كشف أحمد المرزوقي عن وجه آخر ل"مسلسل" محاولة انقلاب الصخيرات الفاشلة التي قادها الكولونيل امحمد اعبابو ضد الملك الراحل الحسن الثاني. فقد قدم المرزوقي –في سابقة هي الأولى من نوعها- روايات طريفة تخللت هذا اليوم، وكان أبطالها كل المشاركين في "مسلسل" المحاولة الانقلابية (ضحايا وجلادين) من جنود وجنرالات وشخصيات بارزة وسفراء وخذام القصر وآخرون. "الناس كايستغربو: واش في الصخيرات وزنازن تزممارت ما يضحك؟" يشير أحمد المرزوقي في استجواب خص به "المشعل". الزمن:10 يوليوز عام 1971 المناسبة: حفل بهيج لتخليد الذكرى ال42 لميلاد الملك الحسن الثاني المكان : القصر الملكي بالصخيرات الواقعة قرب الرباط العاصمة، الحدث : هجوم 1400 جندي على القصر مخلفين حوالي 100 ضحية،كما جرح أكثر من 200 شخص، ونجا الملك بأعجوبة عندما اختفى في أحد جوانب المكان، وقد سحقت قواته الموالية المتمردين في الساعات نفسها التي تلت الهجوم وقد أدى الحادث إلى مقتل عشرات الضحايا الذين كانوا مدعوين إلى الحفل، وضمنهم سفراء ووزراء مدنيون وعسكريون وسيقول عسكريون متطورين في المحاولة إن العقيد محمد اعبابو جلب العسكريين من قاعدة "اهرمومو" التي تبعد عن فاس بحوالي 60 كيلومترا في منعرجات الأطلس المتوسط إلى الرباط تحت ستار "تنظيم مناورة بالذخيرة الحية". لكن العقيد كان ينسق مع الجنرال محمد المذبوح كبير الضباط المرافقين للملك، وشقيقه محمد اعبابو الذي برز دوره في تفاصيل المذبحة التي جرت في فناء القصر في يوم مشمس، وبحسب شهود عيان، فإن خلافات وقعت بين الجنرال المذبوح والعقيد اعبابو حول وضع الملك الذي كان توارى عن الأنظار بمجرد بدء إطلاق الرصاص وانتشار الجنود الذين كانوا يحطمون أي شيء يجدونه أمامهم. بيد أن انهيار الخطة الأصلية التي وضعها الجنرال المذبوح، دفع العقيد امحمد عبابو إلى تغيير لهجته. وكان في كل مرة يواجه كلاما إلى العسكريين الآتين من "اهرمومو" مفاده أن هناك "خونة يريدون قتل الملك وعلينا أن نبحث عنه لإنقاذه" وهذا ما يؤكد رواية الملك الحسن الثاني حين قال إن مجموعة صغيرة من العسكريين أحاطوا به، وحين سألهم :"ماذا تفعلون؟" قالوا :"نحن هنا لحمايتك"، فطلب إليهم ترك السلاح وتقديم التحتية العسكرية. تتوالى الأحداث لتنتهي مباشرة بعد ظهور الملك وإعطاء أوامر لجنرالاته لاحتواء الوضع. وهو ما تحقق بأعجوبة، وعقدت محكمة عسكرية طارئة في اليوم ذاته، بعد تحقيقات مع عدد من الجنرالات الذين وجهت إليهم تهم التورط جرى إعدامهم بالرصاص في خلاء بضواحي الرباط في مكان غير بعيد عن قصر الصخيرات، في 13يوليوز. وسط هذا الإعصار الدموي ستتخلل أحداث الصخيرات العديد من الوقائع الطريفة، كما استقتها "المشعل" على لسان عدد من المشاركين في هذه الحدث. وهو الجانب الظليل الذي لم ينتبه إليه جل المهتمين بالواقعة. وقد كشف أحمد المرزوقي في شهادته ل"المشعل" جوانب من هذه المشاهد المثيرة وهو الذي وجد نفسه مع كافة منتسبي مدرسة اهرمومو متورطا في محاولة انقلابية كان يقودها قائد المدرسة آنذالك الكولونيل احمد اعبابو ضد الملك الحسن الثاني. يحكي المرزوقي في هذا الاستجواب وفي مذكراته بعضا من الوقائع الطريفة التي حدثت يوم انقلاب الصخيرات ، كما يروي محمد الرايس بعضا منها في مذكراته "تذكرة ذهاب وإيابا من جحيم تزممارت". دون أن ننسى ما وراء بعض ضيوف الملك في مناسبات مختلفة، وما كشفت عنه شهادات "المشعل" وتنشر لأول مرة. ولعل من أكثر من المواقف طرافة ما أصبح معروفا في الصالونات السياسية للمخضرمين، بركضة اكديرة الشهيرة، ويروي أحدهم أنه بينما كان الملك جالسا مع صديقه ورفيق مساره السياسي أحمد رضا اكديرة هاجمته جيوش المتمردين يوم عاشر يوليوز 1971 وحين شرعوا في إطلاق الرصاص كان اكديرة أول السالتين. ويروي الصحافي والكاتب ستيفن هيوز في كتابه "مغرب الحسن الثاني"، "أن أحمد رضا اكديرة ترك مجلسه مع الملك وتحرك هاربا بسيارته، وعندما اعترضه الثوار، طلب اكديرة سائقها أن يتحرك ليتمكن من الهروب". بعد هذا الحادث الملك مانساش ركضة اكديرة هاربا، في كل مرة وأثناء الجلسات الخاصة للملك كان يذكر صديقه بركضته المثيرة للضحك يوم الانقلاب. وفي مشهد آخر مؤثر وطريف يحكي أن أحد الجنود وضع ساعة مسروقة ثمينة على يده وقال لزميله فرحا بغنيمته في يوم دموي:" جات معايا؟" هدا دون إغفال طرفة المحجوبي أحرضان زعيم الحركة الشعبية حينها الذي أمره أحد الجنود بخلع ملابسه ليصيح في وجهه قائلا :"أوهو، إلا هذه، أنا ماشي قرد" والمثير للضحك كذلك اللقب الذي أطلقه جنود المدرسة على الفاسين بنعتهم صحاب "السوالف والقجوج"، أثناء اعتقالهم للضيوف. ولن ننسى المرزوقي قفزته على طريقة الرجل الخارق "السوبرمان" وهو يطير في سماء زنقة البريهي من أعلى طابق. ومن المعلوم أن الراحل عبد الهادي بوطالب كان أستاذا في مجال الإعلام إلى جانب اختصاصات أخرى. وفي آخر ايامه، كان يلقي دروسا في شتى مجالات اهتمامه خلال ذلك اليوم المشهود سيلقي أحد أهم دروسه حول "الخبر" الصحفي، كيف ذلك؟ يروي بوطالب: أخذ الجنود يلاحقوننا برشاشاتهم دون ان يطلقوا علينا النار، ثم سحبوها إلى أسفل القصر حتى نزلنا إلى شاطئ البحر، لأن قصر الصخيرات كان يتكون من الجناح الملكي حيث توجد سكنى الملك، ومن ملحقات كان بها مكتبه وقاعة الاستقبال ومكاتب الموظفين الذين كانوا ينتقلون من الرباط إلى الصخيرات كلما حل الملك بها. وكان خلف هذه المباني شاطئ البحر الخاص بالملك وضيوفه، آنذاك التفت إليّ الأمير الحسن بن المهدي سفير المغرب في لندن والخليفة السابق للسلطان في المنطقة الشمالية إبان الاستعمار الاسباني وسألني بلهجة مشرقية :"أستاذ عبد الهادي حصل إيه؟" فقلت له :"الخبر ما ترى لا ما تسمع". لم تنقطع "بوبينة" الانقلاب عن تصوير مشاهدة في غاية الإثارة والسخرية رغم إسدال الستار عليه.فلحظات بعد صمت دوي الرصاص واستسلام الانقلابيين طرأت واقعة طريفة أخرى، إذ عين الملك في الحال قبطانا فلم يجد النياشين الثلاثة المطلوبة لرتبته الجديدة فنزع القبطان نيشان الكتف الأيسر ووضعه على الكتف الأيمن. وفي قاعة المحكمة حيث حوكم الانقلابيون تواصلت الطرائف. وكم من مرة اهتزت المحكمة ضحكا لكثرة المواقف الساخرة ولعل أبرزها اعتراف أحد الجنود أنه دخل الجيش من أجل "الحريرة والكاميلا" وهو ما أضحك حتى "المغرق" الصارم داخل قاعة المحكمة بل إن روح المرح والنكتة لازمت سواء ضيوف الملك في جلساتهم الخاصة، وهم يحكون تفاصيل مضحكة عن هذا اليوم أو الجنود المعتقلين بتزممارت الرهيب، الذين كانوا يرددون بعضا من تلك الوقائع المضحكة قصد الترويج عن انفسهم واستبعاد حقيقة الموت من مخيلاتهم حسب المرزوقي. "المشعل" تعيد تركيب أحداث مجزرة الصخيرات في وجهها الضاحك وكما يقال –عادة- ف"في عمق المأساة تولد الملهاة". لنكتشف جميعا الوجه الساخر لمجزرة الصخيرات. أحد الجنود وضع ساعة مسروقة على يده وقال لزميله فرحا بغنيمته :"جات معايا؟" أثناء مداهمة القصر وإطلاق الرصاص على ضيوف الملك وقعت حادثة طريفة أكدها أكثر من راو، تقول :"إن أحد الجنود وضع ساعة مسروقة على يده، وقال لزميله فرحا بغنيمته :جات معايا؟" لاحظ الضيوف منذ البداية حقد الجنود على الأثرياء فالثراء أثار حنقهم ولهذا تكالبوا بعدوانية كبيرة على كل الأشخاص الذين يحملون أشياء ثمينة فعمدوا إلى الاستيلاء عنوة على العقود والسلاسل اليدوية والساعات الذهبية والخواتم ويسلبونها من أصحابها ويرمون بها في الشاحنات. سارق قصور الملك جندي يسرق "تيو" ملعب غولف قصر الصخيرات واقعة طريفة كان بطلها أحد جنود مدرسة أهرمومو العسكرية يقول مصدرنا :"لما خرجت من القصر صتدفت لادجوان خرخاش يجمع أنبوبا مطاطيا لسقي العشب في ملعب الغولف ليضعه في "الجيب" ولما رآني قادما نحوه خاطبني بقوله :" شوف مون ليوتنان هاذ التيو مزيان خاصنا ناخذوه باش نسقيو الجردة في المدرسة (اهرمومو)"، والطريف أن خرخاش هو من قام بسرقة الآلة متاع السلك ديال الضو في قصر فاس ودابا جا دور قصر الصخيرات. أمر أحد الجنود أحرضان بخلع ملابسه وصاح فيهم "أوهو إلا هذه، أنا ماشي قرد" المحجوبي أحرضان زعيم الحركة الشعبية أسيئت معاملته من طرف الطلبة الضباط الذين تظاهروا بأنهم لم يتعرفوا عليه، وقد أمروه بخلع حذائه ففعل ولكنه ثار وأزيد عندما طلبوا منه خلع ملابسه وصاح فيهم "أوهو إلا هذه، أنا ماشي قرد"، وسرعان ما وضع تدخل "سرجان: من نفس منطقة أحرضان حدا لهذه الحكاية كان حقا مشهدا مثيرا. قصة الكسكس الملكي الذي أغرى ضباط اعبابو إذا كان بعض الجنود قد قبلوا الموائد والطاولات فإن البعض منهم قد استغل اللحظة لملء البطن، ضبط ضابطي صف مختبئين في إحدى الغرف يلتهمان الكسكس "المخضر بالدجاج" عندما نبههما رئيسهما إلى فعلتهما أجابا بأنها فرصتهما لأكل الكسكس الملكي، جندي آخر أجابهما بغلظة :"عالله تكونو عارفين آش كايتساناكم