عادت منظمة اليونسكو لتفتح سيرة التعليم المغربي وهي تصدر آخر تقاريرها التي تقول إننا لا زلنا نصنف في المراتب المتأخرة سواء تعلق الأمر بعدد التلاميذ المتمدرسين في جل المستويات، أو في نسبة الأمية التي تقارب النصف. وفضح التقرير كيف أن المدرسة المغربية تصنف اليوم في مراتب أقل من عدد من التجارب بعضها لدول فقيرة، رغم كل الإمكانيات التي توظف في قطاع التربية والتعليم، والتي تفوق 5 في المائة من الدخل العام للبلد. نفس الصورة، هي التي ظلت منظمة اليونسكو تقدمها عن التعليم المغربي في تقارير سنوات 2011 و2012. هل كانت الصدفة وحدها هي التي جمعت بين كل هذه الاحتجاجات التلاميذية، التي رافقت مشروع مسار الذي جاءت به وزارة التربية الوطنية لضبط عملية التنقيط، وجعلها أكثر شفافية، وبين التقرير الأخير الذي أصدره اليونسكو بشأن الوضع التعليمي في المغرب، ضمن تقرير شامل أطلق عليه اسم «التعليم للجميع»؟ إنه السؤال الكبير الذي يطرحه اليوم كل المتتبعين لشأن المدرسة المغربية، التي مازالت تداوي جراح تلك الانتقادات التي حملها خطاب الملك. كما مازالت تنتظر هذه الخلاصات التي من المقرر أن يصدرها المجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي، بعد أن يكون قد وضع كل هياكله. وتلك التي ستضعها وزارة رشيد بلمختار بعد سلسلة المشاورات، وجلسات الاستماع التي أطلقتها منذ بداية الموسم الدراسي. أما الخلاصة، فهي أن اليونسكو عاد ليقول في خلاصة تقريره إن المدرسة المغربية مازالت في حاجة للكثير من العلاج. وإن ما صدر في 2011 و 2012 لا يختلف كثيرا عما صدر قي 2013، ما يعني أننا لم نتمكن بعد من تصحيح الاختلالات. في خلاصة تقرير اليونسكو، منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة، تبدو الصورة قاتمة حول التعليم في المغرب، الذي احتل المرتبة ما قبل الأخيرة عربيا في عدد الخريجين. كما أن 10 في المائة من الأطفال، لا يلتحقون بالمدرسة. و حوالي 34.5 في المائة فقط هي نسبة التلاميذ الذين يلتحقون بالتعليم بالثانوي. ووصل عدد الخريجين في المغرب من شعب العلوم والتكنولوجيا، بحسب تقرير اليونسكو، أزيد من 36 ألف، موزعة بين 23 ألف طالب في الشعب العلمية و12 ألف ينتمون إلى شعب التكنولوجيا، وأظهرت النتائج أن نسبة الخريجات من هذه الشعب بلغ 37 في المائة. كما أبرزالتقرير أن عدد الخريجين من التخصصات الأخرى، بلغ 64 ألف بنسبة 52 في المائة! أما بشان المساواة بين الجنسين في التعليم الثانوي على الخصوص، فقال التقرير إن ذلك مستبعد في المدرسة المغربية، إلى جانب ما هو كائن في دول كبوركينافاصو، والصين، وجيبوتي، وإثيوبيا، وليبيريا، ونيجيريا، والموزمبيق، وسيراليون، والطوغو، وطاجكستان، وتوقع التقرير أن يحقق المغرب المساواة بين الجنسين في التعليم الابتدائي فقط بعد ثلاث سنوات. وسجل تقرير اليونسكو، أن نسبة الأمية عند الكبار ما فوق سن الخامسة عشرة، تصل اليوم44 في المائة. أما نسبة المقروئية بالنسبة للمغاربة لما فوق 15 سنة، فلا تتجاوز 56 في المائة، يشكل النساء منها نسبة 44 في المائة. وبذلك فالتقرير يضع المغرب في مراتب جد متدنية مقارنة مع بعض الدول العربية. فقد سجلت قطر مثلا نسبة 95 في المائة من المقروئية، تليها الأردن بنسبة 91 في المائة، وحققت عمان وليبيا والسودان وتونس ومصر نسب قراءة جد مرتفعة. وكان التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع الصادر عن المنظمة نفسها في شهر أبريل من سنة 2013، قد وضع المغرب ضمن الدول التي نالت تنقيطا متوسطا في مؤشر تنمية التعليم للجميع، باحتلاله المرتبة 94 عالميا من بين 120 دولة شملها التصنيف، وحصوله على نقطة 0.81، علما أن مؤشر التنمية المرتفع يتطلب أن يتراوح تنقيط الدول بين (0.95 و1. وكان التقرير قد كشف، أن الجزائر احتلت المرتبة 89 عالميا. وجاءت مصر في المرتبة 81. بينما صنفت الكويتوقطر في مؤشر تنمية التعليم للجميع في الرتبتين 50 و55 على التوالي. وسجل للمغرب بحسب تقرير اليونسكو، أنه نجح في مهمة تسجيل الأطفال في المدارس إلى جانب ثلاث دول أخرى هي غواتيمالا وجمهورية لاوس وزامبيا، حيث انتقلت نسبة التمدرس بالتعليم الابتدائي من 71 في المائة قبل سنوات إلى 96 في المائة سنة 