت أخرى عن امتعاضها لما آلت إليه الأرصفة بشوارع المدينة الألفية وطرقاتها وساحاتها، بل دخل بعضها في صراع صريح ومباشر مع أرباب المقاهي والباعة المحتلين للملك
العمومي.
سبق للسلطة المحلية أن نفذت حملات مفاجئة خلال السنة الماضية لتحرير الشوارع والطرقات المحتلة، وقامت بحجز عدد من الكراسي والطاولات و»الشماسات» ومزهريات ولوحات إشهارية، كما وجه رئيس المجلس البلدي للجماعة الحضرية لمدينة وجدة رسائل وإنذارات في شأن احترام الملك العمومي، وهدد باتخاذ إجراءات صارمة وأداء ذعائر لفرض احترام الملك العمومي واستغلال الفضاء في الحدود المسموح لهم بها.
«كلام صار في حكم الماضي، ورسائل في خانة ذكريات، إذ عادت حليمة إلى عادتها القديمة، بل تجاوز الأمر كل ما كان يتوقع، وتكالب الكلّ على احتلال الملك العمومي أكثر من السابق، ولم لا والكلّ يتفرج عاجرا عن فرض القانون على أمتار قليلة من مكتبه..»، يقول أحد المستشارين بالجماعة نفسها بنبرة من اليأس والإحباط.
مآثر تتعرض للاغتيال
وضع المجلس البلدي لمدينة وجدة الألفية نفسه خارج تاريخها، بتعبير أحد الأساتذة الباحثين بجامعة محمد الأول بوجدة، بعد أن رخص لشركات حافلات النقل الحضري بركن حافلاتها التي لا تتوقف محركاتها طيلة اليوم، على سور المدينة العتيق وباب الغربي وحديقة لالة مريم التي تُعد من معالمها. وأضاف بامتعاض أن تاريخ المدينة القديمة ومآثرها، تتعرض لاغتيال بعد تفويت ساحاتها ومحيطها وأزقتها لاستعمالها مواقف للسيارات، انطلاقا من ساحة القصبة، وعلى أسوارها التي أَرَّختْ لها لأزيد من ستة قرون ونصف القرن منذ عهد الموحدين.
ساهمت المجالس البلدية كذلك في تعقيد حركة السير وأضرت بالمآثر التاريخية (ساحات القصبة، أسوار المدينة القديمة وأبواب القصبة التي تتأثر باهتزازات محركات السيارات والشاحنات ودخانها...) والتي لم يبق لعاصمة زيري بن عطية المدينة الألفية غيرها، بعد أن تم ترميمها وتجميلها، في الوقت الذي كان يجب المحافظة عليها بمنع السيارات من الاقتراب منها، والتفكير في إيجاد حلول لذلك، وتوفير مواقف وتسهيل حركة السير والمرور، سيما بساحة سيدي عبد الوهاب التي أصبحت جحيما لمن يعبرها، راجلا أو راكبا...
وبقدر ما يتم اغتيال أسوار مدينة وجدة بسبب تدخلات أشخاص جشعين، بقدر ما تتعرض مآثرها الداخلية إلى الإهمال والضياع، لا من طرف المسؤولين على الشأن المحلي ولا من طرف المواطنين ب»مساهماتهم» في تلويث المحيط دون احترام حتى الأماكن المقدسة، ولا أدل من ذلك ما تتعرض له «سقاقي ثلاثة» والواجهة الغربية للمسجد الأعظم أو «الجامع الكبير» كما يحلو للوجديين تسميته ونافورة «عبدالله بن عمر» التي تم إتلافها بعد إعادة بنائها وتحولت إلى أطلال.
