لقد عانى الشباب في المغرب لمدة طويلة من عوامل التهميش والحجب والاستصغار داخل المؤسسات السياسية، وكانت أكبر الانتقادات الموجهة إلى الأحزاب السياسية هي شيخوخة النخب وسد الطريق أمام صعود النخبة الشابة، في مقابل التمكين لنخب مسنة ظلت تحتمي بما تعتبره مشروعية تاريخية تستمدها من إسهاماتها لحظة تأسيس الأحزاب أو من تدبيرها للحظات الحرجة التي عرفتها هذه الأحزاب داخل المشهد السياسي المغربي الذي عاش حالة من الصراع والتنازع واللااستقرار لعقود من الزمن. اليوم، لا بد من الاعتراف بأن خطوات كبيرة قد تم خطوها لتجاوز المرحلة سالفة الذكر، سواء على المستوى التشريعي ذي البعد الإلزامي من خلال إقرار اللوائح الوطنية للشباب لولوج مجلس النواب عبر كوطا محددة، أو من خلال تبني مقتضيات قانونية تخصص نسبا محددة للشباب في الهيئات التقريرية والتنفيذية للأحزاب. الخلاصة هي وجود الشباب في العديد من المواقع القيادية للأحزاب كما داخل مجلس النواب، فضلا عن تسجيل نسبة محدودة من الشباب داخل الحكومة. ورغم أن الوقت لازال مبكرا على إجراء تقييم موضوعي للأثر الذي خلفه بروز نخبة شابة داخل المشهد السياسي المغربي، فإن ذلك لا يمنع من تسجيل ملاحظات تواكب التجربة وترصد تفاعلاتها: 1 - غياب رهانات واضحة لدى الشباب، تنعكس في نضاله السياسي اليومي؛ فالنخبة السياسية من الأجيال السابقة خلقت رهانات لذاتها تفاعلا مع الأحداث التي مرت بها، وهو ما أدى إلى تبلور منطق معين تلعب من خلاله هذه النخب أدوارها في انسجام مع ذاتها. سقف هذه الرهانات يبقى بالتأكيد منخفضا بالنسبة إلى ما يفترض في الشباب السعي إلى تحقيقه، لكن الواقع ينبئ بعجز الشباب عن إنتاج رؤى جديدة ذات أفق ديمقراطي، قد لا تحاصر بالضرورة منطق المحافظة والضبط الذاتي والركون إلى التطبيع مع الواقع دون مواجهته، كما هو سائد في العملية السياسية حاليا، وهو أمر طبيعي بالنظر إلى تركيبة دوائر القرار، غير أن رهانات جديدة بنفس ديمقراطي كانت ستخلق حالة نقاش وتدافع إيجابي يمنح العمل السياسي عمقا وجاذبية أكبر؛ 2 - عجز الشباب عن اختراق دوائر القرار السياسي داخل مختلف المؤسسات، حيث ظل منفعلا باختيارات سياسية ليس طرفا في صياغتها، وبذلك يجد الشباب نفسه مضطرا إلى الانخراط في معارك ليست بالضرورة معاركه الحقيقية، وهو ما لم يساعد على منح نفس جديد للعملية السياسية بما يسهم في الدفع بدمقرطة المؤسسات وتقوية السلط؛ 3 - استسلام الشباب السريع لإغراءات خاصة في العمل السياسي، مما حدا به إلى البحث عن المواقع والمناصب، وهو أمر عجل بتبنيه اختيارات برغماتية تجعله داخل دائرة الأمان، وبذلك انعدم النفس النقدي الطامح إلى أبعد مما يرسمه واقع الإكراهات، والذي عادة ما يغذي طموح الشباب للتغيير. في هذا السياق، لا بد من تسجيل وجود استثناءات قليلة ثبتت حاجة المشهد السياسي إلى مثلها؛ 4 - إخفاق الشباب في التكتل في جبهات موحدة على قاعدة المشترك، كقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان وفصل السلط وتقوية المؤسسات، وتفضيله بالمقابل الانخراط في الصراعات التي تعمق الاختلاف والتناقض، وتخدم أجندات تعطيل الإصلاح وتقويض البناء الديمقراطي؛ 5 - غياب النفس الشاب في الخطاب السياسي المتداول، وهو الخطاب الذي عجز عن الانفلات من إعادة إنتاج خطاب تقليدي تبريري أو صدامي، بعيدا عما كان منتظرا من مرحلة ما بعد دستور 2011؛ 6 - استمرار تواري التنظيمات الشبابية الحزبية عن التأثير في الفعل السياسي أو توجيه النقاش السياسي، وتحول معظمها إلى قاعات انتظار كبيرة للمرور إلى المواقع السياسية ذات الجاذبية، أو إلى جمعيات تغرق في الأنشطة الإشعاعية التي لا يمكن أن تشكل فضاءات للنقاش السياسي العميق والقادر على إفراز البدائل الكفيلة بتجاوز معوقات الواقع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. داخل الأحزاب والمؤسسات السياسية ليس من الطبيعي أن تفكر نخب الثلاثين كما تفكر نخب الستين والسبعين، وإن حدث ذلك فإنما يحدث تعسفا أو نفاقا أو إضمارا لاعتبارات برغماتية سبقت الإشارة إليها... الطبيعي أن يفكر الشباب، بما يعتبره الآخرون اندفاعا وحماسا، يقفز على معطيات الواقع؛ والطبيعي أيضا أن يعتبر الشباب تفكير النخب المسنة إغراقا في المحافظة ونبذ التجديد؛ وبينهما يظل النقاش والاحتكاك ومحاولة كل طرف الاقتراب من الأخر، كفيلا بمنح دينامية للحياة السياسية تغذي الأمل وتوقف نزيف الثقة وتترك المساحات اللازمة لإقناع الشباب بجدوى النضال من أجل التغيير. حينما يغيب ذلك وتحل محله الرتابة والصوت الواحد والإجماع القسري، فلنعلم بأن ذلك لا يعكس انسجاما وتواؤما داخليا بقدر ما يعكس حالة انحسار الحوار والنقد والتداول، وهو بلا ريب أمر سلبي في الحياة السياسية. لا شك أن الملاحظات السابقة لا تنفي الدينامية التي منحها وجود الشباب لمختلف المؤسسات، كما لا تنفي وجود الاستثناءات في الأشخاص والمؤسسات، غير أن نظرة موضوعية شاملة للواقع السياسي، تدعو إلى إنجاز تقييمات مرحلية في اتجاه التطوير والتصحيح والإغناء أمينة ماء العينين نائبة برلمانية