سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الستوكي: الجرائد المغربية بقيت تنتظر من سيخرج منتصرا من «انقلاب» 1971 قال إن «لاديبيش» هي الجريدة الوحيدة التي صدرت غداة المحاولة الانقلابية ووزعت بالمجان
منذ أن أسس سنة 1959، عندما كان تلميذا في مراكش، مجلة «مرآة»، وهو «ينط»، مثل والده لاعب السيرك، ببراعة من جريدة للشيوعيين إلى أخرى لليبراليين، واضعا أقلامه وأفكاره رهن إشارة مهنة المتاعب. فوق كرسي الاعتراف، سيحكي قيدوم الصحافيين المغاربة عن تجربته في الحزب الشيوعي، وعن مرحلة دراسته في موسكو، ثم عودته إلى المغرب، وكيف جمع، في نفس الفترة تقريبا، وبانسجام، بين التعاون مع مجلة «أنفاس»، التي أغلقت واعتقل ناشرها بتهم ثقيلة، وبين العمل في وكالة شبه رسمية هي «وكالة المغرب العربي للأنباء». مع عبد الله الستوكي سنتعرف على تاريخ الصحافة المغربية، ما بعد الاستقلال، عبر الوقوف عدد من المنابر التي اشتغل فيها أو تفاعل معها. ومن خلال ذلك سنتعرف على كواليس السياسة والسياسيين في هذه المرحلة الاستثنائية من تاريخ المغرب. على كرس الاعتراف سيحكي الستوكي عن تجربته في تأسيس صحافة «الأحزاب الإدارية»: «الميثاق» و«المغرب»، ثم لاحقا «رسالة الأمة»، مضيئا مجموعة من التفاصيل التي ظلت معتمة، بحكم طبيعة تأسيس هذه الأحزاب والجرائد، التي كانت تنطق باسمها. كما سيتحدث الستوكي عن تجاربه الإعلامية الدولية، ويكشف عن وجه المثقف الذي ظل متواريا خلف صفة الصحافي حامل الخبر. - اِحك لنا عن انطلاق جريدة «La Dépêche» التي أرادها الحسن الثاني، في 1970، أن تكون بديلا عن جريدة «Le Petit Marocain» لصاحبها الفرنسي بيير ماص، والتي كنتَ قد شغلتَ فيها منصب رئيس التحرير.. في بداية تأسيس «La Dépêche»، أراد مدير الجريدة، المهدي بنونة، أن تكون مطابع «مجموعة ماص» هي من تتولى طبعها؛ لكن صاحبها، بيير ماص، رفض ذلك رفضا تاما، لأنه كان يعرف أنه هو المستهدف بتأسيس هذه الجريدة الجديدة. حينها، لم تبق أمامنا سوى مطبعة «أمبري جيما»، التابعة للاتحاد المغربي للشغل، والتي لم يكن بإمكانها طبع جريدة يتجاوز عدد صفحاتها الست؛ لذلك كنا مضطرين إلى إخضاع الجريدة لهذا الشرط التقني. - كانت «La Dépêche» جريدة رسمية؛ كيف كانت علاقتكم بمراكز القرار السياسي في الدولة؟ الجريدة كانت شبه رسمية، وكنا نشتغل داخلها بشكل عادي. حينها كانت هناك وكالتان للأنباء هما: «لاماب» و»فرانس بريس».. - أنا أقصد الخط التحريري التي اعتمدتموه في «La Dépêche» لمواجهة أحزاب وصحافة المعارضة، وأساسا الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وجريدتيه؟ لم يكن هذا الأمر يحصل دائما، فالجريدة كانت تعبر عن رأي القصر الملكي، أولا، والحكومة، ثانيا، بدون أن يكون لنا أي محاور، إن داخل القصر أو داخل الحكومة. - من الوارد جدا أن يكون القصر والحكومة قد دأبا على محاورة وتوجيه مدير الجريدة، المهدي بنونة؟ لا أظن و»شغلو هذاك». أما الصحافيون، ومعهم أنا، فقد كانوا يأملون أن تكون «La Dépêche» مؤشرا على تغيير الأمور في المغرب، على الأقل على مستوى الصحافة؛ لكن هذه الجريدة لم تعمر طويلا، ففي نونبر 1971 تم إخبارنا بأننا لن نعوض جريدة «Le Petit Marocain». - بعد حوالي سنة على صدور الجريدة، ستحدث المحاولة الانقلابية التي استهدفت الحسن الثاني في يوليوز 1971. كيف عشت إعلاميا هذا الحدث الأول من نوعه في تاريخ المغرب المستقل؟ المحاولة الانقلابية صادفت وجودي في المطبعة، وقد كانت «La Dépêche» هي الجريدة الوحيدة التي صدرت في اليوم الموالي ليوم الانقلاب، بعد أن احتجبت كل من «العلم» و»الأنباء» و«لافيجي». - هل كانت هذه الجرائد تنتظر من سيحسم «المعركة» لصالحه، القصر أم الجيش، لتردد: «الله ينصر من أصبح»؟ هذا بالضبط هو سر احتجاب تلك الصحف عن الصدور. فيما قررنا نحن إصدار العدد باتفاق تام بين الصحافيين والمطبعيين. - هل كان المهدي بنونة حاضرا معكم؟ لا. - أنت الذي تحملت مسؤولية إصدار العدد وتضمينه موقفا ضد الانقلاب؟ نعم. - هل طبعتم العدد قبل أن يظهر سافرا فشلُ المحاولة الانقلابية؟ كانت الغيوم قد بدأت تنجلي، وأخذ يتضح أن المحاولة الانقلابية ماضية باتجاه الفشل. - عندما كنتَ أنت داخل المطبعة علمت بنبإ محاولة الانقلاب؛ اِحك لنا كيف تفاعلت مع الحدث، وكيف تم تغيير المواد الرئيسية بأخرى تغطي المحاولة الانقلابية ونتائجها؟ اتصل بي المهدي بنونة وعبد الجليل فنجيرو وطلبا مني الاستماع إلى ما يبث على أمواج الإذاعة؛ فسمعت في البداية أن «الجيش قام بثورة لصالح الشعب» وما إلى ذلك، ثم تابعت الاستماع عبر الأثير إلى تطورات ما يجري، إلى أن خرج المتآمرون من مقر الإذاعة والتلفزة. لكن الجريدة حينها كانت جاهزة وماثلة للطبع. - بعد أن غيرتم موادها الرئيسية بأخرى تعبر عن فشل الانقلاب وما إلى ذلك؟ نعم. - عندما اتصل بك المهدي بنونة وعبد الجليل فنجيرو من داخل القصر الملكي، هل كانا بدورهما يشكان في إمكانية فشل الانقلاب؟ طبعا نعم؛ فعندما سمعنا الملحن الراحل عبد السلام عامر يتلو بيان «الثورة»، ظننا جميعنا أن الأمر قد حسم لصالح الانقلابين. - كيف وزعتم الجريدة؟ وزعناها بالمجان في أزقة الدارالبيضاء، حيث عمد الصحافيون والمطبعيون إلى توزيع الجريدة بأنفسهم، وعندما جاء أصحاب شركة التوزيع «شوسبريس» لحمل الجريدة في صباح اليوم الموالي، وجدوا أنه قد تم توزيعها بالكامل. وقد طبعنا من ذلك العدد حوالي ضعفي الأعداد التي كنا نطبعها عادة. - كيف تم إيقاف «La Dépêche» في نونبر 1971؟ في ذلك الوقت قيل لنا إن احمد بنكيران سيشرف على إدارة «Le Petit Marocain» التي أصبح اسمها «le Matin»، ومولاي احمد العلوي سيتحمل مسؤولية ب «La vigie»التي تحولت إلى «Maroc soir». - يعني أن الدور الذي جاءت «La Dépêche» لتلعبه لم يعد ممكنا بعد الاتفاق مع بيير ماص على رفع يديه عن الجريدتين اللتين كانتا في ملكيته. تماما. - بعد إقفال «La Dépêche» بقيتَ بدون عمل، اللهم ما كان من تعاونك مع مجلة «لاماليف».. (يضحك) بعد استلامنا لتعويضنا عن إقفال «La Dépêche» والذي كان شبيها بالتعويض عن طرد تعسفي، سافرت أنا والزميل الصديق الصحافي عمر هاري إلى إسبانيا «تبرعنا مع راسنا». - ثم عدت لتجد نفسك بدون عمل.. «ما خدامش». - في 1972 ستصبح أستاذا لتاريخ الفن بمدرسة الفنون الجميلة بالدارالبيضاء.. من الصحافة إلى الفن «كي درتي ليها»؟ أصبحت أستاذا بطلب من الفنان التشكيلي فريد بلكاهية الذي كان حينها مديرا لمدرسة الفنون الجميلة بالدارالبيضاء. - هل سبق لك أن درست تاريخ الفن التشكيلي؟ اهتمامي بدراسة تاريخ الفن ومذاهبه واتجاهاته أمر رافقني منذ مراهقتي. وحينها كان أحد أساتذة تاريخ الفن، وهو هولندي الجنسية، قد غادر فطلب مني بلكاهية تعويضه. وقد كانت تلك مرحلة مهمة في حياتي، تميزت بالعمل الدؤوب على الفن التشكيلي المغربي الفتي.. (يضحك) المهم أن كل من درستهم من الطلبة أو درست معهم من الأساتذة يؤكدون أنني لم أكن أستاذا رديئا.