الكونفدرالية الديمقراطية تدعو لمواجهة دمج "cnops" و "cnss"    المغرب يرسل قافلة مساعدات ثانية إلى فالينسيا لإزالة مخلفات الفيضانات    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    ولاية أمن فاس… توقيف شخص للاشتباه في تورطه لترويج المؤثرات العقلية وحجز كميات كبيرة من الأقراص المخدرة    "ذا تيليغراف": المغرب الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا لعام 2024    الولايات المتحدة.. تعيين كريس رايت وزيرا للطاقة في إدارة ترامب الجديدة    إطلاق قنبلتين ضوئيتين قرب منزل نتانياهو    المغرب يخلد الذكرى ال69 لعيد الاستقلال    لفتيت يدعو لمواجهة فوضى وتجاوزات وتدني خدمات سيارات الأجرة على خلفية وضع نهج جديد    صراعات عائلة السيوفي في الدراما الجديدة المُثيرة "نقطة سودة" يومياً عبر شاشة "5MBC"    استمرار توقيف أجور 18 أستاذا يفجر غضب حقوقيين ويضع وزارة التربية في قفص الاتهام    إلقاء قنبلتين ضوئيتين باتجاه منزل نتنياهو        عمور و السعدي يقصان شريط النسخة السابعة لمهرجان الزربية الواوزكيتية    ترامب يعين "كارولين ليفيت" متحدثة باسم البيت الأبيض في إدارته الجديدة    بيع هيكل ديناصور عملاق بستة ملايين يورو قرب باريس    مراهقون يعبثون بالأمن الطرقي بواسطة دراجات نارية مستأجرة في شوارع طنجة    لقاء بالداخلة يناقش مبادرة الحكم الذاتي    مقتل 65 فلسطينيا في قصف إسرائيلي    جمعية فنون تقدم أحدث إعمالها الفنية و التراثية أغنية " لالة منانة" من أداء المجموعة الموسيقية لأكاديمية ميزينوكس    أكبر الشركات العالمية تواصل إبداء اهتمامها بالطريق السيار الكهربائي الداخلة-الدار البيضاء    بالصور.. ارتفاع كمية المؤثرات العقلية التي تم حجزها بميناء طنجة المتوسط إلى أزيد من 188 ألف قرص مهلوس    المنتخب المغربي يُحقق الفوز الخامس توالياً في تصفيات كأس إفريقيا 2025    الجامعة الملكية للملاكمة تنتخب بالإجماع عبد الجواد بلحاج رئيسا لولاية جديدة    صحيفة بريطانية تستعرض الوقائع التي تجعل من المغرب الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا    ندوة حول موضوع الفلسفة والحرب: مآزق العيش المشترك    حصة تدريبية خفيفة تزيل عياء "الأسود"    أسباب اندلاع أحداث شغب في القليعة    الرايحي يقنع موكوينا قبل مواجهة الرجاء في "الديربي"    انعقاد الاجتماع الإقليمي للمدن المبدعة لليونيسكو بتطوان من 19 إلى 22 نونبر الجاري    حريق ياتي على العديد من المحلات التجارية في سوق الجوطية بالناظور    المغرب يعزز جهوده لإغاثة فالينسيا عبر إرسال دفعة جديدة من الشاحنات ومعدات الشفط    تراجع طفيف في ثمن البنزين في محطات الوقود    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    منظمات مغربية تدين تحيّز الإعلام الهولندي للاسرائيليين في أحداث أمستردام    عمر حجيرة: لا ترضيات في التعديل الحكومي    تعهدات في مؤتمر وزاري في جدة بمقاومة مضادات الميكروبات بحلول عام 2030 (فيديو)    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    من أصول مغربية.. وزيرة هولندية تهدد بالاستقالة بعد أحداث أمستردام    جائزة المغرب للشباب تحتفي بالتميز    المرتجي: التراث اللامادي بين المغرب وهولندا أفق جديد للتعاون الثقافي    حشرات في غيبوبة .. "فطر شرير" يسيطر على الذباب    أنفوغرافيك | أرقام مخيفة.. 69% من المغاربة يفكرون في تغيير وظائفهم    منع جمع وتسويق "المحارة الصغيرة" بالناظور بسبب سموم بحرية    صانع المحتوى "بول جايك" يهزم أسطورة الملاكمة "مايك تايسون" في نزال أسطوري    السوق البريطاني يعزز الموسم السياحي لاكادير في عام 2024        دراسة تكشف العلاقة بين الحر وأمراض القلب    مغاربة يتضامنون مع فلسطين ويطالبون ترامب بوقف الغطرسة الإسرائيلية    "باحة الاستراحة".. برنامج كوميدي يجمع بين الضحك والتوعية    "طاقة المغرب" تحقق نتيجة صافية لحصة المجموعة ب 756 مليون درهم متم شتنبر    مقابلة مثالية للنجم ابراهيم دياز …    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التاريخ بين البداية والنهاية
نشر في المساء يوم 21 - 01 - 2014

قبل أزيد من 20 سنة، سنوات قليلة قبل سقوط جدار برلين، أصدر فرانسيس فوكوياما، الباحث السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة ستانفورد حاليا، كتابه "نهاية التاريخ".
