طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط لأزيد من 3 مليار درهم    السلطات البلجيكية ترحل عشرات المهاجرين إلى المغرب    وفاة رجل أعمال بقطاع النسيج بطنجة في حادث مأساوي خلال رحلة صيد بإقليم شفشاون    فيضانات إسبانيا.. سفيرة المغرب في مدريد: تضامن المغرب يعكس روح التعاون التي تميز العلاقات بين البلدين    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    الزمامرة والسوالم يكتفيان بالتعادل    أسطول "لارام" يتعزز بطائرة جديدة    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    الهذيان العصابي لتبون وعقدة الملكية والمغرب لدى حاكم الجزائر    إعطاء انطلاقة خدمات 5 مراكز صحية بجهة الداخلة وادي الذهب    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الدرهم "شبه مستقر" مقابل الأورو    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجزرة أبو زعبل.. لحظات الرعب الأخيرة في حياة 37 من معتقلي «رابعة»
تحقيق «الغارديان» ينقل شهادات الناجين من شاحنة نقل السجناء بعد فض معتصم رابعة العدوية
نشر في المساء يوم 25 - 02 - 2014

نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تحقيقا مطولا، هو الأول من نوعه، يروي تفاصيل مجزرة ترحيلات سجن أبو زعبل، التي راح ضحيتها 37 معتقلا داخل شاحنة نقل السجناء التابعة للسجن بالقاهرة. وقام كاتب التقرير الصحفي باتريك كينغسلي بنقل روايات بعض الناجين من المذبحة وأقارب القتلى الذين نقلوا شهادات مروعة لحقيقة ما جرى، عندما مات 37 معتقلا خنقا جراء إطلاق الغاز المسيل للدموع عليهم داخل شاحنة نقل السجناء، وحبسهم داخل الشاحنة لمدة تزيد عن 6 ساعات في درجة حرارة تقارب ال40 درجة مئوية.
بدأ الصحفي تقريره برواية تفاصيل الساعات الأخيرة من حياة المخرج محمد الديب أحد ضحايا المجزرة، الذي قدم وصيته شفهيا، إذ لم يتوفر على سند لكتابتها، ولم يكن هناك محام، فكل ما استطاع فعله أنه أخبر المعتقل الذي بجانبه بالديون التي عليه سدادها، والوصية التي يريد إيصالها إلى والدته حول تفاصيل وفاته.
وكان الديب من ضمن 45 معتقلا تم إلقاؤهم داخل شاحنة نقل السجناء في ساحة سجن أبو زعبل شمال شرق القاهرة. وفي وقت الحادثة كان المعتقلون قد أمضوا 6 ساعات داخل الشاحنة، وكانت درجة الحرارة في الخارج 31 وفي الداخل بالطبع كانت أشد حرا. ولم يكن هناك مكان للوقوف، ولم يكن لدى المعتقلين أي مشروبات، وقام بعضهم بخلع قمصانهم ومحاولة الشرب من العرق الذي تصبب منهم من شدة الحرارة. وفي هذه اللحظة كان الكثير منهم قد فقد الوعي تماما.
وينقل باتريك كينغسلي رواية أحد الناجين ويدعى محمد عبد المعبود، وهو تاجر يبلغ من العمر 43 عاما وعضو بجماعة الإخوان المسلمين. وقد كان عبد المعبود بالقرب من المخرج محمد دياب وقت الحادثة. يقول كاتب التحقيق إنه في يوم فض اعتصام رابعة العدوية تم اعتقال الكثيرين بشكل عشوائي، ولم يكن الجميع من مؤيدي مرسي أو الإخوان. ويضيف نقلا عن جمال صيام، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة - ووالد شريف أحد ضحايا المجزرة- قوله إنه في يوم المجزرة تقدم إلى النائب العام هشام بركات بطلب لمعرفة مكان ابنه، حيث تم اعتقاله يوم مجزرة الفض، ولم يستطع التوصل إلى مكانه حتى ذلك الحين، وقد أبلغ جمال صيام النائب العام أن اعتقال ابنه تم عن طريق الخطأ، وأنه بحاجة إلى مساعدة للإفراج عنه. ولم يكن شريف عضوا بالإخوان ولا مؤيدا للرئيس مرسي، بل إنه كان من مؤيدي تظاهرات 30 يونيو. ولكن شريف عندما سمع بما حدث من مجازر يوم الفض ذهب إلى الميدان للمساعدة في إسعاف الجرحى. وقد تعاطف النائب العام مع حالة شريف وأعطى والده رسالة موقعة لعرضها على مسؤولي السجن للمساعدة، ولكن هذه الرسالة جاءت متأخرة جدا. فقبل اللقاء بدقائق مات شريف خنقا داخل شاحنة نقل السجناء ومعه 36 آخرين جراء استنشاقهم للغاز المسيل للدموع وعدم تمكنهم من الفرار.
