قبل 98 سنة، حينما رأى كل من السير مارك سايكس، من بريطانيا، وفرانسوا جورج بيكو، من فرنسا، هزيمة "قوى المحور" في الحرب العالمية الأولى وقعا سرا على اتفاق سايكس-بيكو الذي قسم أراضي الدولة العثمانية إلى مناطق تأثير وسيطرة بريطانية وفرنسية. وبعد انتصار "دول الحلفاء"، جرى على الشرق الأوسط تنظيم من جديد حسب هذا الاتفاق تقريبا، ونشأت دول عربية جديدة كانت مكانا لنشوء أمم عربية جديدة، وهكذا نشأت الأمة العراقية والأمة السورية والأمة اللبنانية. لكن نجاح خطوات القوى الكبرى هذه كان مؤقتا فقط، فبعد عشرات السنوات من الاستقلال السياسي توشك العراق وسورية -وكلتاهما دولة عضو في الأممالمتحدة حكمها مدة عشرات السنين مستبدون قُساة- أن تختفيا من بين الأمم؛ فالولاءات القبلية والدينية تغلب الولاء للأمم المصنوعة التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى، وقد تسير لبنان أيضا في هذا السبيل. أصبح جزء من أرض إسرائيل -التي نقلتها عصبة الأمم كلها لتكون تحت مسؤولية بريطانيا- في نهاية المطاف دولة الشعب اليهودي - إسرائيل، وفي هذا المكان عاد الشعب اليهودي ليضرب جذورا في أرض وطنه القديم؛ وضرب الشعب اليهودي، خلافا للأمم العراقية والسورية واللبنانية التي ولدت بصورة مصنوعة، جذورا عميقة مشحونا بروح قومية أعطته القدرة على العمل بصورة ديمقراطية وعلى حماية نفسه وعلى النماء من جهة اقتصادية. ووهبت بريطانيا مناطق من أرض إسرائيل شرقي نهر الأردن للأمير عبد الله ابن الشريف حسين، شريف مكة، وأصبحت المملكة الأردنية، وإن 70 في المائة من سكان الأردن أصلهم من أرض إسرائيل الغربية و30 في المائة منهم بدو. فهل أنشأ ذلك أمة أردنية؟ سيُنبئنا المستقبل بذلك. في 1948، احتل الأردن يهودا والسامرة وضم هذه الأراضي إليه. واحتلت مصر قطاع غزة؛ وفي 1967 بعد هزيمة جيشي الأردن ومصر، انتقلت يهودا والسامرة وقطاع غزة إلى السيطرة الإسرائيلية. وبدأ السكان العرب في يهودا والسامرة وقطاع غزة الذين شعروا بأن الدول العربية تخلت عنهم، يطورون هوية قومية مستقلة باعتبارهم فلسطينيين. وكان التعبير عن ذلك إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات في 1964. وهم اليوم مقسومون إلى قسمين: فهناك فلسطينيون تحت حكم حماس في قطاع غزة، وهناك فلسطينيون تحت حكم فتح في يهودا والسامرة. فهل تنشأ حقا أمة فلسطينية موحدة منفصلة عن الأردنية وتصبح عضوا دائما في أسرة الشعوب؟ ستُنبئنا الأيام. إن انتقاض الأمة السورية وانقسام الشعب الفلسطيني يُحدثان مشكلة لإسرائيل، فقد كانت سورية زمن حكم حافظ الأسد الاستبدادي وحكم ابنه بشار بعد ذلك، كانت دولة أمة جارة وكان يمكن مفاوضتها في اتفاق سلام، من جهة مبدئية. وكان يمكن لهذا الاتفاق أن يضع حدا لعشرات سنوات الصراع بين إسرائيل وسورية. بيد أنه غدا واضحا الآن أنه لا يوجد أي شريك في محادثات حول حدود إسرائيل الشمالية؛ وإذا أخذنا في الحسبان الوضع الحالي في لبنان وتدخل حزب الله في الحرب بسورية، فإن اتفاق سلام مع لبنان أيضا لا يبدو إمكانا واقعيا في المستقبل القريب. إن الأداء المختل للكيان السياسي الفلسطيني ينشئ مشكلة أخرى لإسرائيل. ورغم أن فتح وحماس اللتين لا تتماس مناطق سيطرتهما، لا يقاتل بعضهما بعضا، فان العلاقات بينهما بعيدة عن أن تكون علاقات ود: فقد أعلنت حماس أنه لا سلطة لمحمود عباس ليتوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل باسم الفلسطينيين جميعا، وهو ما يمنع عباس كليا من أن يلتزم باسم الفلسطينيين بإنهاء الصراع مع إسرائيل، ولذلك فإنه حتى لو وُقع على اتفاق بين إسرائيل وعباس فلن يضع حدا للصراع بل سيكون نقطة انطلاق فقط لمطالب أخرى من إسرائيل باسم الأمة الفلسطينية. عن «هآرتس»