2011. وبذلك نجح في محاربة الهدر المدرسي من خلال نسبة بقاء التلاميذ حتى الصف السادس ابتدائي. وزاد تقرير اليونسكو، أن المغرب له أعلى معدلات الرسوب في التعليم الابتدائي في العالم العربي بنسبة 10.7 في المائة منها 12.6 في المائة صفوف الذكور و8.7 في المائة في صفوف الإناث. وعلى الرغم من أن المغرب يصنف، بحسب التقرير نفسه على أنه ثالث الدول العربية إنفاقا على التعليم بنسبة 5.5 من الدخل القومي، إلا أنه مازال يحتل مراتب متأخرة في عدد من المؤشرات. احتلاله هذه المراتب، يأتي رغم أنه ثالث الدول العربية إنفاقا على التعليم من حيث النسبة المئوية من الناتج القومي الإجمالي، إذ تبلغ نسبة الإنفاق الحكومي 5.5 في المائة. نفس هذه الصور وإن بنسب قليلة، كان اليونسكو قد سجل في تقرير 2011 صورة سوداويةعن التعليم في المغرب، وهو يحتل مراتب متأخرة في أغلب المؤشرات مقارنة مع دول عربية وإفريقية عديدة. وكشف التقرير الذي تناول محاور تتعلق بالمنظور العالمي حول تقدم التلاميذ إلى المستوى «الثانوي»، ونسبة الأساتذة وبيئة وجودة وتمويل التعليم، عن أرقام صادمة حول الواقع التعليمي بالمغرب، بحيث أن نسبة 10 في المائة من الأطفال الذين بلغوا السن المخولة لهم للالتحاق بالتعليم الابتدائي لم يلتحقوا بالمدرسة سنة 2009، فيما حققت تونس نسبة 100 في المائة من التمدرس، وحققت قطر نسبة 98 في المائة ومصر 97.5 في المائة، والكويت بنسبة 97 في المائة ثم البحرين بنسبة 93 في المائة، فيما تفوقت دول مثل مالاوي وبورندي اللتين حققتا نسبة تجاوزت ال100 في المائة، وتفوقت دول إفريقية أخرى مثل الموزمبيق وتانزانيا والبنين وأوغندا والكاميرون وزامبيا والطوغو، على المغرب في النسبة الصافية لالتحاق الأطفال بمرحلة التعليم الابتدائي. وأشارت الإحصائيات الواردة في التقرير إلى أن معدل الانتقال من مرحلة التعليم الابتدائي إلى الثانوي الإعدادي حوالي 87 في المائة، مقارنة مع التي بلغت فيها النسبة 96 في المائة إلى جانب السودان وتونسوالبحرين وجيبوتي، كما أشارت البيانات إلى تموقع المغرب وراء إثيوبيا التي سجلت معدل 91 في المائة، ودول إفريقية أخرى. وبخصوص انتقال التلاميذ إلى الثانوي الإعدادي، لم تتجاوز النسبة في المغرب 34.5 في المائة، وهي النسبة نفسها التي سجلها اليمن. وأظهر التقرير الذي استعرض بيانات جميع دول العالم، أن نسبة المغرب ضعيفة مقارنة مع الدول العربية، إذ سجلت البحرين نسبة 89 في المائة والكويت 79 في المائة، تليهما قطر بنسبة 77 في المائة، وحققت مصر نسبة 65 في المائة. كما أظهرت الإحصائيات أن كينيا حققت معدل 50 في المائة، وغانا نسبة 46 في المائة وناميبيا سجلت تقريبا 54 في المائة، فضلا عن دول أخرى مثل جنوب إفريقيا التي حلت في المرتبة الأولى ضمن دول إفريقيا جنوب الصحراء. وأظهر التقرير، أنه في الدول العربية ازدادت معدلات الالتحاق بالمدارس الثانوية، من 4 ملايين سنة 1970 إلى نحو 30 مليون تلميذا من الذكور والإناث سنة 2011، وأكبر معدلات الالتحاق سجلت في مصر والجزائر وسوريا، فيما أشار التقرير، إلى أن المغرب وتونس والسودان والعراق، رغم أنهم استطاعوا إلحاق أكثر من مليون تلميذ وتلميذة بالمدارس الثانوية خلال الفترة نفسها، فإنهم يعانون من تحدي التحاق الإناث بالثانوية. حينما نعيد اليوم قراءة كل هذه التقارير التي تصدرها منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة، نطرح السؤال كيف أنها أرقام تكرر نفسها مع كل موسم دراسي وكأننا لا نبرح المكان سواء تعلق الأمر بنسبة التمدرس، أو نسبة القراءة التي تضعنا وجها لوجه أمام إشكالية الأمية التي تتجاوز بالكاد الخمسين في المائة، في الوقت الذي نجحت دول أخرى في القطع مع هذا الإكراه الذي له تداعياته الاقتصادية والاجتماعية. هل نقول إننا مازالنا في مرحلة التشخيص لما تعاني منه المدرسة المغربية، قبل أن ننخرط في وضع آليات الإصلاح؟ هل يجب أن يمتد هذا التشخيص لموسم دراسي كامل حيث مازال المجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي ينتظر ما الذي يجب أن يعتبره أولوية الأولويات. وهي الانتظارية نفسها التي اختارتها وزارة السيد بلمختار. أما واقع الحال، فهو هذه التقارير التي تضع وجه مدرستنا في المرآة.