زكية داوود .. سيدة لا تبرح خاطر الصحافة المغربية، حاضرة في الذاكرة حتى عندما تختار الغياب، حين تبحث عن المشرق في الإعلام المغربي. هي واحدة من أكثر الشخصيات رمزية في الصحافة المغربية، أسست بالاشتراك مع زوجها محمد لوغلام سنة 1966 جريدة «لاماليف» التي استقطبت طيلة فترة صدورها التي دامت 22 عاما مفكرين وأكاديميين بارزين.. لم ينل التشكيك في انتمائها والمضايقات في سنوات الرصاص، وإعدام مولودها «لاماليف» من تفاؤل وعزيمة وألق هاته السيدة، الصحافية والكاتبة، فاستحقت احترام من ناصبوها العداء، قبل الأصدقاء. - كيف واجهت مضايقات المخزن الذي كان يستجوبك كلما نشرتم مقالا أو ملفا معينا؟ < بما أننا لم نكن متفقين في «لاماليف» مع سياسة المخزن، فإنه كان من المتوقع أن يبادلنا نفس الشيء واضطرنا أن نتحمل الأمر ليس باعتبارنا ضحايا بل لأنه كانت لنا أفكار مغايرة لما كان سائدا وقتها. كنا متأثرين بأفكار جون بول سارتر وألبير كامو الذي لن أنسى عبارته: «لكي تبدأ شيئا عليك أن تقول لا». كانت الشرطة تستدعيني دائما، وأتذكر أنهم لم يجدوا اسمي على الطبعة الأولى التي سلمناها إلى شركة التوزيع سوشبريس. أقصد كل مرة الكوميسارية المركزية بالدارالبيضاء حيث يستقبلني كالعادة موظف مختلف عن سابقه يسألني مثل كل مرة عن هويتي وجنسيتي المغربية قبل أن يطلب مني إثبات أنني مغربية. كنت أرد بأنني مثله مغربية بجواز سفر وبطاقة وطنية مغربية وهو ماكان بمثابة إهانة له. أخرج «لاماليف» من درج مكتبه بعبوس ويقول: «إنها جريدة جيدة لكننا صادرنا هذا العدد». لم تخرج الأعداد من الحجز إلا بعد أن سلمت للشرطة نسخة مسلمة من وكيل الملك تثبت أنني مغربية.. لطالما كان ذلك الضغط جزء من حياتنا بالجريدة، وآمنا بأن الصحافة هي بالأساس الحرية. كنا نعتقد أن المخزن بحاجة إلينا لأنه من غير المنطقي أن يظل الجميع متواطئا ويقول «نعم»، فبغير مواجهة الأفكار لا نتقدم إلى الأمام عوض الخضوع التام والسلبية المطلقة. - نجحت «لاماليف» وفرضت اسمها في المشهد الإعلامي المغربي، كيف تغلبتم على المشاكل والإكراهات المالية التي واجهتكم؟ < أدرنا «لاماليف» بشكل أشبه بمقاولة صغيرة، وقمنا مع الاتحاد المغربي للشغل بضم «Maghreb Informations» كما قمنا بإصدار مجلة تعنى بالمجال الفلاحي في إطار اهتمامنا بالنشر التحريري لتنويع المداخيل. ما هي الظروف التي دفعتكم إلى إغلاق «لاماليف»؟ < كنا نسير ضد التيار: تطرقنا إلى مشاكل البحث العلمي، قضايا الشباب، تحديد النسل، وحرية الصحافة وكنا ضد الجمود الذي عرفته الساحة السياسية.. لقد واجهنا العديد من المشاكل.. سنة 1988،استدعاني وزير الداخلية والإعلام ادريس البصري الذي أخبرني أننا نبيع المجلة بشكل كبير وأعطى أوامر بأن نوزع 1000 نسخة فقط في الجامعات، بعد أن بلغت نسبة المبيعات حوالي 12 ألف نسخة. قبل ذلك سنة، أحسسنا بأنه يتم وضع عراقيل أمامنا لكي نتراجع عن الطبع. لم نوافق طبعا على القرار الذي يحكم على «لاماليف» بالاحتضار، وفكرنا بأن أفضل طريقة للرفض هو أن نقول لا، أي بكل بساطة أن نضع نقطة النهاية للتجربة التي خضناها ونوقف طبع «لاماليف». صدر العدد الأخير رقم 200 في يونيو 1988 والذي تضمن مقالا لبول باسكون مقتطفا من كتابه: «المراسلة السياسية لإيليغ، المخزن وسوس الأقصى» تطرق إلى العلاقات المتوترة التي جمعت السلطة المركزية بزاوية تازروالت ولم ننتبه إلى جملة تضمنها المقال والتي تتحدث عن عادة سياسية لدى السلاطين المغاربة تتمثل في تركهم زوارهم في بهو الانتظار. الملاحظة كانت عبارة عن انطباع شخصي للكاتب سرعان ما أولته السلطات العليا على أنها إهانة لشخص جلالة الملك. - وماذا حدث بعدها؟ < مازلت أتذكر كيف أخبرني ادريس البصري أثناء مقابلته أنه سيوضح لي المخزن الذي تتناوله «لاماليف» وأنه سيجري تحقيقا معمقا عن المجلة التي ستنشر حسب قوله الكتابات التي يوقعها هو فقط. بعد انتهاء اللقاء، عدت إلى الدارالبيضاء وأخبرت محمد لوغلام بما جرى حيث طلب مني أن نتصل بالمطبعة وسوشبريس لإبلاغهم بأننا سنوقف نشر «لاماليف» نهائيا، وهو ما حصل بالفعل.