غادي يكون عندكم الوقت الكافي باش تهضمو". حكاية الجندي الذي رأى الدم في العشب فاعتقد أنه أمام معمل طماطم في عز الغليان الدموي سيقول أحد الجنود لزملائه:"إنه لا يفهم شيئا بالأمس أخبروه بأن الأمر يتعلق بمناورة وفي الصباح ولات قضية عناصر نخربة المسكين لما نزل من الكاميو ماعرفش فين هو، ولما شاف الدم في الغازون (العشب) يحسابلو وزين (معمل) ديال مطيشة وملي شاف تران في السكة كال شومينو دايرين إضراب". شرح له زميله كل شئ ولم يصدق المسكين ما رأى وسمع فأجاب بنبرة المحبط المنهار،"إنه بعد خمسة وعشرين عاما في خدمة الجيش الفرنسي خدع مثل واحد جديد"، ثم اطرق مليا وأردف بأن الخطأ "ليس خطأه وبأنه شارك في الحرب العالمية الثانية ثم حرب الهند الصينية وقد علموه الهجوم والحصار والفراسة ونصب الكمائن والمصارعة لكنهم لم يعلموه أبدا كيف يقوم بانقلاب...". انفجر زميله ضاحكا وقال له :" في فرنسا لا يقام انقلاب". ماتش كرة أنقذ الممثلة شادية والسفير المصري من الموت بأعجوبة احتج السفير المصري فهمي عبد المجيد على سوء معاملة بعض الجنود له. إلى جانبه كان يوجد سينمائي كبير مصحوبا بالممثلة والمطربة شادية بدأ يشرح للانقلابيين:"إن السيد السفير وشادية وأنا من جمهورية مصر العربية. نحن أشقائكم عرب ومسلمون مثلكم". فأجابه أشدهم غلظة :"أنا لا اعرف بلدكم لم اسمع بهذا الاسم"، الجندي ما عمرو شاف تلفزة ولا اهتم بشي ماتش كرة فحياتو وهي سمة أغلب جنود مدرسة اهرمومو وتساءل طالب ضابط ثاني، أكثر إطلاعا على أحوال العالم "آه طيب أنا أعرف بلدكم ماشي انتوما للي غلبناكم بثلاثة لصفر في الكرة هاذ العام في إقصائيات الألعاب الأولمبية؟" فأجابوا بصوت واحد: نعم صحيح لقد سحقتمونا بثلاثة لصفر". وكان أن سقوهم ماء وانتحوا بهم في مكان ظليل. الجندي الذي مشى على ظهر جنرال وأخذ يرقص بجنون أحد الجنود كان كثيرا ما يفصح لزملائه بمدرسة أهرمومو عن حلمه في أن يرقص يوما ما فوق ظهر جنرال، وها قد تحقق حلمه "لكن الثمن كان باهضا". فخلال مداهمة قصر الصخيرات وبعد أن اعتقل ضيوف الملك كرهائن حيث ظلوا واقفين رافعين أياديهم معرضين لإهانات واستفزازات الطلبة الجنود. قام أحدهم بطرح الجنرال إدريس بن عمر العلمي الذي كان الماجور العام السابق للقوات المسلحة الملكية ووزير البريد، وأخذ "يمشي متعمدا على ظهره"، وهو يتحدث ساخرا إلى زملائه ويرقص وكرر مرارا حركاته البهلوانية حتى يثير بطل حاسي بيضا. الجنرال ما نساهاش ليه، بعد فشل المحاولة الانقلابية جاء بنعمر يبحث بنفسه عن هذا الطالب وسط الانقلابيين المسجونين في إحدى الثكنات وهو البحث الذي ذهب سدى لأن المعني بالأمر اختبأ في المرحاض. صحن الفراولة الذي انتهى مذاقه إلى تفاحة آدم فاجأ جندي زميله الضابط الشاب كان يدعى "بييزانو" أمام ثلاجة يسلب ما فيها فسأله زميله كيف تأكل في مثل هذه الأوضاع والطلبة على حافة مصيبة؟ أجابه بهدوء وهو يمد له صحنا به فراولة وقنينة حليب، بأن "هادشي قضية جنرالات ونصحه بأكل لفري زراه زوين ويشرب الحليب البارد برا كاين الصهد"، أخد زميله مما عرض عليه واقترح عليه الضابط الارتياح في الظل "، بعد سنوات من الاعتقال في سجون تازممارت سيتذكر زميل الضابط هذه الواقعة وسيردد :"آه لو كنت تعرف يا "بييزانو" العزيز الحرارة الجهنمية التي كانت تنتظرنا والظل الذي قبعنا فيه، حتى أصبحنا رميما لما أكلت تلك الفاكهة التي كانت بالنسبة لنا مثل تفاحة آدم". مقلب الأمير مولاي عبد الله المزعوم لدى سماع أولى العيارات النارية تهامس البعض ضاحكين :"إنها واحدة أخرى من (مقالب) الأمير عبد الله.. فقد عودنا على مثل هذه المفاجآت" فرد أحد السفراء ناقما :"إن كان الأمر كذلك فهو أسوأ مقلب يمكن تنظيمه". كانت الموائد قد مدت وعليها ما طاب من مختلف صنوف الأكل، قبل ذلك استغلت بعض الشخصيات الفرصة لممارسة السباحة أو الكولف. والفرق الموسيقية تشنف الأسماع، علما بأن عددا هاما من نجوم الطرب العربي كانوا قد أطروا الحفل الموسيقي الساهر ليلة قبل ذلك، من بينهم :صباح وفريد الأطرش، محمد عبد الوهاب وعفاف راضي، عبد الحليم حافظ وغيرهم". كانت السحب قد بدأت في الانقشاع عن سماء الصخيرات عندما كانت أفواج الشاحنات العسكرية المسلحة تشق طريقها من بوقنادل إلى الصخيرات، إذ كانت السماء ذلك اليوم مكسوة بغيوم كثيفة منذ الساعات الصباحية الأولى. الأمر العسكري الذي أضحك الانقلابيين وضيوف الحسن الثاني. بعد ساعات على مداهمة القصر ستصدر تعليمات إلى بعض الجنود للسيطرة على مقر الإذاعة. "(...) على جميع الضباط والجنود أن يبقوا في مكانهم بقصر الصخيرات .