مصطفى شكدالي إذا حاولنا تصنيف "خبراء" ومنشطي هذه البرامج، فإننا سنجد أنفسنا أمام "بروفايلات" تحمل مزيجا من التخصصات والخلفيات التي تكشف عن مغالطات وتناقضات صارخة والتي يمكن رسم ملامحها على الشكل التالي: - المحلل النفسي الفقيه: لعل المتتبع لأثير الإذاعات الخاصة سيكتشف ويتعرف على هذا "البروفايل" لصاحبه الذي يدعي، من جهة، انتماءه إلى حقل التحليل النفسي، وفي نفس الوقت ينهل من الدين ومن القرآن الكريم للإجابة عن أسئلة المستمعين. إنها اساءة مزدوجة، إلى الدين وإلى التحليل النفسي معا. للإشارة فقط، إن التحليل النفسي له سياقاته التي تخضع ممارسته للسرية والمتابعة في فضاء خاص وليس على الأثير. أما بخصوص استعمال الدين، فإن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد وسيلة لاستمالة المستمعين ومخاطبة ذاكرتهم ومخزونهم التراثي والنفسي على حد سواء. - المصلح الاجتماعي المفتي: هذا "البروفايل" لا يخص خبيرا أو منشطا بعينه وإنما هو "بروفايل" عابر للمحطات الإذاعية الخاصة في برامجها التفاعلية، فهو يطرح قضايا ترتبط بفئات اجتماعية مختلفة ليندد بوضعها الاجتماعي ويقدم حلولا سطحية لها، وذلك في تبادل للأدوار بينه وبين المستمعين. قد يكون الأمر إيجابيا إذا نظرنا إليه من وجهة نظر الشعار الذي يقول: "إسماع صوت من لا صوت له"؛ ولكن إذا ما نظرنا إليه من وجهة نظر علمية، فإن القضية تصبح معقدة ما دام هذا "البروفايل ينمط إجاباته في شكل " فتاوى" اجتماعية حول مواضيع لم يبت فيها البحث العلمي أصلا. - الطبيب المشخص عن بعد: هذا "البروفايل" لا ينطبق على كل الأطباء المتدخلين في الإذاعة، ذلك أنه بقدرما أن هناك أطباء في تخصصات مختلفة يقومون بتعريف للأمراض والعمل على الوقاية منها، هناك من تحولوا من خلال الممارسة الإعلامية إلى مشخصين عن بعد؛ فتجد هذا "البروفايل" يتدحرج بين الخوض في قضايا عضوية وأخرى نفسية مشخصا عن بعد انطلاقا من حكي المستمعين، فتجده يتحدث في الإجهاض والاستمناء والجنسية المثلية، وطبعا يقترح لكل هذا حلولا ترقيعية بعيدة كل البعد عن المنطق العلمي الذي يخضع مثل هذه القضايا للمساءلة المنهجية. - "المنشط" المستقبل للحكي الحميمي: هذا "البروفايل" يعكس أكثر صورة منشط برامج البوح العاطفي والجنسي والعلاقات المتأزمة بين الرجل والمرأة. هذا "البروفايل" يوجد في مختلف المحطات الإذاعية التي تقوم ببث برامجها ليلا ليصبح الكلام مباحا ولنجد أنفسنا أمام قصص وحكايات غرامية لا يقوم المنشط إزاءها إلا بحث المتصلين على قول المزيد من الكلام غير المباح. في كثير من الأحيان، تكون مداخلات هذا البروفايل عبارة عن تعابير لمواساة المتصلين والدعاء لهم بالفرج. إنها مداخلات تشبه، إلى حد بعيد، تنهيدة من لا حول له ولا قوة على معالجة الحالات الواردة على البرنامج بطرق ملائمة. خاتمة بالوصول إلى الخاتمة، لا يكون الحديث قد انتهى بخصوص البرامج "التفاعلية"، فهناك بروفايلات أخرى ل"خبراء" ومنشطين "إعلاميين" تجتمع كلها في نقطة واحدة وهي: إعطاء حلول معطوبة لإفرازات مكبوتة، همها الوحيد يقتصر على المنافسة المحمومة لرفع نسب الاستماع. كما يمكن الإشارة، كذلك، إلى قضية اللغة المستعملة في هذه البرامج والتي لم يتم التطرق لها، مما سيدفع بنا إلى العودة إلى الموضوع من جديد لتحليل آليات اشتغال خطابه. قبل الختم، لا بد من الإشارة إلى أن الإعلام، بكل تجلياته السمعية والبصرية والكتابية، يعد مؤسسة تنشئوية، مما ينذر بتنشئة اجتماعية معطوبة إذا ما نظرنا إلى هذه الهفوات والآليات التي يشتغل عليها الإعلام السمعي الخاص في مجتمعنا. إن البرامج التفاعلية تعتبر مطلبا ملحا لما لها من دور تنشئوي فعال، ولكن على أساس الرقي بالفكر والدفع بالمستمعين إلى اكتساب الحس النقدي حتى يمكن بناء شخصية قوية قادرة على التفكير والخروج من فكر الوصفات والقوالب الجاهزة. إن الفكرة التي تقول: إن الإعلام يجب أن يكون مرآة تعكس الواقع، هي فكرة مغلوطة مادام فهمها السطحي يذهب في اتجاه إعادة إنتاج وتكريس الأعطاب الاجتماعية والنفسية؛ فإذا كان لا بد من تشبيه الإعلام بالمرآة، فلتكن هذه الأخيرة "مجلوة" بلغة ابن عربي... "لنرسم عليها ما ينبغي أن نكونه"... *باحث في علم النفس الاجتماعي وأستاذ السوسيولوجيا بالمعهد العالي الدولي للسياحة بطنجة