بعد صدور ذلك الكتاب الذي حظي بشهرة واسعة ونقل إلى كبريات لغات العالم وبيعت منه عدة ملايين من النسخ، أصدر صديق فوكوياما المذكور وأستاذه صامويل هنتنغتون كتابه الذي ستطبق شهرته الآفاق وسيشغل الناس ما يربو على عقد كامل من الزمان: "صدام الحضارات". والناظم بين الكتابين واحد، فهما في العمق يتكاملان، وهما، كل على طريقته، يسجلان ما يعتبرانه الانتصار النهائي للديمقراطية الليبرالية وقيمها وإعلان الهزيمة الكاسحة للإيديولوجيا الماركسية، ومن ثم انهيار القيم التي تقوم عليها مع انهيار جدار برلين في فعل رمزي-تاريخي ينضح بالدلالة ويفيض بالمعاني. وفي نظر الكثير من الدارسين، ولعلي آخذ بالكثير مما يذهبون إليه، فكل من هنتنغتون وتلميذه ذي الأصول اليابانية يعمل على التأصيل النظري للعولمة أطروحةً، ولنظام القطبية الأحادية فكرا وأفقا للتفكير معا. غير أن هذا كله ليس موضوع حديثي اليوم، وإنما أريد أن أوجه اهتمام القارئ العربي إلى الكتاب الذي أصدره قبل عامين صاحب "نهاية التاريخ"، وجعل له عنوانا يحمل شذى العنوان المشار إليه، وإن كان يوحي بعكس ذلك. وعنوان كتاب فوكوياما الجديد هذا هو "بداية التاريخ"، وحيث إن الكتاب المذكور لم ينل كبير اهتمام المثقفين العرب، بل لعلي أجيز لنفسي القول إن معرفة الكتاب (أطروحة، ومضامين، مجالا للتفكير في قضايا راهنة ليس واقعنا العربي بأقلها شأنا) لا تزال معرفة محدودة ومنحصرة في نطاق ضيق جدا، فإنني أود في حديث اليوم أن أعرض للتعريف بالمضامين والقضايا الكبرى لكتاب "بداية التاريخ"، على أن نترك مساءلته مساءلة نقدية، وكذا التفكير فيه، على ضوء واقعنا العربي الحالي، إلى فرصة أخرى.
فما الفكرة المحورية في الكتاب الأخير لأستاذ العلوم السياسية فرانسيس فوكوياما؟
الديمقراطية الليبرالية الحديثة الناجحة هي التي تجتمع فيها المكونات الكبرى الثلاثة: الدولة، السلطة العليا للقانون، المسؤولية الحكومية، وكل ذلك وفقا لتوازن قار.