فإذا لم يرجعوا في الساعة السابعة مساء أطلقوا الرصاص على كل الراكعين". وقال أحد الجنود باللغة الفرنسية أيضا :"ليس لدينا ما يكفي من الذخيرة لقتل هؤلاء جميعا". فجاء الأمر العسكري يقول :"دوسوهم جميعا". أحد الطلبة قال ساخرا :"حنا مادربناش على "العفيط" في المدرسة فضحك جميع الطلبة العسكريين، فثار في وجههم أحد مساعدي اعبابو وطالبهم بالانضباط والتزام الجدية والهدوء. جندي يطلق النار على عواهنه، ويصرخ :"وا الخيل" إنها واحدة من الوقائع الطريفة التي يحكيها إلى يومنا هذا عدد من ضيوف الملك الراحل. احد جنود مدرسة اهرمومو كان يطلق النار على عواهنه، ويصرخ كالمجنون :"وا الخيل". والغريب أن هذه العبارة التي لازالت تتردد على مسامع بعض ضيوف الملك إلى يومنا هذا، هي نفسها التي كان يرددها الراحل إدريس البصري عندما كان يرمي بالكرة بعصاه في ملعب الغولف. بوطالب يتشبه ب" موشي دايان" مستشار الملك الراحل عبد الهادي بوطالب في لحظة من "مسلسل" الهجوم على قصر الصخيرات، أصبح شبيها ب"موشي ديان" وزير الدفاع الإسرائيلي آنئذ صاحب "العين الواحدة". بينما تخطى المائدة التي كان يجلس فيها حتى دخل عدد وفير من الجنود وبدأوا في إطلاق الرصاص وطرح القنابل اليدوية. في تلك اللحظة أصابت شظية خلف ساق بوطالب وجرحته جرح مؤلما، لكنه لم يهتم للجرح لأنه رأى الكثير من الضحايا يسقطون وتتكاثر أعدادهم، بحسب عدد الطلقات التي كان الجنود يصوبونها إلى ضحاياهم أو يرسلونها بصفة عشوائية. بعد ذلك أخذ الجنود يلاحقون ضيوف الملك برشاشاتهم فوقع على الأرض كان يضع على عينيه نظارة شمسية فسقطت على الأرض وسط الرمال زجاجة من زجاجتي النظارة وبقيت نظارته بزجاجة واحدة وأصبح شبيها ب"موشي دايان". كيف قدم قائد نجا من الموت ثلاثة آلاف وجبة من اللحم والأرز صكوكا للانقلابيين وصل الكومندان (ش) قائد القيادة العامة وحاول أن يظل بعيدا وألا يراه اعبابو ومن سوء حظه لاحظ هذا الأخير حضوره فدعاه إليه. تقدم (ش) وأدى التحية. طلب منه اعبابو الاقتراب أكثر "أريد أن أتحدث إليك". سأله هذا الأخير :"قل لي :أنت مع من؟ هل أنت معنا أم ضدنا؟". أجاب مخاطبه بحذر :"مون كولونيل، أنا لست ضدكم لكن أرجوك أن تعفيني من هذه المهمة لأني كما تعلم أجهل في أمور الدولة، وقراراتها تتجاوز قدراتي". انتبه اعبابو إلى حيلة مخاطبه وصوب مسدسه نحوه وطلب منه الجثو (الجلوس على ركبته) تدخل الكولونيل الشلواطي لصالح القائد. أمره اعبابو بالوقوف ثم قال له :"أنت محظوظ حقا كان علي أن أقتلك قبل تدخل الكولونيل الشلواطي". زاد عمر الرجل بعشر سنوات، وعندما وقف استعاد أنفاسه مثل محكوم بالإعدام أنزل من على المقصلة ومرر يدع على عنقه، يشير مصدرنا ويضيف :"بعد هذا المشهد المأساوي الذي وقع للقائد الذي استنجد باعبابو مثل طفل صغير، حدث أن أمر القائد أتباعه بتهييء ثلاثة آلاف وجبة من اللحم والأرز لجميع الانقلابيين". رقصة السفير بعصا الغولف على دوي الرصاص والقنابل عندما عبر موكب الجنود الملعب المعشوشب والمخصص للغولف، سارع بعض المدعوين إلى الفرار البعض مرتديا لباس الاستحمام والآخر مرتديا سراويل في مقابل هذا كان آخرون ينظرون إلى المشهد مستغربين وقد تملكهم العجب واستبد بهم الرعب فبدأوا مثل الممغنطين ، ومنهم من لم ينتبه وواصل لعب الغولف بشغف متحدثا وهو يرتشف شرابا منعشا أو كأس شاي بالنعناع. هنا حدث مشهد طريف. أحد الشخصيات الأجنبية تقول بعض الروايات أنه سفير دولة أجنبية بدأ يلوح بعصا الغولف راقصا في مشهد شبيه برقصة العصايا الشهيرة، اعتقادا منه أن الأمر يتعلق باستعراض عسكري داخل القصر للاحتفال بعيد ميلاد الملك. قائد الانقلاب يجهل عنوان مقر الإذاعة التي يريد الاستيلاء عليها الجميع كان يعرف موقع الإذاعة والتلفزيون باستثناء المتآمر رقم (2). صدقوا أو لا تصدقوا، لكنه الواقع. فعندما تقدم اعبابو قافلة الجند وتوجه وسط المدينة للاستيلاء على إدارة الأمن الوطني ، كانت تلك هي نيته الأولى، لكنه غير رأيه في منتصف الطريق. لما وصل قبالة مسجد :السنة" انعطف يسارا وسار في شارع مولاي الحسن ثم توقف أمام بناية رسمية. نزل وكان على وشك إعطاء أوامر بنزول الآخرين غير أن "لاجودان شاف" عمر رجائي الملقب "بالكزناي" المنحدر من