منذ أن أسس سنة 1959، عندما كان تلميذا في مراكش، مجلة «مرآة»، وهو «ينط»، مثل والده لاعب السيرك، ببراعة من جريدة للشيوعيين إلى أخرى لليبراليين، واضعا أقلامه وأفكاره رهن إشارة مهنة المتاعب. فوق كرسي الاعتراف، سيحكي قيدوم الصحافيين المغاربة عن تجربته في الحزب الشيوعي، وعن مرحلة دراسته في موسكو، ثم عودته إلى المغرب، وكيف جمع، في نفس الفترة تقريبا، وبانسجام، بين التعاون مع مجلة «أنفاس»، التي أغلقت واعتقل ناشرها بتهم ثقيلة، وبين العمل في وكالة شبه رسمية هي «وكالة المغرب العربي للأنباء». مع عبد الله الستوكي سنتعرف على تاريخ الصحافة المغربية، ما بعد الاستقلال، عبر الوقوف عدد من المنابر التي اشتغل فيها أو تفاعل معها. ومن خلال ذلك سنتعرف على كواليس السياسة والسياسيين في هذه المرحلة الاستثنائية من تاريخ المغرب. على كرس الاعتراف سيحكي الستوكي عن تجربته في تأسيس صحافة «الأحزاب الإدارية»: «الميثاق» و«المغرب»، ثم لاحقا «رسالة الأمة»، مضيئا مجموعة من التفاصيل التي ظلت معتمة، بحكم طبيعة تأسيس هذه الأحزاب والجرائد، التي كانت تنطق باسمها. كما سيتحدث الستوكي عن تجاربه الإعلامية الدولية، ويكشف عن وجه المثقف الذي ظل متواريا خلف صفة الصحافي حامل الخبر. - كنت أقصد (في الحلقة السابقة) ما حدث خلال المؤتمر الثالث للحزب في 1966، والذي انعقد سريا في منزل عبد المجيد الذويب بالدارالبيضاء، حيث طرح المؤتمر نقطتين، تتعلق الأولى بنقد مسار الحزب منذ نشأته.. (يقاطع) من بين المهام التي طرحت على هذا المؤتمر تغيير اسم الحزب الشيوعي ليصبح حزب التحرر والاشتراكية كوسيلة لتمكينه من استرجاع وضعه القانوني والانخراط في المعركة السياسية. - ما يعنيني أنا هو النقطة الثانية التي طرحها مؤتمر 1966، والتي سماها ب«تجديد وتعميق التكيف مع واقع المجتمع المغربي وعقليته وشعبه وتقاليده».. لقد كان ذلك نوعا من الشعبوية التي غايتها التنازل عن الهوية المادية الجدلية للحزب، من أجل كسب تعاطف الجماهير الواسعة، أليس كذلك؟ لكن، يحب أن تفرق بين ما كان يصرح به الحزب الشيوعي وبين الحقيقة والممارسة اليومية لمناضليه. الحديث عن التكييف قديم، غير أنه عندما بدأ الحديث عن تغيير اسم الحزب تم التفكير في إعلان خطاب ليس بعيدا عن الماركسية اللينينية التي لم يكن التفريط فيها، حينها، واردا. ولكن الحزب وجد نفسه مضطرا إلى توضيح موقفه من الدين الإسلامي والملكية.. دون أن يؤثر هذا على الخطاب العام للحزب، خصوصا الخطاب المعبر عنه في لساني حاله، وهما جريدتا «المكافح» ثم «الكفاح الوطني». - على ذكر علاقة الحزب الشيوعي المغربي بالدين.. فقد كان عدد من مواقف الحزب موضوع انتقادات من قبل صحافة حزب الاستقلال؛ اِحك لنا عن ذلك.. لا يجب أن ننسى أنه في سنة 1951، خلال مؤتمر «الجبهة الوطنية المغربية»، المشكلة من حزب الوحدة المغربية وحزب الإصلاح الوطني وحزب الشورى والاستقلال وحزب الاستقلال، رفض هذا الأخير الاعتراف بمغربية الحزب الشيوعي، بل إن ميثاق طنجة تضمن بندا ينص على رفض إنشاء أي تكتل أو إبرام أي اتصال مع الحزب الشيوعي. - من أشهر السجالات المتعلقة بحرية الاعتقاد، التي شهدها المغرب في بداية الستينيات، تلك التي دارت بين القيادي الشيوعي