«في الوقت الذي تصرف بلدان عديدة - تحترم تاريخها وتنعش ذاكرتها- أموالا طائلة وبسخاء في التنقيب على مآثرها التاريخية، يتحين مسؤولونا الفرص لردم معالمنا التاريخية المنتصبة التي شيدها الأجداد بالدم والعرق، وقتل ذاكرتنا وتيتيم حاضرنا ومستقبلنا...» يضيف بأسف الأستاذ الباحث في التاريخ بجامعة محمد الأول بوجدة.
ألف شرطي للقضاء على الفوضى
تجاوز هؤلاء، أمام عجز الساهرين على الشأن المحلي، سلطة القانون ومنحوا لأنفسهم سلطات أكبر بحيازتهم للملك العمومي، في غياب أي رادع ومانع، وأجهزوا على حرية المواطنين واحتلوا الرصيف بكامله وأضافوه إلى محلاتهم التجارية، وتركوا الطريق للمارة والمتبضعين، معرضين بذلك حياتهم لخطر حوادث السير كما سبق أن وقعت ومازالت تقع يوميا.
رئيس الجماعة الحضرية لمدينة وجدة، صرح «أن ضبط الفوضى واحتلال الملك العمومي بوجدة يحتاج إلى ألف شرطي»، وهذا اعتراف بالتسيب والفوضى وعجز المصالح القائمة على الشأن المحلي وفشل عملية تحرير الملك العمومي، واستفحال ظاهرة الباعة الجائلين والقارين والفراشة، واحتلال أزقة وشوارع وأرصفة المدينة الألفية والساحات والأماكن بالقوة، في غياب سياسة الردع والصرامة التي حلت محلها سياسة المهادنة والتهدئة.
وأقر حجيرة بصعوبة التخلص من هذه الظاهرة، لأنها متنقلة وعادة ما تخضع للعبة القط والفأر، إذ كلما تم تحرير 10 أماكن تكتسح ساحات ومناطق أخرى. ويرجع حجيرة انتشار الباعة الجائلين بهذا العدد الهائل، إلى ما أصبح يصطلح عليه بالربيع العربي. وذكر رئيس الجماعة بأن الوطن يضمن للمواطنين حقوقهم لكن يفرض عليهم واجبات، «فمدينة وجدة التي صرفنا عليها الملايير، وشيدنا ساحات وفضاءات وأصبحت مدينة حضارية تضاهي المدن الكبرى..، يقول حجيرة، للأسف يأتي من يشوه جمالها ويحتل ساحاتها».
وشدد رئيس الجماعة الحضرية لوجدة، قلعة زيري بن عطية، على ضرورة تضافر الجهود بين كافة الفرقاء بالمدينة للحدّ من هذه الظاهرة المشينة، «فالجماعة الحضرية، حسب قوله، لا تملك إلا الشرطة الإدارية، وهي وحدها غير كافية لمواجهة الفوضى العارمة التي تعيشها المدينة، بالأسواق وأمام المساجد والشوارع وحتى بالساحات العمومية «.
وإذا كانت الجهات المسؤولة من سلطات محلية وأمنية ومنتخبة لا تملك خطة لتحرير الملك العام، يتساءل بعض المواطنين من بينهم مستشارون، فمن يملك سلطة تنظيم المدينة الألفية ووضع حدّ للسيبة والفوضى التي عمّتها، مع الإشارة إلى أن مستشارين حاليين يسيرون الشأن المحلي كانوا في مجالس سابقة ساهموا في تكريس هذا الوضع، بتوزيع تراخيص لباعة جائلين في الشوارع والساحات.