والقصد بالدولة هو الدولة بالمعنى الحديث للكلمة، تلك التي تشرحها وتحددها النظريات السياسية-الاجتماعية التي تعرف بنظريات التحديث، أي تلك التي تشرح الكيفية التي تم بواسطتها الانتقال من أزمنة سابقة تنعت بعالم ما قبل الحداثة إلى عالم الحداثة، وهو العالم الذي يمثل العالم الغربي صورته التي أخذت في التشكل منذ عصر النهضة (القرن ال16) لتبلغ غايتها من التطور والنضج في نهاية القرن ال18 بالنسبة إلى أوربا الغربية وفي الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب الأهلية وإعلان الائتلاف الذي ستغدو بموجبه أمريكا الشمالية على ما هي عليه الآن. الدولة الحديثة تحمل عددا من الخصائص، وإذ لا يتسع المجال لبسط القول فيها فلا أقل من ذكر الخصائص الكبرى الثلاث: سلطة مركزية قارة، احتكار العنف، وبسط السيطرة على بقعة ترابية معلومة بحدودها المعترف بها، والسيادة:
أما السلطة العليا للقانون فتعني اعتبار القانون في استقلال تام عن الدولة، وبالتالي فهي الضمانة التي تحمي من عسف السلطة وتجعل الناس في اطمئنان على أرواحهم وممتلكاتهم، كما أنها الضمانة في احترام العقود والمواثيق؛
وأما المسؤولية الحكومية فهي التي تجعل التمثيل الذي يملكه من يمثل سيادة الأمة مسؤولا أمام الشعب الذي يمثله. وهذه المسؤولية قد اتخذت في التاريخ البشري أنواعا متنوعة تتفاوت بين المسؤولية الأخلاقية المحض التي تجعل الحاكم مطلق اليد، فهو لا يرى نفسه مسؤولا إلا أمام ضميره وشرفه، والمسؤولية الصورية وفقا لمسطرة قانونية متفق عليها (المسؤولية أمام البرلمان أو المجلس التشريعي للأمة في تنوع أشكال التمثيلية في المجلس واختلاف نظمها بين أمة وأخرى، وبين اختيار سياسي وآخر...).
ثم إن فوكوياما يوجه الانتباه إلى أمرين اثنين: أولهما، أن الدولة بالمعنى الحديث للمفهوم (سلطة مركزية، بيروقراطية إدارية قوية، ولاء للدولة مطلق وليس للعشيرة ولا للأسرة، سمة لا شخصية للدولة،... إلخ) قد ظهرت في التاريخ، أول ما ظهرت، في الصين القديمة منذ ما يربو على الألف سنة، وليس في أوربا الغربية منذ نحو 300 فقط، كما تذهب إلى ذلك -خطأ- نظريات التحديث الكلاسيكية، تلك التي ترى في التاريخ الأوربي البراديغم الذي يتعين الأخذ به؛ وثاني الأمرين، أن اجتماع العناصر الثلاثة وقيام التوازن الضروري للممارسة السليمة في الديمقراطية الليبرالية (على نحو ما نجد عليه الصورة العليا لتلك الديمقراطية في مملكة الدنمارك اليوم، ثم تنازليا في دول أوربا الغربية وأمريكا الشمالية، ثم عند باقي الديمقراطيات الأخرى حديثة النشأة في العالم) لا يتحقق في الواقع إلا في الدول القليلة التي تقدم المثل الأعلى للديمقراطية الليبرالية الحق. وصاحب "بداية التاريخ" يأتي بأمثلة كثيرة تدل على وجود نظام ديمقراطي (بدلالة توفر الانتخابات الديمقراطية من جهة، وإقرار بالقانون سلطة عليا لا سلطة تعلو عليها) مع انعدام المسؤولية الحكومية أو استخفافها بتطبيق القانون من جهة أخرى، كما هو الشأن في الحكومة الروسية الراهنة، تلك التي يظل فيها أتباع بوتين وأصدقاؤه في منجاة عن كل مساءلة قضائية. كما أن هنالك أمثلة أخرى يجتمع فيها تحقق انتخابات ديمقراطية، مع شرط قيام الحكومة المسؤولة، ولكن ضعف الدولة يحول دون تطبيق القانون وبسط هيبته على كل البلاد، وبالتالي يحول دون قيام الديمقراطية الليبرالية.
المشروع الذي يتصدى له فوكوياما في "بداية التاريخ" هو القيام بفحص التاريخ البشري، من خلال أمثلة حضارات معلومة نشير إليها، فحصا يستهدف استجلاء النمط الذي ظهر به في التاريخ هذا المكون أو ذاك من المكونات الكبرى الثلاثة التي يذكرها ويرجع إليها دوما، كالدولة بالمعنى الحديث للمفهوم، والسلطة العليا للقانون، والمسؤولية الحكومية. والحضارات الكبرى التي يقوم بالرجوع إلى تاريخها عبر المدد الطويلة هي كالصين، والهند، ودول الشرق الأوسط الإسلامية، كما ينعتها بذلك (ظهور الإسلام، الخلافة الأموية، الخلافة العباسية، الدولة الغزنوية في أفغانستان، سلطنة المماليك في مصر، الإمبراطورية العثمانية).
أما الصلة بين نهاية التاريخ وبدايته فهي أن الكتاب الجديد يسعى إلى تعميق أطروحة الكتاب الأول والدفاع عنها بسلاح التاريخ ذاته... وذاك حديث آخر.
سعيد بنسعيد العلوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.