الهادي مسواك، الذي رفض اعتقال ومحاكمة 13 شخصا من المغاربة اعتنقوا الديانة البهائية في مدينة الناظور والحكم عليهم أحكاما وصلت إلى الإعدام والمؤبد، وبين علال الفاسي الذي كان مع اعتقالهم والضرب بقوة على أيديهم؛ اِحك لنا عن ذلك.. علال الفاسي، الذي كان حينها وزيرا للأوقاف، كان من المحرضين على إصدار تلك الأحكام القاسية في حق البهائيين، حيث كتب قائلا «إن هؤلاء الذين تلقوا البهائية بالناظور وحاولوا أن يؤسسوا دولة بهائية، سيكون لهم الحق في الهجوم على الأماكن المقدسة الإسلامية وتحطيم الكعبة وتغيير الحج». وهذا الموقف لم تتصد له صحافة الحزب الشيوعي وحدها، بل إن اسما سياسيا، من محيط الملك، من حجم احمد رضا اكديرة سيقف موقف المدافع عن حرية الاعتقاد، وضد اعتقال البهائيين ومحاكمتهم، وقد عبر في جريدته «لي فار» عن رفضه للمواقف المتزمتة.. وقد مواقف مشرفة بالفعل تلك التي أبان عنها اكديرة والمجموعة التي كانت معه من حرية الضمير والاعتقاد. - التناقضات داخل الحزب الشيوعي المغربي أخذت تظهر ابتداء من إعلان الثورة الثقافية في الصين في 1966، مرورا بهزيمة الجيوش العربية في حرب يونيو 1967 وظهور المقاومة واليسار الفلسطيني، ووصولا إلى انطلاق شرارة انتفاضة ماي 1968 في فرنسا.. إذ أصبح يقال إن الحزب الشيوعي المغربي كان «يفتح المظلة في الدارالبيضاء عندما يسقط المطر في موسكو» كناية عن نوع من التبعية المطلقة للحزب الشيوعي السوفياتي حتى في القضايا ذات الخصوصية العربية مثل القضية الفلسطينية؛ ما تعليقك على ذلك؟ الرفاق الذين عبروا داخل الحزب عن تبعية تامة لموسكو كانوا أقلية، وكانوا يضعون الحزب بين خيارين: خيار اتباع موسكو، أي الماركسية اللينينية، وخيار اتباع بيكين، أي التفسير الماوي للماركسية. - لكن النقطة التي أفاضت الكأس في علاقة الأحزاب الشيوعية العربية، ومنها الحزب الشيوعي المغربي، بما سيسمى لاحقا ب»اليسار الجديد» هي الموقف من القضية الفلسطينية الذي حذا فيها الحزب الشيوعي المغربي حذو الاتحاد السوفياتي، بدءا من قرار تقسيم فلسطين وما تلا ذلك من قرارات ومواقف.. خصوصا علي يعته الذي كان على اتصال مباشر بالحزب الشيوعي السوفياتي الذي كان هو القبلة الوحيدة، بالرغم من ظهور تفسيرات وتطبيقات مغايرة للفكر الماركسي في ألبانيا ويوغوسلافيا.. زيادة على الصين. لكن لم يكن هناك تيار منظم وقوي داخل الحزب الشيوعي المغربي للانسلاخ عن التبعية للاتحاد السوفياتي. وقد كان قادة الحزب الشيوعي المغربي يبذلون جهدهم لتحييد النقاش حول علاقة الحزب المغربي بنظيره السوفياتي، بمبرر أولوية النضال من أجل إقرار الديمقراطية في المغرب. - في 1966 و1967 بدأتَ تتعاون مع مجلة «أنفاس» التي عبرت عن التوجه الماوي داخل الحزب الشيوعي، أي التيار الذي سيطلق على نفسه «منظمة إلى الأمام»، دون الانتماء إلى هذه المنظمة التي سيعتقل أفرادها في بداية السبعينيات وستصدر في حقهم أحكام قاسية.. اشتغالي في وكالة المغربي العربي للأنباء «لاماب» جعلني آخذ مسافة من الحزب الشيوعي.. - متى اشتغلت في «لاماب»؟ في 1965. وقد صادف اشتغالي في هذه الوكالة اختطاف المهدي بنبركة الذي شكل الحدث وقتها، حتى إن هذه الوكالة لم تكن تشتغل سوى على هذه القضية.