منذ أن أسس سنة 1959، عندما كان تلميذا في مراكش، مجلة «مرآة»، وهو «ينط»، مثل والده لاعب السيرك، ببراعة من جريدة للشيوعيين إلى أخرى لليبراليين، واضعا أقلامه وأفكاره رهن إشارة مهنة المتاعب. فوق كرسي الاعتراف، سيحكي قيدوم الصحافيين المغاربة عن تجربته في الحزب الشيوعي، وعن مرحلة دراسته في موسكو، ثم عودته إلى المغرب، وكيف جمع، في نفس الفترة تقريبا، وبانسجام، بين التعاون مع مجلة «أنفاس»، التي أغلقت واعتقل ناشرها بتهم ثقيلة، وبين العمل في وكالة شبه رسمية هي «وكالة المغرب العربي للأنباء». مع عبد الله الستوكي سنتعرف على تاريخ الصحافة المغربية، ما بعد الاستقلال، عبر الوقوف عدد من المنابر التي اشتغل فيها أو تفاعل معها. ومن خلال ذلك سنتعرف على كواليس السياسة والسياسيين في هذه المرحلة الاستثنائية من تاريخ المغرب. على كرس الاعتراف سيحكي الستوكي عن تجربته في تأسيس صحافة «الأحزاب الإدارية»: «الميثاق» و«المغرب»، ثم لاحقا «رسالة الأمة»، مضيئا مجموعة من التفاصيل التي ظلت معتمة، بحكم طبيعة تأسيس هذه الأحزاب والجرائد، التي كانت تنطق باسمها. كما سيتحدث الستوكي عن تجاربه الإعلامية الدولية، ويكشف عن وجه المثقف الذي ظل متواريا خلف صفة الصحافي حامل الخبر. - عندما التحقت بوكالة المغرب العربي للأنباء «لاماب» في 1965، كيف وجدتها تقرر في صلاحية مادة صحافية ما، للنشر والتوزيع، من عدمها؟ لم يكن أي شيء ينشر إلا بعد تأشير رئيس التحرير الإسباني جوزي روندام عليه، وهي المهمة التي تولاها لاحقا رئيس التحرير المنتدب عبد الجليل فنجيرو الذي قدم إلى الوكالة من القوات الجوية. - في أي سياق التحق فنجيرو ب»لاماب»؟ كان قد أنهى عقدته مع الجيش وطلب العمل في «لاماب». - ما هي الأسماء السياسية التي كنتم تضعونها في «لائحة سوداء»، وكان الحديث عنها ممنوعا في»لاماب»؟ بصفة عامة، كان ممنوعا عليا نشر أي خبر عن الأحزاب والنقابات المغربية. - بما في ذلك الحركة الشعبية؟ نعم، باستثناء أعضاء الحركة الشعبية الذين كانوا وزراء في الحكومة. - في سنة 1966، وبينما أنت تزاول وظيفتك في «لاماب» بدأت تكتب، بالموازاة، في مجلة «أنفاس» المقربة من منظمة «إلى الأمام» الماركسية اللينينية، والتي كانت تعمل تحت غطاء السرية؛ ألم تكن تجد أي تناقض في ذلك؟ أولا، لا أحد كان يمنع علينا الاشتغال في منابر أخرى، على قلتها؛ فحينها كانت صحافة «ماص» (نسبة إلى رجل الأعمال الفرنسي بيير ماص الذي أصدر عدة جرائد في المغرب ابتداء من سنة 1908)، فقد كان مدير «لاماب» المهدي بنونة إنسانا ليبراليا متفتحا، وبالتالي فإنه لم يكن يمنع الصحافيين من التعبير عن مواقفهم والكتابة في المنابر الصحفية التي يختارونها. - ما هي الخدمات التي كنت تقدمها إلى حزبك «التحرر والاشتراكية» (الحزب الشيوعي) من موقعك في «لاماب»؟ عندما اشتغلت في «لاماب» سنة 1965 أخذت مسافة معقولة من الحزب الشيوعي، على أساس أن هناك نوعا من التناقض بين الاشتغال في وكالة تعتبر تابعة للحكم، والانتماء في نفس الوقت إلى حزب يساري معارض، بالرغم من أن بعض المناضلين الشيوعيين كانوا يشتغلون في مواقع التماس مع السلطة، مثل جوزيف ليفي الذي كان يجمع بين كونه إطارا في وزارة الداخلية وقياديا في الحزب الشيوعي. - هل كان الابتعاد عن الحزب الشيوعي محض اختيار منك أنت أم بضغط من قيادة الحزب التي رأت أن هناك نوعا من التنافي بين منصبك وانتمائك السياسي؟ كان هناك من الرفاق من قال إن عبد الله الستوكي مناضل مهم داخل الحزب، لكن اشتغاله في «لاماب» لا معنى له.. - ماذا كان موقعك داخل الحزب حينها؟ كنت عضو اللجنة المركزية. وعندما قررت أخذ مسافة من الحزب، حافظت على علاقة طيبة ببعض الرفاق، أمثال علي يعته وعبد السلام بورقية وعزيز بلال وغيرهم.. - لقد ابتعدت عن الحزب الشيوعي، لكنك ذهبت للتعاون مع الجناح الراديكالي داخله عندما أخذت تكتب في مجلة «أنفاس» التي كان مديرها هو عبد اللطيف اللعبي، أحد أعضاء منظمة إلى الأمام والذي سيعتقل بعد ذلك رفقة أبراهام السرفاتي وآخرين؛ كيف تفسر ذلك؟ يجب أن تعلم بأنني عندما بدأت التعاون مع «أنفاس» لم يكن عبد اللطيف اللعبي عضوا في الحزب الشيوعي، ولا منتميا إلى منظمة «إلى الأمام». التحول الذي عرفته «أنفاس» سيتبلور لاحقا، وخصوصا مع العدد المزدوج الذي صدر في 1969 والذي خصص للثورة الفلسطينية. أما في بدايتها فقد كانت «أنفاس» تميل بالكاد إلى قليل من الإيديولوجية الماركسية بينما كانت تحفل بكثير من الإبداع الأدبي والشعري على الخصوص. - في «أنفاس» كنت تكتب في مجال الثقافة؟ لقد اتصلت بي المجلة عندما سلمتها مقالا عن الفنون الزنجية «Les arts négres»، بعدما حضرت المهرجان الدولي للفنون الزنجية المنظم سنة 1966 في داكار من طرف «Revue Présence Africaine» والجمعية الإفريقية للثقافة، تحت إشراف الرئيس الشاعر ليوبولد سيدار سانغور. وقد أوفدني المهدي بنونة مبعوثا خاصا إلى السينغال لتغطية هذا المهرجان، بعدما علم، عن طريق عبد الجليل فنجيرو، باهتماماتي الثقافية. وقد كانت تلك أول تظاهرة إفريقية كبيرة تنظم احتفاء بالفنون الإفريقية بالرغم من أن بلدانا إفريقية عدة لم تكن حينها قد نالت استقلالها. وكان المغرب قد بعث بوفدٍ كبير برئاسة الأمير مولاي عبد الله إلى السينغال للمشاركة في التظاهرة، وكان الوفد مكوَّنا من فرق موسيقية وفنانين تشكيليين... وبالموازاة مع مراسلاتي اليومية ل»لاماب» كتبت مقالا لفائدة مجلة «أنفاس». - تلقيت مقابلا عنه؟ لا. لم يحصل ذلك، لقد كتبت للمجلة بشكل تطوعي، بالإضافة إلى أن «اللعبي مكيعطيش» (يضحك). - بالموازاة مع صدور «أنفاس» في 1966، أسست زكية داوود، رفقة زوجها محمد لوغلام، مجلة «لاماليف»؛ كيف يمكنك المقارنة بين المجلتين الرائدتين حينها؟ أنفاس» لم يكن يسيرها صحافيون مهنيون، بل مجموعة من المثقفين والفنانين، أما «لاماليف» فكانت بالأساس مجلة للصحافيين المهنيين، وعلى رأسهم جاكلين لوغلام التي أطلقت على نفسها اسم زكية داوود.. «حتى هوما ماكانوش تيخلصو». - «الخلاص بالله يرحم الوالدين»؟ حتى «الله يرحم الوالدين» ينسون قولها أحيانا (يضحك). لقد كانت لجاكلين لوغلام، أو زكية داوود، طاقة غريبة في العمل، فحتى عندما كان يصيبها الأرق أحيانا كانت تنهض لمراجعة وتصحيح مواد المجلة، كما كانت تجمع بين إصدار المجلة ومراسلة «جون أفريك» وغيرها من الأعمال. لقد جعلت طاقة هذه المرأة في العمل المجلة تتسم بنوع من الرصانة والجدية.