قبيلة اعبابو نبهه إلى أن النيابة مغلقة قائلا: "مون كولونيل، إننا يوم سبت والبناية مغلقة". "أيها البليد ألا تدري بأن الإذاعة والتلفزة تشتغل باستمرار وكل يوم؟". رد مخاطبا مندهشا: "لكن مون كولونيل هاذي ماشي الإذاعة هذا لوفيص ديال الفوسفاط أما الإذاعة فهي في الجهة الأخرى على بعد 300 متر". أجاب اعبابو: "غريب معذرة على هذا الخطأ الفادح دلني على الطريق الصحيح". صاحب "السوالف" الذين أثاروا غيظ الانقلابيين كان مشهدا مثيرا للضحك حين اتجه الطلبة العسكريون إلى صفوف ضيوف الملك يسألون عن أصحاب "السوالف والقجوج" وكان المقصود بهم أصحاب الشعور المسدولة على الأكتاف كان المقصود بهذا الكلام مع الفاسيون الذين كانوا يسيطرون على أجهزة ودواليب الدولة والحكم. القتل بالغمزة عديدون من بين المدعوين كانوا يطلبون من اعبابو أن يحميهم من عدوانية الطلبة الضباط وكان يجيبهم بابتسامة أو هزة من رأسه وتحدث أحد الشهود عن حركة طريفة ظلت تلازم اعبابو وهي غمز جنوده على مواصلة ساديتهم في كل مرة يمر من أمامهم ويكرر حركته المضحكة لقتل أحد ضيوف الملك الراحل هذا هو اللي سميتو "القتل بالغمزة". الناس كايستغربو :واش في الصخيرات وزنازن تزممارت مايضحك؟ في العاشر من يوليوز 1971 وجد أحمد المرزوقي الضابط المغربي السابق نفسه مع كافة منتسبي مدرسة أهرمومو متورطا في محاولة انقلابية كان يقودها قائد المدرسة آنذاك الكولونيل امحمد اعبابو ضد الملك الحسن الثاني، وقد عرفت هذه المحاولة تاريخيا باسم محاولة انقلاب الصخيرات، وبعد فشل المحاولة ومقتل كثير من المشاركين فيها حوكم المرزوقي عسكريا من الناجين من زملائه قضى عشرين عاما بالسجن حيث رحل بعد عامين مع كثير من زملائه من السجن العسكري إلى معتقل تزممارت الرهيب ليقضي في غياهبه 18 عاما. قبل أن يفرج عنه في 15 أكتوبر 1991. ■ خلال مشاركتك في برنامج "شاهد على العصر" الذي بثته قناة الجزيرة القطرية قبل حوالي سنتين انتبه المشاهد المغربي إلى روح النكتة والمرح التي طبعت جل حلقات البرنامج. واثارت نظر العديد من المتتبعين تلك المشاهد الطريفة التي رويتها عن محاولة الانقلاب الفاشلة الأولى 10 يوليوز 1971، كيف ينبت الفرح من وسط الحزن والألم؟ ■ روى محمد عوض وهو أحد الكتاب المصريين العديد من الطرائف في كتابه "عاش الملك". الغريب في واقعة الصخيرات هو ما تسمونه وجهها الآخر، فرغم فجاعة الموقف والدماء التي سالت، وخطورة القرار الذي أقدم عليه الكولونيل اعبابو ومعاونوه كانت هناك مشاهد طريفة لا يمكن أن ينساها المرء منا. ■ مثل ماذا؟ هل تتذكر بعضا من هذه الطرائف؟ ■ في طريقنا إلى قصر الصخيرات وكنا نعتقد بأننا بصدد القيام بمناورة عسكرية في غابة بنسليمان مرت من أمامنا حافلات تابعة لفريق المغرب الفاسي لكرة القدم، والذي كان يضم لاعبين كبار من طينة الهزاز جنان الزهراوي والتازي... يلعبون أيضا في المنتخب الوطني، كنت من الشغوفين بمتابعة مباريات كرة القدم، وحدث أن تبادل الضباط واللاعبون التحية والسلام فيما بينهم. كانت المناسبة نصف نهاية كأس العرش، وكان الفريق المنافس هو المغرب الرباطي، ونظرا لدراستي بمدارس فاس، وبفعل اهتماماتي الكروية، فقد كنت معجبا بفريق المغرب الفاسي. أسبوعا بعد هذه الواقعة، وجدت نفسي في إدارة الأمن كسائر الزملاء المتورطين في المحاولة الانقلابية الأولى، مثل الدجاج المربوط الذي ينتظر دبحه. وعندما أزيل المعصم من عيني، وجدت أمامي عميد شرطة يجلس في مكتبه ويتصفح الصفحة الرياضية لإحدى الصحف الوطنية. ناديته فترك الصحيفة وأتى إلي معتقدا أني سأفشي له سرا عسكريا خطيرا، فقلت له: شحال دارو؟ قالي لي مستغربا: شكون هوما؟قلت له: آش دارو المغرب الفاسي مع المغرب الرباطي؟ فقال لي: كيفاش؟ انت فهاذ الحالة وكاتسول على الكرة. أخذني من مكتبه إلى مكتب آخر وجاب ليا براد ديال أتاي. وقال لي : راه عطيناهم ثلاثة البيوتا ودكيناهم. عرفت أنها لصالح المغرب الرباطي، فتكمشت. قال لي الضابط مستغربا: حياتك متأرجحة بين الحياة والموت وكاتسول على نتائج مباريات كرة القدم؟ عموما الكرة صاحباتنا وكثيرا ما كان يعطف علي بالأكل والمشروبات الخاصة. ■ خلال تواجدكم بمعتقل تزممارت الرهيب هل كنتم تتداولون بعض هذه الطرائف بينكم كسجناء؟ ■ كنا دايرين نكنة ورا نكتة وحياة المرح والضحك عموما تلعب دورا كبيرا في حياة الإنسان، وهناك حديث شريف يقول :"روحوا على أنفسكم ساعة، فإن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد. كانت عندنا نظرة كاريكاتورية للحياة كما نعيش مسرحية "فنتازية" وإن كانت مؤلمة ف"الشيء إذا تجاوز حده انقلب إلى ضده" كما يقولون وقد شعرنا بتفاهة الحياة وضربنا بكل شيء عرض الحائط هذا ربما ما كان يبرر سلوكنا. تخيل أننا في ليلة محاولة الانقلاب الفاشلة، كنت أساعد زميلا لي بمدرسة أهرمومو العسكرية لإعداد لائحة المدعوين إلى حضور عرسه المقرر تنظيمه يوما واحدا بعد "المناورة المزعومة" فإذا بنا نفتح أعيننا في اليوم الموالي على ظلام زنازن الاعتقال والسجون. لم نستوعب التي مرت بها الأحداث، ووجدنا أنفسنا متورطين في تهم مهولة من الصعب أن يتقبلها الإنسان في حياته، لكن الأغلبية الساحقة انسجمت مع الظروف الجديدة والمقدرة لها، ولعب الإيمان دورا كبيرا لنظل متماسكين وهنا أعود بكم إلى الموضوع وهو لولا ذلك الجو المرح وطابع النكتة لكنا في عداد الموتى. ■ هل تعتقد أن الكتابات التاريخية أنصفت الجانب المضحك الذي تحدثنا عنه من سيرة يوم الانقلاب؟ ■ لازال أمامنا الكثير لينتبه إليه المؤرخون والباحثون في هذا الشأن وشخصيا حاولت في كتابي "تزممارت: الزنزانة رقم 10" أن أضفي قدر ما استطعت جوا مرحا على هذه المذكرات. هناك أشياء كثيرة مرت بهذا اليوم ، لكن للأسف، لم يجر تدوينها هناك العجائب والغرائب. أحد المشاركين في المحاولة الانقلابية بالصخيرات طرائف محاكمة الانقلابيين لم تنته طرائف يوم محاولة الانقلاب على الملك الحسن الثاني باستسلام الجنود ومقتل امحمد اعبابو قائد الانقلاب، وإنما استمرت حتى أثناء محاكمة الطلبة العسكريين المتورطين في قضية قصر الصخيرات 1971 وقد شهدت أيام محاكمات تلامذة أهرمومو الكثير من الطرائف لا تقل أهمية عن تلك التي وقعت يوم الحادث المشؤوم بالرغم من السيناريو التراجيدي للمجزرة التي راح ضحيتها حوالي ثمانين شخصا. القبطان بندورو والكوكاكولا الباردة مع مطلع شهر يناير 1972 أخبر الجنود بافتتاح محاكمتهم وتمت مطالبتهم إطلاع عائلاتهم للبحث عن محامين للدفاع عنهم. يوم 31 يناير الساعة التاسعة صباحا، بدأت محاكمة المشاركين في انقلاب الصخيرات بالقنيطرة من طرف محكمة العدل الخاصة برئاسة عبد النبي بوعشرين وعضوية كل من الجنرال الحاج عبد السلام و"الكولونيلين" نعيمي والفاسي الفهري و"الليوتنان كولونيل" بلميلودي بعد قراءة صك الاتهام والتعرف على هوية المتهمين شرعت المحكمة في الاستماع إلى المتهمين الذين تعاقبوا على قفص الاتهام للإجابة على أسئلة رئيس المحكمة. كان أول من مثل أمامها هو "الكولونيل" محمد اعبابو، وقد نفي كل المنسوب إليه وصرح بأنه أمضى الوقت كله في محاولة ثني أخيه امحمد وإقناعه بالتخلي عن مشروعه الجهنمي ومن جهته ،(وهنا ستهتز قاعة المحكمة ضحكا) صرح بندورو القبطان السابق في الدرك الملكي بأنه لم يكتشف الحقيقة إلا بعد وصوله إلى الرباط ولما سأله رئيس المحكمة عن أول رد فعل له بعد اكتشاف الخدعة أجاب بسماحة لا تصدق :"مشيت لأول محل وشربت كوكا كولا بادرة"، فاهتزت القاعة ضحكا ومعها المدعي العام الصارم. "العود" و"ساما جيسطي" في قاعة المحكمة صرح التلاميذ ضباط الصف بأنهم مجرد منفذين وجوابا على أحد أسئلة رئيس المحكمة كان متعلقا بمعرفة ما إذا كانوا شاهدوا جثثا وموتى، أجاب العديد من الطلبة بأنهم رأوا "العود" ممددا على العشب فما كان منه إلا أن أرغى وأزبد لهذا الجواب المتكرر وصاح :"باركا ما تكولوا العود العود، هل كان الضحية الوحيدة؟ كتكلموا على الحيوان وتنساو بنادم"، قيل له بأن "العود" هو أحد التلامذة الضباط وليس "الحصان" فافتر ثغره عن ابتسامة دالة على هذا الخلط كما صرح مزيك الذي كان يجهل القراءة والكتابة ،بأنه سمع الحوار الذي دار بين المارشال مزيان والكولونيل اعبابو ،وأنه للأسف لم يحتفظ سوى بكلمة واحدة من الحوار الذي دار بالفرنسية وأن هذه الكلمة هي "ساماجسطي" فانفجر الحاضرون ضاحكين. قصة الجندي الذي اعترف أنه دخل الجيش من أجل "الحريرة والكاميلا" أثناء محاكمة المتورطين في المحاولة الانقلابية جاء دور جندي يدعى خرخاش الذي حول المحكمة إلى قاعة عرض ضحكت منه المحكمة والدركيون والمتهمون وهم يستمعون إلى شهادة هذا الجندي الذي شارك في الحرب العالمية الثانية والحرب الهند الصينية.