المقاوم أبوزكرياء محمد العبدي، المعروف ب «زكريا العبدي»، ينادون عليه المناضلون «با لعبدي»، هو أحد المقاومين المغاربة الشرفاء. قام بعدة عمليات فدائية ضد المستعمر الغاشم، في كل من أسفي والدارالبيضاء، كان قويا لايخاف، واجه الاستعمار بصلابة، كان أول اعتقال له بعد تصفية جيش التحرير، وتمكن من الهروب إلى تطوان. التحق بالحركة الوطنية منذ شبابه وانخرط بحزب الاستقلال بإحدى الخلايا الاستقلالية بدرب السلطان، وكان من مناضلي القاعدة الجماهيرية للجامعات المتحدة، الذين ساندوا المهدي بنبركة في انتفاضة 25 يناير 1959، ومن الذين ساهموا في تنظيم التجمعات منها تجمع سينما «شهرزاد»، باعتباره أحد العاملين بإدارتها، هذه الانتفاضة التي توجت بتأسيس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. والذي كان العبدي من بين مؤسسيه بسينما الكواكب في شتنبر 1959. كان بطلا حتى في حياته الشخصية، يعني الفتوة، كانت له ملشيات داخل التنظيم، يحركها في التظاهرات والانتخابات الحزبية وعند الحاجة. زكريا ابن منطقة عبدة، من مواليد الثلاثينات القرن الماضي، جاء قادما من أسفي إلى الدارالبيضاء واستقر بدرب السلطان قرب كراج علال، مارس في البداية مهنة بائع الملابس القديمة بالقريعة، ثم اشتغل بسينما «شهرزاد»، مثل بعض رفاقه المقاومين، الذين اشتغلوا بقاعات سينمائية الأخرى. (هذه السينما الموجودة بمنطقة درب السلطان، والتي سميت بهذا الإسم تيمنا بإسم بطلة رواية ألف ليلة وليلة، والتي بنيت في الخمسينات من القرن الماضي في الفترة التي بدأت النواة الأولى لحركة المقاومة الوطنية، والتي تم إغلاقها بعدما هاجرها جمهورها). با العبدي تحمل مسؤولية كاتب عام لنقابة مستخدمي القاعات السنمائية، وكانت أول نقابة انفصلت عن الاتحاد المغربي للشغل. يعتبر من الرعيل الأول لحزب الاتحاد الوطني القوات الشعبية. عايش كل المحن وكل الضربات وحملات القمع التي مر منها الاتحاد الوطني ثم الاتحاد الاشتراكي القوات الشعبية فيما بعد، كما واكب آلة القمع التي نزلت على العديد من المناضلين الاتحاديين والمقاومين. شارك بقوة في انتفاضة 23 مارس 1965، وتعرض لعدة اعتقالات منها اعتقاله لمدة سنة ما بين 1967 و1968. كما اعتقل مع مجموعة من المناضلين سنة 1973، من بينهم الشهيد عمر بنجلون. وبقي في الإعتقال إلى أن توفي في المعتقل السري «الكوربيس» نتيجة التعذيب والإهمال. يحكى عن الصفات الحميدة التي يتمتع بها با العبدي كل من عاشروه من المناضلين مثل الحاج عدنان، الحاج الكورثي، امبارك، قاسم، بنعمر أكنان. أنه كان إنسان فريد من نوعه، طيب بشوش محبوب عند جميع المناضلين وأبناء درب السلطان، كثيرا ما كان يساعد بعض أبناء الحي والشباب وخصوصا الذين ينحدرون من أسر محتاجة، ويتفقد أسر المعتقلين. ويقوم باسمرار بالزيارات للمعتقلين السياسيين أحيانا برفقة عمر الهواري، والوديع الأسفي، وبجاجا، وعدنان، وآخرون.. با العبدي إنسان بسيط في عيشه، مناضل أصيل، صلب و شجاع و جريئ، من المناضلين الاتحاديين الثوريين، كان مخلصا للمبادئ النبيلة التي آمن و ناضل من أجل تحقيقها. كان أثناء الاجتماعات يجلس ويتابع بهدوء وعندما لم تعجبه إحدى التدخلات ينفعل ويثور، كان يغضب يرغي ويزبد، حين لا تعجبه بعض المواقف، وكان يثور في وجهه الشباب إن أعاد أحدهم المنشورا المطلب بتوزيعها إلى المقر. كان يرفع الرأس عاليا في وجه الطغاة وهب حياته في سبيل الحرية والديمقراطية والاشتراكية، وظل يندد بالفساد والمفسدين إلى أن اعتقل من عمله بسينما «شهرزا، واقتيد إلى درب مولاي الشريف، ثم الكوربيس وهناك لقي حتفه على يد المجرمي، وجهاز القمع. تاركا وراءه زوجة وأطفال، لا معيل لهم. لقد عاشت أسرته حياة قاسية بعد وفاته. ورفضت عائلته التعويض. ولازال مصير قبره مجهولا إلى يومنا هذا، رفقة أكثر من 66 حالة اغتيال مازالت عالقة.