يحد ليساسفة شمالا حي الليمون عبر مدار عزبان. وشرقا الطريق 1077 إلى حدود مدخل الطريق السيار. أما غربا فيحدها أحد روافد نهر أم الربيع الذي يغذي مدينة البيضاء بالماء الصالح للشرب، والفاصل بين ليساسفة والحاج فاتح، وجنوبا يحدها «فران الجير» قبل القنطرة المتواجدة بطريق الجديدة. يناهز تعداد سكانها 160 ألف نسمة تقريبا، تحت نفوذ الدائرة 20 لأمن ليساسفة، التي يرابض بها12 مفتشا ورجل أمن...ويبقى هذا العدد غير كاف، مقارنة بعدد السكان، وكذا طبيعة الواقع الاجتماعي والاقتصادي المزري للمنطقة، الذي يختزن عوالم من الفقر والبؤس... بعد تمكن عناصر من فرقة الصقور قبل أيام من إلقاء القبض على مجرم، وصفته بعض المصادر الأمنية بالخطير، إذ كان موضوع العديد من الشكايات المتعلقة بالسرقة واعتراض سبيل المارة مع الضرب والجرح. مما استدعى معه إصدار مذكرة بحث وطنية في حقه، وهو الأمر الذي جعل كل مصالح الأمن تتجند، وتقوم بحملات تمشيطية فجائية، ليبوء أغلبها بالفشل في اعتقال هذا الجانح. وذلك قبل أن يلقي القبض عنصر من فرقة الصقور بالمنطقة الأمنية الحي الحسني على الشاب ( ص.م ) وهو من مواليد 1991 وذو سوابق قضائية تتعلق بالسرقة، وبينما تم اعتقال هذا الشخص مازالت الأبحاث جارية حول أحد العناصر المنحرفة الأكثر خطورة، الذي ينشط على مستوى الطريق المؤدية إلى الثانوية الإعدادية أبي القاسم انطلاقا من حي ليساسفة، ويقوم باعتراض سبيل المارة ويسلبهم ما بحوزتهم تحت التهديد بالسلاح الأبيض، فيما يبقى التلاميذ الفئة الأكثر استهدافا من قبله. وقد نسجت حوله العديد من القصص والمغامرات والإشاعات، إذ أن بعض السكان يؤكدون بأن هذا المجرم ارتكب خمس جرائم قتل ومازال حرا طليقا، وهناك آخرون أكدوا أن عدد ضحاياه تعدى 80 شخصا، من بينهم نساء ورجال وتلاميذ...، لكن تبقى هذه مجرد «أحاديث مقاهي لا أكثر...» بحسب تصريح مصدر أمني، أكد أن الأمر يتعلق بقاصر من مواليد 1997 سجلت في حقه خمس شكايات اعتداء، وأربع شكايات تتعلق بالسرقة، ليضيف أن تهويل وتضخيم المشكل الأمني بليساسفة يبقى بهدف تصفية حسابات بين بعض الجهات.. عرين القاصر/المجرم أثناء زيارتنا لحي ليساسفة 1 الذي يقطنه «القاصر»، استفسرنا بعض الشباب، فكانت الإجابات صادمة..، جعلتنا نعيد النظر في الصورة التي رسمت عن هذا الشاب (ي.خ)، فهو لاعب لكرة القدم، ومارس هوايته مع أعرق الفرق الوطنية ضمن الفئة المتوسطة، وكان يحلم –ذات يوم- باللعب خارج أرض الوطن ليجد جملة من العراقيل أمامه، سواء منها المادية أو المعنوية، كما كان لغياب الأم بالديار الإيطالية بعد طلاقها الأثر الكبير على نفسيته، وساهم إهمال الأب أيضا، في طرد التلميذ من الثانوية التأهيلية لأسباب يجمع جل زملائه على أنها واهية وبدافع انتقامي، وفي غياب أي توجيه على المستوى المحلي، والفراغ الذي يعيشه شباب المنطقة، مع غياب تام للمرافق الرياضية والاجتماعية والثقافية، التي من شأنها المساهمة في التكوين النفسي والثقافي للشباب، وحمايتهم من الانحراف. قرر