صدر للزميل الصحفي المدني دروز كتاب بعنوان: «التنشيط الإذاعي أي مفهوم وأية ممارسة» يقع في 180 صفحة من القطع المتوسط، يفتح فيه الكاتب نقاشا واسعا حول الممارسة الإعلامية السمعية وسبل الارتقاء بها من خلال إسهامات كل مهتم بالمجال، كما يتوخى أن يكون أداة يمكن أن يعتمدها الطلبة المتخصصون وكل المتدخلين والمتفاعلين مع الممارسة الإذاعية، وعموم المواطنين لفهم طريقة اشتغالها وإكراهاتها. في هذا الحوار، يسلط مؤلف الكتاب الضوء على بعض تفاصيل العمل الإذاعي. - كيف ترون التجربة الإذاعية بعد تحرير القطاع السمعي البصري؟ - إن أي تقييم ينبني في أساسه على نجاعة ما تقدمه هذه الإذاعات من برامج. عادة فإن إقرار أي برنامج وتضمينه في شبكة البرامج يتم بالبحث في مدى ملامسته لمركز اهتمامات المتلقي في تنوعه واختلافه، يعني أنه يجب أن يتناول قضايا معاشة ترتبط بالاهتمامات الآنية للمتلقي. وهي اهتمامات متنوعة ما يفترض بالمقابل تنوعا في مواضيع البرامج، على أنه يجب أن تتوفر فيمن يقوم بإنجازها الشروط المهنية والمتمثلة في المستوى التكويني والتمرس على إدارة مثل هذه البرامج. وهنا أتحدث بالتحديد عن البرامج الحوارية التفاعلية المباشرة بما تحتاجه من قدرة كبيرة على إدارة الاختلاف في الآراء وطرق التفاعل مع اتصالات المستمعين التي تكون في بعض الأحيان محرجة. هذا بالإضافة إلى ضرورة تمكنه من مختلف المرتكزات الأخرى لإنجاح برامجه كاستعمال اللغة السهلة لتوسيع قاعدة المستمعين واعتماد البساطة كأسلوب لاستقطاب المتلقي وجعله يتفاعل مع البرامج. إجمالا هي مجموع من المقومات لا يمكن لأي تواصل إذاعي أن ينجح دون اعتمادها. وبالطبع هناك إكراهات عديدة تفرض على المنشط التعاطي معها وفق ما تفرضه اللحظة في أفق تجاوزها بشكل لا يرهن ولا يؤثر على سير البرنامج. - نتحدث دائما عن المتلقي في العمل الإذاعي ما هي خصوصيات هذا المتلقي ؟ - المتلقي كلمة مفردة وتعني الجمع. وهو ذلك الشخص المفترض الذي يتتبع كل ما يبث وبكل الإذاعات. هو شخص مجهول لا نعرفه إلا حين يتصل بالبرنامج ليبدي رأيه في الأداء أو يطرح أسئلة. عند ذاك يمكن أن تتأسس أو تتوطأ معه علاقة أثيرية. ومثل هذا المتلقي عادة ما تحدوه الرغبة في زيارة محطة الإذاعة والمشاركة مباشرة في بعض البرامج. وهكذا يقف عند إكراهات العمل الإذاعي الذي يسود الاعتقاد أنه مهمة سهلة وأن الخلل يقع على مستوى من يدير البرامج وحتى الإذاعة. والعمل الإذاعي هو إكراه يومي يجب تدبيره بحسب الإمكانات التقنية والاستعدادات النفسية. إنه رهان يتحدد يوميا. قلت إن المتلقي يصبح معروفا عند يدور المحطة. والمتلقي هو كذلك كل من قد يلتقط موجات الإذاعات بشكل مستمر أو متقطع أو بشكل مناسباتي. وهذا المتلقي لا يهمه عموما شروط وإكراهات العمل بل يحكم فقط بناء على ما يصله من أثير الإذاعة. يكون عادة قاسيا في حكمه. وأحيانا ومع مداومته الاستماع يكون يمتلك آليات التقييم تمكنه من تقييم موضوعي لأداء منشط ما. العمل الإذاعي فيه من التداخل ما يجعله أحيانا لا يتيح إمكانية التقييم الموضوعي غير أنه تفرض حضور بعض الشروط الضرورية للجلوس أمام الميكروفون بعل أبرزها شرط التكوين. - بالنسبة لهذه النقطة هل الفضاء السمعي بتعدد قنواته كان يتوفر على العنصر البشري المكون وخصوصا الكافي بمواكبة هذا الزحم الإذاعي؟ - في الحقيقة عملية التكوين هي صيرورة. فيمكن من توفير الشق النظري والذي يحتاج إلى الممارسة لضبطه، لأن هناك فرقا بين القيام بأعمال إذاعية تجريبية أي في إطار التكوين، لكن في الممارسة الفعلية يلاحظ من يخضع إلى هذا التكوين بعض الفرق. والفرق يكمن فيما يرافق الممارسة الفعلية من عنصر الضغط والثقة. إضافة إلى مدى تناسب طبيعة التكوين العام والبرنامج أو الحصة الإذاعية. وحسب قناعاتي فإن إدارة برنامج حواري إخباري يفترض من القائم عليه أن يكون خبر مجال الأخبار وإنتاج الريبورتاجات واعتبر الأمر أرضية أساسية تساعد وتمكن المنتج للبرنامج الإخباري من أدوات وآليات تيسر له إدارة البرنامج بالمعايير المتعارف عليها. وهنا أتحدث عن كل الاعتبارات الذاتية والموضوعية. هذا في الوقت الذي يمكن فيه إنتاج برامج متخصصة طبية أو فلاحية... وهنا أشدد على المتخصص الذي يقوم بها ضرورة خضوعه لتكوين على تقنيات التواصل الإعلامي الإذاعي ومراعاة أخلاقيات المهنة. هنا أريد القول أنه إذا كانت البرامج الإخبارية يجب أن تظل حصرا على الصحفيين المهنيين وبكل ما للكلمة من مواصفات فإن بعض البرامج يمكن إدراجها من موقع التخصص. والاستعانة بالمتخصصين أمر مهم لمحاربة الارتجال في مواضيع تهم شرائح اجتماعية مهمة. ويتم تناولها بسطحية وربما أحيانا بمغالطات. - لنجر الحديث أبعد، هل لا نتوفر على منشطين حرفيين يمكن إدارتهم لمواضيع متخصصة على شرط استضافة من لهم دراية وتكوين في المواضيع ؟ - إثارة هذه النقطة يجرني للحديث عما قلته قبل قليل. فالصحفي المهني يفترض فيه أن يكون متعدد التخصصات ويتناول كل المواضيع ويتوفر على التقنيات اللازمة لإدارة نقاش مفيد في كل المواضيع. على اعتبار أن المهني لا يمكنه مقاربة أي موضوع دون تحضير جيد وبالتالي الاعتماد على تقنيات الحوار التي تنتقل بالموضوع من مستوى إلى آخر وبسلاسة. هذا النوع من المنشطين ومن مستوى التنشيط هو المطلوب لكن للأسف لا نتوفر في المغرب إلا على قلة. وهذه القلة اجتهدت وثابرت لتصل إلى هذا المستوى. ويجدر هنا التذكير أنه لا يجب الخلط بين برامج ترفيهية سهلة وأخرى تحتاج إلى بحث مضن وإلى مسؤولية. وهو ما يفسر وإلى حد بعيد النقص المسجل على مستوى هذا النوع من المنشطين. ومنشط من هذا النوع ومن هذا الحجم هو ثمرة اجتهاد وتقييم ذاتي للأداء وتراكم معرفي وتواضع فكري. - إذا كان كل العمل هو موجه للمتلقي فكيف يمكن التمييز بين الأعمال والبرامج ؟ - المتلقي هو بطبعه مستهلك أحيانا وعموما لا يختار مواضيع البرامج وهو مدعو أن يتفاعل مع المباشر. صحيح أن مستواه لن يرقى بالسهولة إلى درجة التقييم الموضوعي لمختلف ما يبث، لكن يمكن أن يقوم بذلك من خلال المواظبة على الاستماع والمقارنة وتتبع حاليا برنامج الوسيط الذي يعتبر جسرا بين المتلقي والمنشط أو أي متدخل إعلامي لمقاربة طريقة الاشتغال ومن الداخل.