عندما يسمع المغاربة، أو بعض المغاربة على الأقل، معلومة تقول إن زعيما حزبيا باع منصب الوزارة لشخص مشبوه بمبلغ خرافي، وإن ذلك الشخص الذي اشترى منصب الوزير فعل ذلك من أجل هدف واحد، وهو تبييض سيرته وسيرة عائلته الغارقة في كتامة، فمن حق الناس أن يمسكوا رؤوسهم لمنعها من الانفجار. لكن هناك حقيقة مرة يغفل عنها الكثيرون، وهي أن بيع المناصب والامتيازات في المغرب ليست شيئا جديدا، فهي تقليد مترسخ في هذه البلاد العجيبة منذ قرون. ومن يقرأ تاريخ المغرب يدرك كيف أن القياد والباشوات كانوا يدفعون «دم جوفهم» من أجل الحصول على مناصبهم، والغريب أن تلك المناصب كانت بلا أجور رسمية، وكل ما كان يفعله هؤلاء هو استغلال مناصبهم من أجل حلب جيوب الناس حتى آخر قطرة. في تلك الأزمنة، التي نعتقد أو كنا نعتقد أنها ذهبت إلى غير رجعة، كان الحاجْب والوزير والباشا والقايْد والشيخ والمقدم، وما إلى ذلك من خليط المناصب، لا يحصلون على أجور قارة، بل على مجرد تعويضات من حين إلى آخر، لكن تعويضاتهم الحقيقية كانوا يحصلون عليها من جيوب الناس، لأن من ينفق الكثير من المال للحصول على منصب معين يفعل كل ما يستطيع فعله لاسترجاع ماله من جيوب الناس وبأقصى سرعة، وبعد أن يسترد ماله يفعل المستحيل لكي يجمع ثروة، لأن هناك دائما من هو مستعد لكي يدفع أكثر من أجل الحصول على نفس المنصب. هكذا كانت المناصب والمسؤوليات معروضة للبيع في المزاد، ومن يدفع أكثر يحصل عليها، ومن يحصل عليها ولا يدفع لمن دفعوها له يُزاح منها وتُدفع لغيره. ثم هناك مسألة أخرى، وهي أن المغاربة لا زالوا يستغربون زعماء الأحزاب، مع أن واقعنا واضح وشفاف وفاضح ومقزز، كما أن هناك أشياء كثيرة أخرى لم يسمع عنها الناس، ولو أنهم علموا بها لطالبوا فورا بالتحول إلى نظام الحزب الواحد، مع أنه هو النظام الحقيقي المعمول به عندنا في العمق، لأن كل هذه الأحزاب ليست سوى أغصان كثيرة متفرعة عن شجرة واحدة. وهناك كثيرون سمعوا بأن زعيما حزبيا وازنا ذهب إلى دولة عظمى في زيارة تستهدف الدفاع عن مصالح المغرب العليا، لكنه دافع فقط عن نفسه لكي يستطيع إسكان عشيقته السرية معه في نفس الفندق الفاخر، على الرغم من عدم وجود حجز مسبق باسمها، وعوض أن يستخدم نفوذه وعلاقاته من أجل الدفاع عن مصالح بلده، فإنه فعل المستحيل للدفاع عن مصلحة فراشه السري. هناك أمثلة كثيرة جدا عن هذا الواقع الحزبي المزري، أمثلة نراها باستمرار وعلى مر الأيام والسنين. فعندما يقترب موعد الانتخابات، يرى المغاربة كيف تفتح الدكاكين الانتخابية أبوابها وتبدأ في «التّبْراح» لبيع التزكيات الانتخابية بمختلف أشكالها، هذا منصب بمليار وهذا منصب بنصف مليار، هذا منصب بمائتي مليون وهذا بمائة.. فلا توجد عند الأحزاب بضاعة غير هذه. ويعرف المواطنون أن فلانا وعلانا وفرتلانا أنشؤوا أحزابا سياسية لهدف واحد، وهو البيع والشراء في المناصب والتزكيات، وأن الزعيم يضع لائحة بالأسعار لكل عملية. والمغاربة يعرفون حق المعرفة زعيما حزبيا تسبب في انتحار شبان كانوا يحلمون بالهجرة، وأصاب بأزمات نفسية أزيد من ثلاثين ألف شاب مغربي، ونسيهم جميعا ثم صار وزيرا أول، ثم قاتل لكي يحتل أبناؤه مناصب رفيعة في الدولة والإدارات. والمغاربة رأوا بأم أعينهم كيف أن حزبا، تم خلقه لكي يشجع الناس على الانخراط في السياسة، تحوّل بسرعة إلى حزب خاص بكبار المشبوهين وتجار المخدرات، وانضم إليه كل من له سيرة قذرة ويحاول أن يُبيّضها. والناس عاينوا كيف باع حزب يساري كل مبادئه ونضالاته في سوق الخردة وبادلها ببضعة مناصب وامتيازات ووزارات. والمغاربة يرون باستمرار أحزابا تجمع المقرقبين والسكارى والمحششين من أجل ملء القاعة التي سيلقي فيها الزعيم خطبه النارية. والناس يعرفون قياديين حزبيين صنعوا ثرواتهم عبر الدفاع عن تجار المخدرات. الأحزاب التي تبيع المناصب والمسؤوليات والتزكيات لا تفعل أكثر من المهام الموكولة إليها أصلا؛ ففي الماضي كان الفساد عشوائيا ويقوم به الناس بصفة فردية، ثم جاءت الأحزاب لتقنين وتأطير الفساد، لذلك من الطبيعي أن تبيع المناصب والتزكيات والمسؤوليات. ثم فكروا جيدا، إذا لم تبع الأحزاب هذه الأشياء، فهل ستبيع الزيت والسكر؟