زكية داوود .. سيدة لا تبرح خاطر الصحافة المغربية، حاضرة في الذاكرة حتى عندما تختار الغياب، حين تبحث عن المشرق في الإعلام المغربي. هي واحدة من أكثر الشخصيات رمزية في الصحافة المغربية، أسست بالاشتراك مع زوجها محمد لوغلام سنة 1966 جريدة «لاماليف» التي استقطبت طيلة فترة صدورها التي دامت 22 عاما مفكرين وأكاديميين بارزين.. لم ينل التشكيك في انتمائها والمضايقات في سنوات الرصاص، وإعدام مولودها «لاماليف» من تفاؤل وعزيمة وألق هاته السيدة، الصحافية والكاتبة، فاستحقت احترام من ناصبوها العداء، قبل الأصدقاء. - كيف لمست الفرق بين الإذاعة والعمل في الصحافة النقابية؟ < بعد وصولي إلى الدارالبيضاء، اكتشفت وجود صحافة «ماص» في ظل غياب صحافة متخصصة. انتقلت من وسيلة إعلامية مسموعة إلى مكتوبة وهي «لافون كّارد» ولم أكن أفضل الخطاب الشفوي لأن الصحافة المكتوبة تستهويني أكثر. لم يكن أمامي أي خيار في العمل مع الاتحاد المغربي للشغل الذي يتقاسم معي نفس الأفكار السياسية التي أدافع عنها، ولكن هذا لا يعني أن الأمور كانت سهلة إطلاقا، كان علي إذن بعد مغادرة الإذاعة التي كانت تتحكم فيها الدولة أن أتكيف مع الوضع الجديد بحكم أن الخيارات كانت محدودة جدا. - كنت أول صحفية مغربية اهتمت استطلاعاتها وتحقيقاتها الميدانية برصد وضعية المرأة العاملة، ما سر ذلك الاهتمام؟ < عندما كنت في فرنسا، كنت أعمق بحثي للتعرف على وضعية المرأة المغربية وعندما التحقت للعمل مع المحجوب بن الصديق استرعى انتباهي وجود نساء عاملات ولم أتردد حينها في الوقوف إلى جانبهن رغم قلتهن. تعرفت على أمينة التي كانت ممثلة عاملات التنظيف بالاتحاد.. كانت مهمشة لكنها كانت تواظب على أداء مهمتها وتزور المعامل في الدارالبيضاء ونواحيها دون أن توفر لها سيارة تساعدها في التنقل. لم أكن مختلفة عنها كثيرا وأثارت فيَّ وضعيتها الرغبة في أنه علي أن أساهم بأي شكل من الأشكال في تغيير الوضع. عند نهاية سنة 1961، طلبت من مدير التحرير أن يخصص لي الصفحة الأخيرة من الأسبوعية لإثارة القضايا النسائية المختلفة. تمكنت من زيارة وتفقد المرافق التي تشتغل داخلها العاملات والمدرسات والممرضات والخادمات وعاملات معامل السمك.. أول انتصار صغير حققته هو التحقيق الذي خصصته لعاملات سمك السردين بآسفي، ونددت بالظروف القاسية التي كن يشتغلن فيها: أقدامهن العارية في مياه مالحة، وأياديهن تنظف السمك وكل واحدة منهن تحاول بين تارة وأخرى إسكات طفلها الذي تحمله على ظهرها. بعد نشر هذا الاستطلاع، تغيرت ظروف الاشتغال إذ تم تخصيص وزرة خاصة وأحذية بلاستيكية عالية، فيما تم تعيين عاملة تتمثل مهمتها في العناية بالأطفال داخل محل خاص تم إنشاؤه لذلك الغرض. كنت فخورة جدا بما قمت به رغم أنني لم أكن أتقن الحديث باللغة العربية وظل نطق كلماتها صعبا علي، إلا أنني على الأقل كنت أفهم بعض الكلمات والجمل. رغم محدودية انتشار «لافون كّارد» في الأكشاك، إلا أن صفحة المرأة كانت من أكثر الصفحات مقروئية في الجريدة. كل صباح، كنت أتردد على مقهى الاتحاد المغربي للشغل في الطابق الأرضي قبل ركوب المصعد للوصول إلى مكتبي بالطابق الثامن. كان كل من يحمل الجريدة في يده يطالع الصفحة الأخيرة، وذات يوم وقبل وصولي إلى المكتب استوقفني بعض العاملين ليؤكدوا لي أن لديهم خادمات في البيت لكنهم يعاملونهن جيدا، كنت أرد بتعجب: «أيها الرفاق، لم أكن أتحدث عنكم في التحقيق، لا أتخيل أصلا أن هناك خادمات تعمل لديكم!». - ما الذي أدى إلى إثارة مشكل الجنسية المغربية؟ < عندما دخلت إلى المغرب رفقة زوجي، كان كلانا يحمل جواز سفر فرنسي، ولم تكن الترسانة القانونية للمغرب سنة 1958 تتوفر ضمن بنودها على قانون الجنسية المغربية ولم يتم نشره في الجريدة الرسمية سنة 1959، مما يخول لزوجي المزداد من أم مغربية الحصول عليها. وكما ينص القانون على ذلك، أودعنا طلبا لحصول ابني على الجنسية المغربية، وتوصلنا بخطاب رسمي من وزارة العدل بوثائق قانونية تمنح لزوجي وابني الجنسية المغربية كما كان متوقعا، إلا أن المفاجأة التي لم نتوقعها هي منحي الجنسية، رغم أني لم أكمل سنتين من الإقامة في المغرب والتي تعطيني الحق قانونيا لأصبح مغربية. كنا سعداء بتلك المفاجأة لكن لم نتخيل أنها ستكون سبب مجموعة من المشاكل في القادم من الأيام..