ملايين الدراهم للمدينة القديمة
رصد غلاف مالي لبرنامج إعادة الاعتبار للمدينة العتيقة بوجدة ناهز 183.7 مليون درهم. واستفادت من المشروع المدينة العتيقة التي تمتد على مساحة 28 هكتارا، إذ وصل عدد البنايات بها إلى 1250 بناية. وتم إنجاز أكثر من 40 في المائة من المشروع، همت ترميم شبكات التطهير والطرقات وترصيف الأزقة وبعض الساحات بغلاف مالي بلغ 7 ملايين درهم، وتدعيم البنايات الآيلة للسقوط وترميم دار السعادة وتنقية الخرب (5 ملايين درهم)، وإعادة بناء الأبواب التاريخية وترميم الأسوار (2 مليون درهم) وتهيئة حديقة للامريم (9 ملايين درهم)، وتهيئة ساحة وقيسارية المغرب العربي (5.79 مليون درهم، إذ شملت الأشغال في الساحة، التي تمتد على مساحة 2500 مترا مربعا، عمليات الترصيف والإنارة والتشجير وبناء رواق الفنون وتجديد واجهات مسجد وقيسارية.
كما تم إنجاز برنامج التجديد الحضري لساحة باب سيدي عبد الوهاب بغلاف مالي يبلغ 120 مليون درهم، وبناء سوق جديدة بدل المستودع البلدي القديم، وترميم السور القديم بغلاف مالي إجمالي يبلغ 25 مليون درهم، فيما يهم الشطر الثاني تهيئة ساحة عمومية وفتح طريق جديد بين ساحة المغرب العربي وسوق طنجة، وإعادة تهيئة السوق نفسه بغلاف مالي يبلغ 95 مليون درهم.
مآثر وجدة التاريخية
كان أول من أحاط مدينة وجدة بالأسوار هم الموحدون، تم تدمريها في عهد المرينيين بعد صراعهم مع بني عبد الواد، ثم أعيد بناء القلعة سنة 1336م وتم تجديدها في عهد المولي إسماعيل سنة 1679م. ويبلغ علو أسوار القصبة ما بين 6 و7 أمتار وقاعدتها مترا واحدا و30 سنتيمترا، وبنيت بالطين المضغوط.
وخلال أحداث آخر القرن التاسع عشر من هجومات القبائل المجاورة، والتي كانت مدينة وجدة مسرحا لها، وبعد تنامي الأحياء خارج الأسوار وحماية لها قرر عامل المولى عبد العزيز على وجدة إدريس بن عيش بناء سور، وكان ذلك مابين أكتوبر 1895 وأبريل 1896 بسواعد سكانها.
تم بناء المسجد الأعظم أو ما يطلق عليه الوجديون اسم»الجامع الكبير» في عهد أبي يوسف يعقوب المريني سنة 1296/1296 م على مساحة 1300 متر مربع، وتم ترميم جهته الغربية سنة 1880م.
تضم المدينة القديمة المحيطة بالأسوار أقدم مدرسة بالمغرب وهي مدرسة «سيدي زيان» التي بنيت سنة 1907 والمحكمة الإدارية ومحكمة قضاء الأسرة، التي تعتبر تحفة في المعمار المغربي، والتي بنيت بمال المحسنين، في الوقت الذي فوتت ساحتاها للخواص كمواقف للسيارات، دون التفكير في أسوء النتائج التي تحدثها أدخنة عوادم السيارات وارتجاجات محركاتها على تلك المآثر .
تحتضن ساحة القصبة داخل أسوار المدينة العتيقة أول محكمة بالمدينة ودار للقاضي ومسجد خاص به «مسجد المخزن»، كما تضم الآن بناية لمحكمة قضاء الأسرة والتي تعد تحفة معمارية فريدة من نوعها ساهم في تشييدها مجموعة من المحسنين.
أما حديقة لالة مريم فتوجد بوسط المدينة على طول شارع المغرب العربي، وكانت تغطي في ما مضى من 3 إلى 4 هكتارات، وتحتضن الآن متحفا ومعهدا موسيقيا للطرب الغرناطي. كما أن بها خشبة في الهواء الطلق وسط الأشجار والعشب لاحتضان مهرجانات موسيقى الطرب الغرناطي. ومازالت الحديقة تحتفظ بأشجارها الباسقة ونباتاتها وأحواضها القديمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.