سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الستوكي: بنبركة لم يكن يقبل أن يكون للشيوعيين المغاربة حزب خاص بهم حكى أن مسؤولا في البوليس قال له إن الاتحاديين «سيبدؤون» بالشيوعيين حالما يصلون إلى الحكم
منذ أن أسس سنة 1959، عندما كان تلميذا في مراكش، مجلة «مرآة»، وهو «ينط»، مثل والده لاعب السيرك، ببراعة من جريدة للشيوعيين إلى أخرى لليبراليين، واضعا أقلامه وأفكاره رهن إشارة مهنة المتاعب. فوق كرسي الاعتراف، سيحكي قيدوم الصحافيين المغاربة عن تجربته في الحزب الشيوعي، وعن مرحلة دراسته في موسكو، ثم عودته إلى المغرب، وكيف جمع، في نفس الفترة تقريبا، وبانسجام، بين التعاون مع مجلة «أنفاس»، التي أغلقت واعتقل ناشرها بتهم ثقيلة، وبين العمل في وكالة شبه رسمية هي «وكالة المغرب العربي للأنباء». مع عبد الله الستوكي سنتعرف على تاريخ الصحافة المغربية، ما بعد الاستقلال، عبر الوقوف عدد من المنابر التي اشتغل فيها أو تفاعل معها. ومن خلال ذلك سنتعرف على كواليس السياسة والسياسيين في هذه المرحلة الاستثنائية من تاريخ المغرب. على كرس الاعتراف سيحكي الستوكي عن تجربته في تأسيس صحافة «الأحزاب الإدارية»: «الميثاق» و«المغرب»، ثم لاحقا «رسالة الأمة»، مضيئا مجموعة من التفاصيل التي ظلت معتمة، بحكم طبيعة تأسيس هذه الأحزاب والجرائد، التي كانت تنطق باسمها. كما سيتحدث الستوكي عن تجاربه الإعلامية الدولية، ويكشف عن وجه المثقف الذي ظل متواريا خلف صفة الصحافي حامل الخبر. - قلتَ إن موقف الحزب الشيوعي من دستور 1962 كان أكثر اعتدالا من موقف حزب المهدي بنبركة. عن أي اعتدال تتحدث والحزب الشيوعي أصدر، بعد ظهور نتائج التصويت على الدستور، بيانا قال فيه: «بعد الاستفتاء، تجب متابعة الكفاح المسلح من أجل سيادة الشعب»؟ (يضحك) لنعترف الآن بأن هذه المواقف كانت مواقف كلامية بلاغية، أما في الواقع فإن الحزب الشيوعي لم يقم بما من شأنه أن يوصله إلى القطيعة مع نظام الحكم. لقد كان الحديث عن متابعة الكفاح المسلح نوعا من الشعارات التي لا توحي بأن من يرفعها سيسارع إلى ترجمتها على أرض الواقع. وقد كان نظام الحكم واعيا بهذه الأمور وكان يغض الطرف عنها. وبالرغم من أن الحزب الشيوعي كان محظورا من الناحية القانونية، فلم يكن مناضلوه مضطهدين كما كان عليه الحال بالنسبة إلى مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذين تصدى لهم النظام بشراسة؛ وأذكر أنه عندما تم اعتقالنا، نحن مجموعة من الشيوعيين في مراكش، كان البوليس يحرص على أن يسمعنا صراخ الاتحاديين وهم يعذبون. وكان أحد عمداء الشرطة ممن اشتغلوا ضمن البوليس الفرنسي يستنطقني بشكل متحضر، ويقول لي: «آش عندكم مع هاذو.. هاذ الاتحاديين راهم بحال البعثيين ديال العراق وسوريا.. إلى وصلو لْحكم غاديين يبداو بكم نتوما اللولين يا الشيوعيين». - متى اعتقلت وفي أي سياق؟ في إطار حملة الاعتقالات التي أعقبت ما سمي ب«مؤامرة 16 يوليوز 1963»، والتي اتهم فيها الاتحاديون بمحاولة قلب نظام الحكم. - بعد ثلاثة أشهر على اعتقالات «مؤامرة 16 يوليوز 1963»، ستشن حملة اعتقالات أخرى في صفوف الاتحاديين والشيوعيين، بعد نشوب حرب الرمال بين المغرب والجزائر، وهي الاعتقالات التي كان استهدافها للاتحاديين مفهوما بحكم اعتبار موقف المهدي بنبركة مؤيدا للجزائر، بينما ظل استهدافها للشيوعيين غير مفهوم.. بالرغم من أن الحزب الشيوعي دعا الجانبين، المغربي والجزائري، إلى إيقاف الحرب، فقد اعتقل شمعون ليفي وتعرض لتعذيب فظيع، كما اعتقل عبد السلام بورقية وعبد القادر المازني وإدمون عمران المالح وعبد المجيد الذويب.. لكن ما قلته عن حملة مقاطعة دستور 1962 وحملة الاعتقالات التي أعقبت ما سمي بمؤامرة 1963، يمكن أن أؤكده في ما يتعلق بالحملة الشرسة التي شنت على الاتحاديين والتي لا يمكن مقارنتها بالاعتقالات التي طالت مناضلينا الشيوعيين. - يروى عن القيادي الشيوعي عبد الله العياشي أنه كان يقول للاتحاديين، بعد منع الحزب الشيوعي في 1959: «نحن السابقون وأنتم اللاحقون»؛ ما الذي كان يقصده بذلك؟ لقد كان كل من قادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ونقابة الاتحاد المغربي للشغل ينظرون إلى الحزب الشيوعي المغربي بنوع من الاحتقار، وكانوا يرددون دائما مقولة المهدي بنبركة بأن «المغرب غير محتاج إلى حزب غير واضح (Ecule)» وأن هناك حركة تجمع كل الحساسيات، هي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وبالتالي فإنه يجب الاندماج فيها. وهذا كان يؤلم المناضلين الشيوعيين الذين كانوا يؤمنون بضرورة تشكيل جبهة لليساريين في المغرب يكون الحزب الشيوعي طرفا أساسيا فيها، مع الحفاظ على استقلاليته، خصوصا وأن الحزب الشيوعي كان يعتبر نفسه هو قائد الطبقة العاملة في المغرب، بينما كان يعتبر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية حزبا للبرجوازية الصغرى، تقدميا لكن غير ثوري. - بعد سنتين، سوف تندلع انتفاضة 23 مارس 1965 وسوف يعلن الحسن الثاني حالة الاستثناء، وهو الأمر الذي لم يبد حزبا الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية موقفا صارما تجاهه، مثلما فعل الحزب الشيوعي؛ كيف تفسر ذلك؟ هذا راجع، ربما، إلى أن قادة الاتحاد الوطني للشغل والاتحاد المغربي للشغل وحزب الاستقلال كانوا في حوار مستمر مع الحسن الثاني. - كان مطروحا تشكيل حكومة وحدة وطنية يقودها الاتحاد، لولا أن تم اختطاف المهدي بنبركة في أكتوبر من السنة نفسها.. نعم، وهذا كان يحول دون أن يتخذ الاتحاديون ونقابتهم والاستقلاليون موقفا صارما وواضحا من حالة الاستثناء التي شلت كل فعل سياسي في البلد. أما الحزب الشيوعي المغربي فكان له، وقتئذ، مشكل واحد ووحيد وهو استعادة وضعه القانوني الذي فقده بعد حله سنة 1959، ثم إن علاقة الحزب وقتها بالملك كانت قد انقطعت منذ الاستقبال الذي خص به السلطان بن يوسف (محمد الخامس) وفدا من الحزب الشيوعي بعد عودته من المنفى. وإذا كان لكل من حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية والاتحاد المغربي للشغل، من جانب، والقصر، من جانب آخر، هدف استراتيجي، فإن الحزب الشيوعي كان يضع نصب عينيه هدفا استراتيجيا هو تحقيق الاشتراكية وآخر تكتيكيا هو استرجاع وضعه القانوني. - كان للحزب الشيوعي حينئذ هدف تكتيكي آخر هو إثبات عدم معاداته للهوية الدينية المغربية والتصدي لحملات التشويه التي كانت تشن ضده، خصوصا من طرف حزب الاستقلال وصحافته؛ أليس كذلك؟ نعم، لكن الحزب الشيوعي المغربي، في الواقع، كان يعتبر أنه لا يحتل الموقع الذي يستحقه، إذ بالرغم من أنه كان يعتبر نفسه حزبا ثوريا، فإنه لم يحدث أن لجأ إلى ما يسمى في الأدبيات الماركسية ب «العنف الثوري».