هذا الجانح القاصر الانتقام من واقعه ومن زملاء الأمس، بطريقة أراد من خلالها اكتساب صيت على المستوى الوطني كباقي الشبان الذين صاروا ضحية إعلام يرسم هالة حول الإجرام والمجرمين... أسباب الانفلات الأمني ... في حوار مع أحد الفاعلين المدنيين بالمنطقة حول الأسباب الحقيقية للانفلات الأمني بليساسفة، أكد بأن حديث الساعة بين السكان ينحصر حول الأوضاع الأمنية المقلقة هذه الأيام، وضعف فعاليتها بخلاف باقي أحياء الحي الحسني، ويرجع هذا التقهقر الأمني بحسبه، إلى ستة عوامل أساسية، تم تحديدها بمناسبة عقد مجموعة من اللقاءات، وهي بعد مقر الدائرة الأمنية عن التجمعات السكانية، حيث أن الكثافة السكانية متركزة بشكل كبير على مستوى أحياء ليساسفة 1،2،3، والعالية، بالإضافة إلى قصبة الأمين، بالمقابل فإن الدائرة الأمنية تقع وسط «الفيلات» بحي الليمون، وهنا يتساءل بعض المراقبين المدنيين بالمنطقة، لمن وجدت هذه الدائرة؟ وهل بضعة عناصر كافية لتوفير الأمن لما يناهز 160 ألف نسمة...، فقلة الأفراد والعناصر الأمنية بالدائرة تبقى السبب المباشر لهذا الفلتان الأمني، وبعملية حسابية بسيطة نجد أن هناك رجل أمن لكل 13.333 مواطن تقريبا. ينضاف إلى شح العناصر الأمنية أيضا، عوز لوجيستيكي، يتمثل في قلة وضعف الأسطول والوسائل المادية لاشتغال رجال الأمن (سيارتا أمن بالدائرة كأبعد تقدير). هذا إن كانت حالتهما الميكانيكية صالحة أصلا. المساحة الجغرافية الشاسعة للمنطقة، وضعف الإنارة العمومية في معظمها، يساهمان بدورهما في انتعاش منابت الإجرام والانحراف، كما أن غياب دوريات أمنية بالمنطقة، ساهم بجلاء في سطوة المنحرفين ومراقبتهم للمجال، فبعض الأحياء أصبحت لم تلجها سيارة الأمن منذ مدة طويلة. كما أن الانفجار الديمغرافي والسكاني لليساسفة، يرجع إلى كونها تعد منطقة استقبال واستقرار لعدد كبير ممن دفعتهم الهجرة، إما القروية أو من مدن أخرى إلى الاستقرار عند مدخل العاصمة الاقتصادية للاشتغال في الأحياء الصناعية، وحي ليساسفة وحده يضم ما يقارب 250 وحدة صناعية تشغل حوالي 20 ألف عامل تقريبا. كما تتواجد أعداد كبيرة من الدواوير والأحياء القصديرية التابعة لنفوذ الدائرة، والتي تصعب السيطرة عليها ( كدوار بوشعيب الوطني «حي المسجد»، ودوار مول الزيتونة، الخير، الطويل بطريق الجديدة وكاريان الطويل خلف الدائرة نفسها، سوجيطا ...). ويضيف أحد الفاعلين الجمعويين: أن كل هذه الأمور جعلت تدخل العناصر الأمنية يعرف قصورا واختلالا يجعل المقولة الشهيرة « فوق طاقتك لا تلام.. « حاسمة فيما يخص دور الدائرة الأمنية بليساسفة. بالإضافة إلى سياسة التهميش والإقصاء التي ينهجها مجلس جماعة الدار البيضاء إزاء كل الأحياء الهامشية، ومن بينها منطقة ليساسفة طبعا، التي عرفت منذ سنة 2003 –تاريخ إعلانها كمنطقة حضرية- غيابا حقيقيا للمشاريع ذات البعد الاجتماعي والثقافي والرياضي، رغم أنها تعد واجهة تستقبل كل الوافدين على مدينة الدار البيضاء من مدخلها الجنوبي، وجعلت الخصاص