في اليوم التالي ظهرت صور مروعة للجثث في مشرحة «زينهم» حيث كانت أغلبها منتفخة وكانت الوجوه حمراء أو سوداء، ومنها جثة شريف التي تم بالكاد التعرف عليها. ويقول كينغسلي إن أربعة من ضمن 15 شرطيا من الذين رافقوا الشاحنة تمت إحالتهم على المحكمة بتهمة الإهمال، ولكن المحاكمة تم تأجيلها إلى أجل غير مسمى، ومازال المسؤولون في الحكومة يلقون اللوم على المعتقلين.
تعتيم وروايات
رغم محاولة التعتيم على الجريمة استطاع الصحفي باتريك كينغسلي الوصول إلى بعض الناجين وضباط الشرطة الذين رافقوا الحافلة. ويصف كينغسلي الحادثة بأنها «دليل على وحشية جهاز الشرطة والتعتيم على الجريمة من قبل السلطات». ويقول «إن الجريمة لم تقتصر على يوم الحادثة، ولكنها بدأت منذ يوم اعتقال الضحايا في 14 غشت من ميدان رابعة العدوية بمدينة نصر. ووفقا لرواية والده والناجين من المذبحة، تم اعتقال شريف صيام ظهرا على بعد بضعة شوارع من ميدان رابعة، وتظهر لقطات الفيديو الشهيرة التي سجلها أحد شهود العيان لحظة اعتقال صيام، حيث قام أحد الضباط بركله بقوه في صدره أثناء اقتياده إلى شاحنة الشرطة. وتم اتهام صيام بالانضمام إلى جماعة إرهابية، والشروع في القتل، وحيازة أسلحة نارية، وهي ما اعتبرتها عائلته تهما سخيفة وملفقة. وكان شريف صيام يعمل كمهندس اتصالات وخبير تنمية بشرية.
ويروي الناجون أن شريف و 8 آخرين من الضحايا لم تكن لهم صلة باعتصام رابعة وكانوا معارضين لمرسي. وشكري سعد هو من ضمن الناجين الذين أجرت معهم الغارديان حوارا، وهو أحد سكان مدينة نصر الذي استوقفته الشرطة وهو في طريق عودته بعد شراء علاج داء السكري الخاص به. حيث اشتبه أنه يحمل الدواء لمعتصمي رابعة. وفي لحظة اعتقاله -بحسب قوله- صرخ شكري سعد قائلا: «أنا مش إخوان، أنا حزب وطني». أما طلعت علي، أحد الناجين، فقد كان يبيع الشاي للضباط أثناء استراحتهم من العمل أثناء فض الاعتصام. ويروي طلعت أنه أغلق محله مبكرا عندما رفض الضباط دفع ثمن المشروبات، وفي أثناء عودته إلى بيته قام الضباط نفسهم باعتقاله وهو يصرخ قائلا: «أنا بتاع الشاي»، ولكن بلا جدوى.