بدأ حديثه بالقول إنه لم يدخل الجيش سوى من أجل "الحريرة والكاميلا" وأنهم علموه كيف يواجه مواجهة مباشرة في القتال ولم يلقنوه البتة كيف يقيم انقلابا عسكريا وجوابا على سؤال موجة من المدعي العام، قال:"إن اعبابو كان يرسلني لأجمع "الماتريال" ديال الدولة ونجيبو للمدرسة باش نبنيو لأن كل شيء ديال الدولة واعبابو كيخدم الدولة". السرجان الذي أنقذته القدرة الإلهية خلال محاكمة المتهمين يحضر تفصيل في غاية الغرابة لا بد أنه كان ذا أهمية وقتها، إذ أثناء المحاكمة استدعى السارجان أولعربي إلى قفص الاتهام وسأله رئيس المحكمة :"فين المحامي ديالك"، فأجابه السرجان بما يشبه الثقة :"الله وحدو هو المحامي ديالي". أعاد القاضي نفس السؤال على أولعربي لكن في كل مرة كان يرد عليه بنفس الجواب. قال القاضي :"الله محامينا جميعا، لكن من عينت ليكون محاميك؟". أجاب أولعربي :"الله هو محامي". والغريب أن السارجان بلعربي برأته المحكمة. هل هو خذأ قضائي؟ سهو؟ إهمال؟. تقول بعض الروايات أن خطأ قضائيا كان وراء وضع ملف سرجان آخر مكان ملف أولعربي هكذا نجا أولعربي بمعجزة، رغم أن كل زملائه أيدينوا بثمانية عشر شهرا نافذا وسرحوا من القوات المسلحة الملكية. كان الرجل متدينا ومحبوبا من طرف الجميع. جثة أحد أعوان القصر هامدة واضراسها تعض على قطعة لحم مشوي طلب أحد الجنود من مستشار الملك الراحل عبد الهادي بوطالب أن ينبطح على الأرض كباقي الضيوف رافعين أدرعهم إلى السماء لم تكن الأرض تتسع للانبطاح فوقها. فعلوهم الجنود فوق ظهور بعضهم البعض، وهكذا وجد يوطالب نفسه فوق ظهر عبد اللطيف الفيلالي الذي كان بدوره يعلو ظهر محمد الشرقاوي صهر الملك الراحل والطريف في الأمر أن بوطالب كان خلال هذه اللحظات ينقل الأخبار بهمس إلى "جيرانه". وبينما "الوضع على ما هو عليه التقطت أعينه جثة "مخزني" من أعوان القصر هامدة مطروحة على الأرض وأضراسها تعض على قطعة لحم مشوي لم يتمكن من ابتلاعها وعيناه جاحظتان. حارس الملك الذي اختبأ في برميل للنفايات عميد الشرطة بودريس الذي كان من المكلفين بالأمن الشخصي للملك لجأ إلى برميل للنفايات بعد أن أطلق على إحدى قدميه رصاصة من مسدسه الشخصي، وحينما حاول الناس إخراجه عقب انتهاء هبوب "العاصفة" ، وجدوا عناء كبيرا بفعل ما كان عليه الرجل من بدانة مفرطة . وجاء من الخدم من سيشهد طواعية بأنه هو من أطلق النار على نفسه وذلك تفاديا للإحراج مادام قد خاف وفضل الاختباء عوض القيام بمهمته. فرحة الحسن الثاني ب" لانكوست" التي لم تكتمل لحظات قبل سماع دوي الرصاص وحده الملك الحسن الثاني كان جالسا إلى مائدة الأكل بصدد تذوق "لانكوست" ضخمة اختيرت بعناية كبيرة من طرف أحد اليهود القائمين على تحضير الأطباق الرفيعة ذلك اليوم كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية و8دقائق زوالا، حسب أكثر من شاهد عيان، من قلب أنغام قطعة موسيقية صامتة كانت تعم الأجواء دوت طلقات الرصاص وانفجارات قنابل يدوية. توقفت الفرقة الموسيقية عن العزف ، سقط فرنسي وتهاوى سفير بلجيكا على الأرض جثة هامدة وتناثرت القنابل في مختلف أرجاء الفضاءات الخارجية لقصر الصخيرات جثث "لي كادي" (مساعدو لاعبي الغولف المكلفين بلوازم اللعبة) منتشرة على البساط الأخضر هنا وهناك ومئات الضيوف هرعوا مذعورين فوق الرمال الذهبية مولين ظهورهم إلى شاطئ المحيط الأطلسي الذي كان هادئا ذلك اليوم. وحسب بعض الروايات، فقد كان الحسن الثاني كثيرا ما يردد في جلساته الخاصة ساخرا :"من بعد الشهداء ما بقا فيا غير ذاك لانكوست؟". محمد عبد الوهاب يكثر من الصلاة للهروب من دعوة شادية كان الرهائن داخل الإذاعة يخضعون للحراسة المشددة وكان من بينهم المطرب المصري الكبير عبد الحليم حافظ واقفا ورافعا ذراعيه وقد نال منه العياء وأنهكه الرعب حاول أن يعرف بنفسه لدى الضباط المكلفين بالحراسة لكنهم يجهلون من يكون. كان جل طلبة مدرسة اهرمومو من البادية وماعندهومش مع التلفزة. كان حضور عبد الحليم حافظ الذي ربطته علاقة قوية بالملك الراحل بغاية تسجيل أغنية وظل معتقلا بإحدى قاعات التسجيل. وبفندق الهلتون حيث كان يجتمع محمد عبد الوهاب وشادية وفريد الأطرش واحد الدبلوماسيين المصريين اقترحت الممثلة المصرية شادية أن تذهب إلى الإذاعة للوقوف إلى جانب عبد الحليم وإطلاق سراحه من هنا حدث مشهد مثير للضحك لاحظ الجميع أن محمد عبد الوهاب أخذ سجادته وانصرف إلى الصلاة دون توقف. فهم الجميع رسالة عبد الوهاب، فخرجت شادية ومعها الدبلوماسي المصري في رحلة البحث عن زميلهما. بغلة المقابر التي