منذ أن أسس سنة 1959، عندما كان تلميذا في مراكش، مجلة «مرآة»، وهو «ينط»، مثل والده لاعب السيرك، ببراعة من جريدة للشيوعيين إلى أخرى لليبراليين، واضعا أقلامه وأفكاره رهن إشارة مهنة المتاعب. فوق كرسي الاعتراف، سيحكي قيدوم الصحافيين المغاربة عن تجربته في الحزب الشيوعي، وعن مرحلة دراسته في موسكو، ثم عودته إلى المغرب، وكيف جمع، في نفس الفترة تقريبا، وبانسجام، بين التعاون مع مجلة «أنفاس»، التي أغلقت واعتقل ناشرها بتهم ثقيلة، وبين العمل في وكالة شبه رسمية هي «وكالة المغرب العربي للأنباء». مع عبد الله الستوكي سنتعرف على تاريخ الصحافة المغربية، ما بعد الاستقلال، عبر الوقوف عدد من المنابر التي اشتغل فيها أو تفاعل معها. ومن خلال ذلك سنتعرف على كواليس السياسة والسياسيين في هذه المرحلة الاستثنائية من تاريخ المغرب. على كرس الاعتراف سيحكي الستوكي عن تجربته في تأسيس صحافة «الأحزاب الإدارية»: «الميثاق» و«المغرب»، ثم لاحقا «رسالة الأمة»، مضيئا مجموعة من التفاصيل التي ظلت معتمة، بحكم طبيعة تأسيس هذه الأحزاب والجرائد، التي كانت تنطق باسمها. كما سيتحدث الستوكي عن تجاربه الإعلامية الدولية، ويكشف عن وجه المثقف الذي ظل متواريا خلف صفة الصحافي حامل الخبر. - سنة 1967 سوف تشتغل، إلى حدود 1970، سكرتير تحرير في الجريدة اليومية «Maghreb Information» التي أسسها صديقاك السابقان في مجلة «لاماليف» زكية داوود ومحمد لوغلام؛ اِحك لنا عن هذه التجربة؟ اتصلت بي جاكلين لوغلام، المعروفة بزكية داوود، لدعوتي إلى الاشتغال في يومية «Maghreb Information» التي كانت تديرها رفقة زوجها محمد لوغلام، والتي كانا معا مساهمين في رأسمالها إلى جانب نقابة الاتحاد المغربي للشغل. - لم يكونا هما من أسس هذه الجريدة؟ كانت في ملكية احمد بنكيران وبنجامان واكرات، وكان اسمها «Maroc Information». - عندما غادرتَ الجريدة في 1970، هل كانتْ قد أقفلت؟ أنا غادرتها قبل إقفالها بمدة. - لماذا أقفلت؟ لأن الحسن الثاني لم يعد راضيا عنها. - كيف؟ الحسن الثاني كان حريصا على ألا يتم نشر أدنى شيء لا يرضيه. وبما أن الجريدة كانت قد أصبحت ذات توجه يميل إلى النقابة، فقد كان من الطبيعي أن تنشر أشياء عن احتجاجات العمال، كما كان من الطبيعي بالتالي ألا يروق ذلك للحسن الثاني. - في 1967 كانت نقابة الاتحاد المغربي للشغل قد أخذت مسافة من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وأصبحت نقابة بيروقراطية تحت القبضة المطلقة للمحجوب بن الصديق.. نعم، وأصبحت العلاقة بين النقابة ونظام الحكم لا هي تبعية مطلقة ولا هي معارضة جذرية. لكن جريدة «Maghreb Information» كانت مستقلة عن النقابة المساهمة فيها بالرغم من أنها كانت تغطي أنشطتها. - ما هي المسائل التي كان الحسن الثاني قد أصبح غير راض عنها في «Maghreb Information»؟ هامش الحرية الذي حاولت الجريدة أن تعطيه لنفسها. - سق لنا مثالا على ذلك.. -- لم تكن الجريدة تكتب اسم الحسن الثاني مقرونا بصاحب الجلالة، بل كانت تصفه برئيس الدولة، وهذا لم يكن الحسن الثاني ليقبله، وطالما تم تنبيه مدير الجريدة محمد لوغلام أو رئيسة التحرير جاكلين لوغلام إليه؛ كما أن الجريدة لم تكن تغطي الأنشطة الرسمية بالطريقة التي تنال رضى الملك. - من كان مخاطب الجريدة داخل القصر الملكي حينها؟ كان هو وزير الإعلام احمد مجيد بنجلون. - ما هو السب المباشر الذي أدى إلى إقفال الجريدة؟ مرة، كتب المحجوب بن الصديق افتتاحية ساخرة، بمناسبة 3 مارس (عيد عرش الحسن الثاني)، وردت فيها جملة قال فيها إن المغاربة يعيشون في بحبوحة وإنهم فرحون.. بينما كان بن الصديق يقصد عكس هذا المعنى، وقد كان هذا سببا كافيا لإقفال الجريدة. - نحن نتحدث عن توافق بين نقابة الاتحاد المغربي للشغل وبين الدولة، فكيف وأين ينقض المقال هذا التوافق؟ لا تنس أن المحجوب بن الصديق لم يكن خادما للحكم، بل كان يعتبر نفسه مستقلا عن النظام ولم يكن يقبل أوامر منه، وقد عبر عن هذا المعنى في حوار أجري معه. - المحجوب بن الصديق كان يعتبر أنه «ملِك الطبقة العاملة»، وكان أتباعه يطلقون عليه لقب «الحسن الثالث»، وهذه الصفة كانت تروق له؛ أليس كذلك؟ طبعا كانت تروق له. لقد كان بن الصديق الآمر الناهي في الاتحاد المغربي للشغل، والمؤتمرات التي كان يعقدها، كانت مجرد مؤتمرات شكلية. - هل وقع المحجوب بن الصديق هذا المقال باسمه؟ لا، تم نشره بدون توقيع. - لماذا لم يكن المحجوب بن الصديق يعطي حوارات للصحافة؟ -- لم يكن يريد ذلك، مع أنه كان يحب الصحافة، وظل حريصا على تتبع تفاصيل جريدة «الطليعة»، لسان حال الاتحاد المغربي للشغل، إلى أن توقفت. - وبقي هو يضع يده على مطبعة النقابة بعد توقف الجريدة؟ المطبعة سرقها بن الصديق، وورثها أبناؤه عنه، مع أن هذه المطبعة كان العمال المغاربة قد ورثوها عن الشيوعيين الفرنسيين. ما كان يهم المحجوب بن الصديق ليس المطبعة في ذاتها، بل الأرض التي توجد عليها.. وهذه سرقة مثبتة وواضحة. - هل حاولت إجراء حوار مع المحجوب بن الصديق؟ كانت بيننا علاقة طيبة، لكن المحجوب كان يرفض إجراء حوارات صحافية. وفي أحسن الأحوال، كان يوحي بأفكار إلى الصحافيين أو يكتب مقالات لا يوقعها. في أواخر حياته، حاولت التلفزة المغربية إنجاز بورتريه عنه، لكنه رفض ذلك بشكل قاطع. - بعدما توقفت يومية «Maghreb Information» أصبحت رئيسا لتحرير اليومية الناطقة بالفرنسية «La Dépêche»، والتي بدأت بالصدور في الدارالبيضاء؛ كيف ذلك؟ من جملة الأمور التي كانت تطالب بها النقابة الوطنية للصحافة حينها إيقافُ صحافة «ماص» (نسبة إلى رجل الأعمال الفرنسي بييير ماص الذي أصدر عدة جرائد في المغرب ابتداء من سنة 1908)، أي إيقاف جريدتي «Le Petit Marocain» و»La Vigie Marocaine»، لكن نظام الحكم كان يتماطل في هذا الأمر، بالرغم من أن أول برلمان في المغرب قرر منع الصحافة الأجنبية التي تأتي في طليعتها صحافة «ماص». وعندما اشتد الضغط في هذا الاتجاه، ارتأى الحسن الثاني تأسيس جريدة بديلة، اختار أن يشرف عليها المهدي بنونة (مؤسس وكالة المغرب العربي للأنباء) وأن يكون مقرها بالدارالبيضاء، وبما أن المهدي بنونة رجلُ وكالة أنباء فقد اختار للجريدة عنوان «La Dépêche» (القصاصة الخبرية).