أما محمد رمزي بائع الخضروات والناجي الثالث الذي تحدثت معه الغارديان فقد جاء إلى مدينة نصر لبيع «الخيار» في ذلك اليوم، ومحمد حمراوي اعتقل في طريقه لبيع ملابس في سوق في وسط المدينة، ورفيق عبد الغني تم إيقافه وهو في طريقه إلى العمل. أما محمد عبد المعبود فقد تم اعتقاله من مكان بعيد عن الاعتصام وهو في طريق عودته إلى منزله بعد انتهاء عملية فض المعتصم. وقد كان عبد المعبود من معتصمي رابعة العدوية ولم يترك الميدان، بل مكث هناك لمساعدة الجرحى حتى الساعة 3 عصرا، حيث لم يعد هناك أمل في إنقاذ أحد. وفي وقت لاحق انضم إلى مجموعة من أصدقائه الذين يسكنون في قريته بمحافظة الشرقية، حيث سمعوا أن أحد الأصدقاء قد أصيب وكانوا يبحثون عن جثته في مسجد الإيمان، وعندما وجدوا الجثة قاموا بنقلها في شاحنة أحدهم، ولكن أوقفتهم نقطة تفتيش تابعة للجيش واستجوبتهم عن الجثة، وعما إذا كان لديهم تصريح بالدفن. واستحوذ الجنود على متعلقاتهم الشخصية والنقود التي كانت بحوزتهم، وقاموا بإطلاق سراح أغلبهم ما عدا خمسه منهم. وكان من ضمن الخمسة عبد المعبود وطبيب يدعى عبد المنعم، وصيدلي يدعى محمد سيد جبل يبلغ من العمر 29 عاما. وتم اقتياد الخمسة إلى قسم الشرطة في مصر الجديدة وتم اتهامهم بالضلوع في أعمال تخريبية وحمل جثة بدون تصريح دفن، وتم إيداعهم في غرفة اعتقال مزدحمة للغاية. ومن ضمن الناجين حسين عبد العال الموظف السابق بشركة بترول مصرية والبالغ من العمر 60 عاما. وقد تم احتجازه في ملعب القاهرة ومعه آلاف آخرين تم اقتيادهم إلى الملعب يوم مجزرة رابعة حيث امتلأت أقسام الشرطة بالمعتقلين. وقد وصل عبد العال إلى رابعة العدوية بضع ساعات قبل فض المعتصم، حيث كانت هناك إشاعات بأن فضه سيتم هذا الصباح، وأراد عبد العال أن يكون متواجدا في هذه اللحظة لرمزيتها وليقف بجانب ابنه رمزي عضو الإخوان والذي شارك في الاعتصام منذ بدايته، والذي تم قنصه برصاصة في الرأس في اليوم نفسه.. وكان عبد العال في طريقه إلى المستشفى مع ابنه عندما أوقفه ضابط جيش وأخرجه من الشاحنة، وتوسل عبد العال إليهم ليبقى مع ابنه ولكن بلا جدوى، وتم اعتقاله واقتياده إلى ملعب القاهرة. وفي تلك اللحظات قام شريف صيام بنشر رسالة على موقع فيسبوك عبر هاتف أحد الأشخاص وقال فيها إنه محتجز في الملعب وطلب من القراء أن يبلغوا والده بمكان احتجازه. وعندما علم جمال صيام بمكان نجله حاول العثور على محام للمساعدة في الإفراج عنه. وكان لدى صيام وسائط كثيرة بحكم عمله السابق كمستشار بوزارة الزراعة في عهد مبارك. ولكن لم يساعده أحد بسبب تخوف الجميع من أن يتم تفسير الأمر على أنه مساعدة للإخوان. فذهب صيام إلى الملعب بنفسه وعند وصوله كان شريف قد تم نقله إلى قسم مصر الجديدة.
في القسم كان المعتقلون متكدسون في زنازين مساحتها 3 أمتار فقط، ويقول عبد المعبود إنه على مدار 3 أيام كانت الزنزانة الواحدة تحتوي على ما يقارب 38 معتقلا، وكانت ضيقة جدا بشكل لا يسمح لهم بالنوم في الوقت نفسه، فكانوا ينامون بالتناوب، وكانت درجة الحرارة لا تطاق.
وقد عثر جمال صيام أخيرا على ابنه في قسم مصر الجديدة، ولم يتمالك نفسه من البكاء عندما قابل والده وعانقه ولكنه لم يتحدث كثيرا. وزاره والده في اليوم التالي (السبت) ليعطيه بعض المتعلقات الشخصية.
مجزرة الشاحنة 11
في يوم الأحد 18 غشت على الساعة 6:30 صباحا تم تكبيل أيادي 45 سجينا، وكان كل اثنين مكبلين سويا، فيما عدا عبد المعبود الذي تم تكبيله مع اثنين آخرين. وكان المعتقلون الخمسة من محافظة الشرقية آخر من تم الزج بهم في شاحنة نقل السجناء. وقد أظهر أحد التقارير الهندسية أن الشاحنة مهيأة لحمل 24 شخصا على الأكثر، ولكن في هذه الحالة تم تكديسها ب 45 سجينا، ولذلك تم إغلاق بابها بصعوبة.