واضحا بحكم الارتفاع المتزايد في الكثافة السكانية، ففي 2004 بلغ عدد القاطنين 45 ألف نسمة لتبلغ أضعاف ذلك سنة 2013 (160 ألف نسمة ) دون مواكبة هذا الكم الهائل، لا من حيث البنيات التحتية أو التعزيزات الأمنية، بهدف الحد من مجموعة من الإشكالات بشكل استباقي... مرتع الحبوب المهلوسة يؤكد رئيس جمعية محلية بالمنطقة، بأن الأوضاع الأمنية المزرية جاءت كنتاج لتفاعل كل المشاكل المذكورة، ليصبح المواطن بالمنطقة (ليساسفة) يعيش يوميا حالة من الرعب والخوف بسبب انتشار تجارة وترويج المخدرات بكل أنواعها وأصنافها بشكل مكثف، وغير بعيد عن أعين الأمن والسلطات المحلية، ويظل القرقوبي أخطرها، الذي يباع في أماكن محددة، الذي يحج إليه زبناؤه من كل المناطق الأخرى...، أما الخمور فإن تجارها بالسوق السوداء المعروفين باسم «الكرابة» ابتكروا أساليب جديدة لترويج بضائعهم عن طريق خدمة التوصيل LIVRAISON A DOMICILE فيكفي أن تتصل ب«الكراب» ليصلك الطلب حيث تقف أو تسكن..، هذه التجارة المنتعشة للمخدرات والكحول، ينتج عنها وبصفة تلقائية العربدة اليومية في الشارع العام وكثرة الاعتداءات، سواء بين بعضهم البعض، أو ضد عموم السكان. لكن الأخطر من ذلك، هم المدمنون على الحبوب المهلوسة «القرقوبي» الذين ينشطون في الأماكن المظلمة من الحي، وعلى جنبات طريق الجديدة بالقرب من القناطر، مستغلين الوضع لاعتراض سبيل المارة وسلبهم كل ممتلكاتهم تحت التهديد بالسلاح الأبيض ( بمختلف الأحجام، لكن السيوف تبقى المفضلة لديهم)، ويتعدى الأمر في حالات عديدة ما هو مادي، ليتحول إلى اعتداءات جسدية. راح ضحيتها العديد من المواطنات والمواطنين، كان أفظعها اعتداء على أحد المارة الذي فقد حياته قبل شهر، حينما اعترض سبيله أحد هؤلاء المجرمين ليسلبه مبلغ 20 درهما، ويصيبه إصابة قاتلة على مستوى القلب والفخذ، ليفارق الحياة متأثرا بجروحه البليغة. كما يؤكد لنا الفاعلون الجمعويون أن هناك عشرات الحالات الأخرى، التي لم تسجلها عدسات المصورين ولا ميكروفونات الإذاعات، إذ يبقى المواطنون فقط هم الذين يشهدون على فظاعتها، لأنهم يكتوون بشدة بأس وجبروت العصابات التي أصبحت تتكتل وتتوسع لتحمي بعضها البعض في غياب التواجد الأمني. كما عرفت منطقة ليساسفة في الآونة الأخيرة، انفلاتا أمنيا كحادثة تكسير واجهات وهياكل السيارات، التي بلغ عددها حسب مصادر أمنية 29 سيارة، وكانت تلك فقط « الشجرة التي تخفي الغابة «، والتي استدعت تدخل ولاية الأمن، الذي لم يدم طويلا بعد تفكيك أكثر من خمس عصابات، ليعود الحال بعد ذلك إلى ما هو عليه... بقراءة بسيطة للوضع بمنطقة ليساسفة، يمكن القول بأن القانون السائد حاليا هو قوة الفوضى والإجرام، نتيجة غياب أي دور للسلطات المحلية والأجهزة المنتخبة محليا وجهويا. دور المجتمع المدني .. زارت «المساء» دار الشباب اليتيمة بالمنطقة متسائلة، عن دور الجمعيات والمنظمات الناشطة بهذه المؤسسة، لتجد أجوبة الفاعل الجمعوي أكثر قساوة من واقع الحال. يتساءل أحد الجمعويين