تنبأت بمصير اعبابو وفشل مخططه الانقلابي قبل شهر من انقلاب الصخيرات وقع طارئ غريب فقد أيقظ اعبابو الحارس الليلي ومساعداه وأخبروه أنهم رأوا "بغلة المقابر" (البلغة السرسارة وهي أسطورة مغربية) تدخل بيته. وقد أكدوا له بأنهم شاهدوها تجر سلسلة طويلة مشدودة إلى قائمتها الأخيرة. انفجر اعبابو ضاحكا وسألهم :"هل كانت بيضاء أم سوداء؟" أجابه الرعوبون الثلاثة بأنها بيضاء فقال لهم :" لا يهم في المرة القادمة أعقلوها في الإسطبل لنقل المؤونة أيها الأغبياء لا يوجد شياطين أو جن إن شيطانكم هو أنا". والطريف هو أنه في اليوم الذي سبق مساء 10 يوليوز 1971 وهو يوم محاولة الانقلاب الفاشلة مرت جنازة أمام الثكنة في صفرو، شفتو الفال؟ عبد السلام عامر الكفيف الذي تلا بيان الانقلابيين استغرب العديد كيف يولي انقلابيون أمرهم إلى كفيف؟ بل إن "البيان نفسه لم يكتب وتم إلقاؤه اعتمادا على السمع". فعندما انتقل الطلبة الضباط إلى مقر الإذاعة بالرباط كان هناك مغنيون وموسيقيون وملحنون ومذيعات ومذيعون.. بعد نظرة خاطفة لاحظ اعبابو وجود ملحن مغربي شهير، جالسا فوق كرسي بستمع ويتابع الأحداث دون أن يراها نظرا لأنه أعمى، أمر باقتياده إلى استوديو البث ووضعه أمام الميكروفون ثم طلب منه بصوت مسموع :" أسي عبد السلام بغيتك تعاود معاي حرفيا الشي اللي غادي نكولك ودير حتى أنت شي بركة"، توقفت الموسيقى العسكرية وبدأ الملحن البصير في ترديد الإعلان الذي لم يكتب ولا نشر :"لقد طلعت شمس جديدة وتخلصنا من الملكية، مرحى بالجمهورية السلطة الآن في يد الجيش ...إلخ". شر البلية ما يضحك! ■ باعتباركم أحد الباحثين الذين جالسوا عددا من المشاركين في المحاولة الانقلابية الأولى ضد الملك الراحل الحسن الثاني، وألفتم مجموعة من الأبحاث حول الموضوع، هل تتذكرون بعض الوقائع الطريفة التي حدثت أثناء مداهمة جنود الكولونيل اعبابو للقصر وبعده؟ ■ أذكر أن سفيرا لإحدى دول أمريكا اللاتينية عندما سمع دوي الرصاص اختبأ في برنيل نفايات بلاستيكي تخيلوا هل يمنع هذا البرميل من دخول وخروج الرصاص الخارق؟ وهناك أحد الجنود اعترف أنه جاء لإعادة بعض الممتلكات الموجودة بالقصر إلى الدولة، لأن الكولونيل اعبابو كان يفهم جنوده أن كل ما هو خارج مدرسة أهرمومو تعود ملكيته للدولة ،"وحلال فيه السرقة". ■ هل تتذكرون بعض الطرائف الأخرى؟ ■ يحكي مستشار الملك الراحل عبد الهادي بوطالب، كيف كان في وضع مضحك بعد أن أجبر أثناء مداهمة جنود اعبابو قصر الصخيرات على الانبطاح على ظهر الوزير السابق عبد اللطيف الفيلالي وكان تحت ظهر الفيلالي محمد الشرقاوي صهر الملك وكان بوطالب باعتبار موضعه ينقل إليهم الوقائع أولا بأول بصوت خافت. ■ ذكرتم بأنكم بصدد طبع كتاب حول واقعة الصخيرات، هل ضمنتم بعض الأحداث الطريفة في كتابكم الجديد؟ ■ هناك ثلاث صفحات في هذا الموضوع. ■ هل هو العنوان الذي أفردتم لهذا الفصل؟ ■ اخترت عنوان "شر البلية ما يضحك" ■ ما هو الدافع وراء إفرادكم لهذا الفصل؟ ■ ما يهمني كباحث في هذا الصدد هو إثارة انتباه القارئ إلى الجو السياسي والدستوري الذي أفرز المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين. وقد اعتبرت فصل "شر البلية ما يضحك" فصلا ثانويا وضمنته مستملحات خفيفة الظل لوضع القارئ في الصورة الحقيقية للانقلاب، والتي تؤكد أن الجنود لم يكونوا على علم بما يقع وخلفياته الأساسية اللهم إذا استثنينا سبعة أو ثمانية أفراد هم المتورطون الحقيقيون في هذا الانقلاب الفاشل. باحث في تاريخ المقاومة وجيش التحرير وسنوات الرصاص حكاية النياشين عندما ظهر الملك انتقل مباشرة إلى العمل الميداني وبدأ بتوزيع الأدوار لكسر شوكة الانقلاب، وسبق أن شرع في إصدار أوامره إلى من كانوا معه في مكانه المجهول. وصل مظليو الرباط أخبرهم "السوليوتنان" بينبين الذي غادر القصر على متن "فياط 600" إلى الصخيرات ووضعوا الضباط الثمانية والأربعين الذين كانوا هناك خارج دائرة العمليات بعد أن جردوهم من السلاح وقيدوهم وبعد أن كانت "بركة" الملك قد حولتهم إلى أناس خاضعين ومستسلمين عقب قراءته الفاتحة. تقدم "اللوتنان" عبد السلام "س" في الحال وقدم تقريره إلى الملك عن إنهاء حركة الضباط ، هنا حدث مشهد طريف يفيدنا شاهد عيان "فعندما عينه الملك في الحال قبطانا. وبما أنه لم يجد النياشين الثلاثة المطلوبة لرتبته الجديدة فقد نزع نيشن الكتف الأيسر ووضعه على الكتف الأيمن.