استغرقت الرحلة إلى سجن أبو زعبل ساعة من الزمن، وفي داخل الشاحنة كان السجناء مكدسين فوق بعضهم البعض ولم يستطيعوا الوقوف بشكل طبيعي. وساء الوضع عندما وصلوا إلى ساحة السجن، حيث لم يعد هناك هواء كاف للتنفس بعدما توقفت الشاحنة، وما حدث في الساعات التالية تم التحقيق بشأنه وأدلى بعض الضباط بشهادتهم حوله؛ وقد أيدت شهادة أحد الضباط الناجين من الحادثة. ويدعى الضابط عبد العزيز ربيع عبد العزيز، وقد رفض إجراء حوار مع الغارديان ولكنه أدلى بشهادته في النيابة، والتي كشف عنها المحامون وأكدها ضباط آخرون تحدثت معهم الجريدة.
يدعي عبد العزيز أن اسطوانات التهوية الخاصة بالشاحنة تم كسرها، وكانت درجة الحرارة في ذلك اليوم 31.1 مئوية، وقد أجبر المعتقلون على الانتظار داخل الشاحنة حتى يصل باقي المعتقلين 600 القادمين من رابعة إلى أبو زعبل. وكانت هناك 15 شاحنة ترحيلات أخرى وصلت قبلهم، وقد استغرق إنزال المعتقلين من كل شاحنة حوالي نصف ساعة، لأن كلا منهم كان يتم استقباله بالطريقة المعتادة وهي الضرب والتعذيب فور نزولهم من الشاحنة.
وكانت الشاحنة رقم 11 في طابور سيارات نقل السجناء، وبالتالي فقد كان على السجناء الخمسة والأربعين الانتظار لمدة طويلة حتى يتم إنزالهم. ويروي الناجون أن درجة الحرارة كانت لا تطاق وكان المعتقلون يقفون على رجل واحدة وقد امتلأت ملابسهم بالعرق وبدأ الأكسجين في النفاذ. ويروي عبد المعبود أنه في هذه اللحظة بدأ السجناء في الصراخ والاستغاثة وطرق جوانب الشاحنة، ولكن لا أحد استجاب.
وبحسب رواية حسين عبد العال وشكري سعد، شعر الاثنان بأنهما يحتضران. حيث خضع عبد العال لجراحة قلب مفتوح منذ عامين وكان شكري سعد مريضا بالسكري. ويقول عبد العال إنه لاحظ على شكري سعد أنه يفقد وعيه واستغاث طلبا للمساعدة قائلا إن أحدهم على وشك الموت، فجاء الرد بأنهم يريدون موتهم جميعا.
ويروي الناجون في شهاداتهم لصحيفة الغارديان بأن الضباط طلبوا منهم أن يسبوا الرئيس مرسي كي يتم إخراجهم، فقام الشباب بالسب ولكن رفضوا إخراجهم. ثم طلبوا منهم أن يطلقوا على أنفسهم أسماء نساء، وبالفعل قام البعض بذلك ولكن كان الرد «نحن لا نتحدث مع النساء».
وفي شهادته لدى النيابة قال الضابط عبد العزيز إن بعض الضباط الصغار طلبوا من مديريهم أكثر من مرة أن يسمحوا بفتح الشاحنة وإعطاء السجناء مياها، ولكنهم رفضوا لمدة 4 ساعات وبعد ذلك تم السماح بالمياه، ولكن فقد الضباط مفتاح باب الشاحنة، فقام الملازم محمد يحيى بكسر القفل. ولكن حتى ذلك الوقت لم يتم السماح للسجناء بالخروج فيما عدا عبد العال الذي كان واقفا بجانب الباب تم السماح له بالوقوف على حافة الحافلة وتم إلقاء قطرات المياه عليه، وتم دفعه إلى الداخل مرة أخرى. ورغم قيام جميع الحافلات الأخرى بترك الباب مفتوحا إلا أن حافلة قسم مصر الجديدة لم تفعل ذلك وقامت بغلق الباب بالأقفال.. يقول عبد العزيز إنه في النهاية قام صغار الضباط بإلقاء المياه بأنفسهم من فتحة النافذة. ولكن السجناء كانوا قد وصلوا إلى مرحلة حرجة حيث أصيب أغلبهم بالغثيان وقام البعض بتلاوة وصيته. ويقول سيد جبل «سقط كبار السن أولا، ثم لحق بهم الشباب، واحدا تلو الآخر، وفي الخارج كان الضباط يضحكون ويسبون مرسي.» وقام الشباب بالطرق على جوانب الحافلة بقوة واستمروا في الطرق حتى سقطوا جميعا وعم الصمت داخل الحافلة عندما سقط الجميع مغشيا عليهم.