المهتمين بالطفولة داخل الدار: كيف لنا أن نتعامل مع فئات شبابية جد صعبة، دون توفرنا على مقرات خاصة تساعد على استقبال الحالات، وضمان جو مناسب للتواصل والإنصات لهم بعيدا عن التشويش.. ويضيف زميل له، لقد حاولنا التعامل مع بعض حالات الإدمان داخل دار الشباب، لكن بحكم الإكراهات المطروحة، فقد أعلنا عن توقف التجربة، خصوصا وأن المؤسسة تشتغل خلال فترات معينة لا تسمح باستقبال الشباب، كما أن العديد من الجمعيات التي أسست بغرض التحسيس والتوعية ونشر ثقافة جديدة بين أبناء الحي الواحد يكون أساسها العمل الجاد وإشاعة قيم التطوع والوطنية الصادقة لمحاربة كل أشكال الانحراف وجل مسبباته، من خلال العمل عن قرب عبر تنظيم لقاءات داخل الأحياء لفائدة الشباب، تجد أمامها قرارات المنع جاهزة، مما جعل بعضها يوقف نشاطه ويبتعد عن الصراع مع السلطة. وهنا يجب التأكيد على أن المقاربة الأمنية لوحدها، مهما بلغت فعاليتها يكون مصيرها الفشل، إن أهملت الشق الاجتماعي والنفسي. بل إن الأمر يستدعي إنجاز دراسات ميدانية رصينة لتشخيص الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الحقيقية التي تدفع القاصرين إلى نهج طريق الانحراف المقرون دائما بالسرقة والضرب والجرح... البطالة .. الهدر المدرسي والحي الصناعي. تعد المنطقة من بين المناطق الصناعية الكبرى بمدينة الدار البيضاء، إذ تضم أكثر من 250 وحدة صناعية تشغل أزيد من 20 ألف عامل. لكن، في المقابل تعاني فئة عريضة من شباب منطقة ليساسفة من البطالة لعدة أسباب من بينها، بحسب أحد أبناء المنطقة، ارتفاع نسبة الهدر المدرسي في صفوف الأطفال والقاصرين (أغلبها بسبب الفقر) وعدم القدرة على تحمل مصاريف التدريس، وضعف الكفاءة المهنية بسبب المستويات الدراسية المتدنية للشباب، فأغلب الشركات المتواجدة بالحي الصناعي القريب من ليساسفة ترفض تشغيل الشباب واليد العاملة من أبناء المنطقة، لاعتبارات متعلقة بكل ما سلف ذكره، وهو الأمر الذي يضطر معه شبان وشابات المنطقة إلى تغيير عناوين سكناهم الظاهرة على بطائقهم الوطنية لتجاوز هذا الرفض. وكحصيلة لرفض هذه الشركات تشغيل شباب المنطقة، نجد أن الإجرام أصبح مصيرا حتميا لهؤلاء، لتصبح معه عمالة الحي الصناعي الفئة الأكثر استهدافا لاعتداءاتهم الشنيعة، ولهذا يفسر كون أغلب ضحايا الاعتداءات والسرقات منذ عدة سنوات من بين عمال وعاملات المنطقة الصناعية، دون أن يجرؤوا على تسجيل شكايات في حق المنحرفين خوفا من الانتقام... كل هذه الأمور وغيرها جعلت مجموعة من المتتبعين، يرفعون مطلب إضافة دائرة أمنية جديدة وسط أو بالقرب من المناطق التي تعرف كثافة سكانية مهمة، كمطلب استعجالي لبسط السيطرة على الأوضاع وفرض الأمن وإعادة الهيبة للجهاز الأمني، دون أي تعسف أو شطط في استعمال السلطة، ودون المساس بالحقوق والحريات، كما يجب الاهتمام بالقدر نفسه بالمشاريع التنموية والاقتصادية ذات الطابع الاجتماعي لتضمن لقمة عيش كريمة، وفضاء يحقق أبسط شروط العيش ويحفظ كرامة المواطن. يوسف منصف