بحلول الساعة الواحدة ظهرا جاء دور السجناء في النزول ونادى عليهم الضباط أن يجهزوا أنفسهم لتسليم ما لديهم إلى موظفي السجن، ولكن أغلب من بالداخل لم يستطع حتى الوقوف. ويقول الصحفي باتريك كينغسلي إن هناك روايتين متضاربتين لما حدث بعد ذلك. فقد قال ضباط في التحقيقات إنه عندما فتح الباب قام السجناء بجلب الملازم يحيى إلى الداخل واحتجازه كرهينة. وقد أدت الفوضى التي حدثت بعد ذلك إلى مجيء الكثير من الضباط الآخرين المسؤولين عن سيارات أخرى إلى المكان، ويدعي الضابط إن عبد العزيز وزميله قد أصيبا في هذه الاشتباكات عندما حاولا إنقاذ يحيى، وفي غضون ذلك قام أحد العساكر بإطلاق غاز مسيل للدموع داخل الشاحنة من خلال أحد النوافذ. وبحسب هذه الرواية فقد أصيب يحيى واثنان آخران بسبب التعرض للغاز، في حين تعرض عبد العزيز لبعض الجروح نقل على إثرها إلى المستشفى. ولكن وفقا لرواية الناجين ورواية عبد العزيز نفسه فإن هذه الرواية الأولى مفبركة ولم تحدث على هذا النحو. ففي شهادته أمام النيابة قال عبد العزيز إن أحد الضباط قام بضربه على وجهه كي يثبت روايته بأنه تعرض لجروح. ويقول عبد المعبود في حديثه للغارديان: «لنكن منطقيين في تحليلنا للواقعة، كنا جميعا مرهقين للغاية ولم نستطع حتى المشي وسقط أغلبنا مغشيا عليه داخل الحافلة. وقد تمكن 5 أو 6 أشخاص فقط من الوقوف. فكيف يمكننا ضرب ضابط شرطة ونحن في هذه الحالة؟» ويقول مراسل الغارديان إن رواية عبد العزيز تدل على أن السجناء لم يكونوا بحالة تمكنهم من اختطاف الضابط. ويضيف عبد العزيز أنه عندما نظر من النافذة الخلفية وجد مشهدا مروعا لجميع السجناء وهم مغشى عليهم فوق بعضهم البعض.
هشام فراج المتحدث باسم مشرحة «زينهم» التي استقبلت الجثث قال في شهادته إن الضحايا كانوا على قيد الحياة عندما تم إطلاق الغاز وأنه تم العثور على آثار الغاز في جميع الجثث. وأعرب عن شكه في قدرة عبوة الغاز الواحدة على قتلهم ولكن ربما كان إطلاق الغاز هو المسمار الأخير في نعش الضحايا الذين عانوا من قلة الأكسجين لمدة طويلة قبل إطلاق الغاز. وأضاف فراج في شهادة مكتوبة لصحيفة الغارديان: «قررنا أن الشرطة هي المسؤولة عن قتل السجناء لأنهم قاموا بملء الحافلة ب45 سجينا وهو رقم كبير جدا لأن الحافلة تستوعب 24 سجينا فقط. وبالتالي كان هناك نقص في الأكسجين مما سرع من وتيرة القتل عندما تم إطلاق الغاز.» وبسبب تكدس السجناء كان من الصعب فتح باب الشاحنة مما اضطر الضباط إلى استخدام منشار آلي لفتحه، وفي النهاية استطاعوا فتح جزء صغير خرج منه 8 فقط أحياء وكانت بشرتهم مليئة بالخدوش. ويقول سيد جبل إنه عندما استنشق الهواء بالخارج لم يشعر بأي شيء وسقط على الأرض، وعندها قام الضباط بضربه. أما باقي السجناء فكانوا مغشيا عليهم داخل الشاحنة ومكدسين فوق بعضهم البعض، ويقول الضابط عبد العزيز «إنه في هذه اللحظة أدرك أنهم جميعا قد فارقوا الحياة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.