هذا نص الكلمة التي ألقاها الكاتب محمد الشركي في اللقاء التواصلي، الذي نظمته له جمعية الباحثين الشباب في اللغة والآداب بمكناس، بتنسيق مع المديرية الجهوية للثقافة بنفس المدينة، مساء الثلاثاء 26 نونبر 2013، تحت عنوان «محمد الشركي ونداء الأغوار». إن الوجهة المرجوّة والمشتهاة لكل نص إبداعي، بعد إنارته لليل كاتبه، إنما تتمثل في قارئته وقارئه، وفي الضوء الباطني الذي يمكن لهذا النص أن يوقده في أعماقهما وسط كل الأسيجة الواقعية والارتهانات اليومية وخرائط الصخب والعنف المحدقة بهما، وفي قلب كل هذا الهدير المتواصل والمتفاقم للآليات العملاقة التي تقصفنا في كل لحظة بملايين الصور النمطية، والإشارات المدجنة والمسرنمة، والفخاخ الوسائطية، وما لا يحصى من المواد الترفيهية والمسابقاتية المسطحة والملفوفة في ورق الهدايا اللامع والخادع، مما أدى بالقراءة إلى وضع من العسر والشدة والانكفاء متناقض ظاهريا مع وفرة الأرصدة الوثائقية والمطبوعات الورقية والمكتبات الإلكترونية المتاحة بنقرة زر ومحرك بحث، وما جعل الكتابة ملزمة بأن تتدبر أمرها، في مسار مبناها وليل معناها، لكي تستوعب وتتمثل هذا الصبيب الهائل وعالي التوتر للصور والأصوات، والقوانين والانفلاتات، والأنساق العنيفة والناعمة التي تخترق الواقعين الفردي والعام دون هوادة، ولكي تصهرها في أحشائها وتحولها إلى أسئلة ومفاتيح ومنافذ عبور محتملة. إنني أشير هاهنا إلى القراءة والكتابة كلتيهما، باعتبارهما متورطتين معا في الأراضي الصعبة نفسها. فالقراءة الإبداعية، كما أفهمها، مجهود تفكيكي وبنائي واستغواري يستنفر التاريخ الشخصي والثقافي للقارئ كشريك حاسم في إنتاج المعاني وتوليد الدلالات وفي الاقتراب والإطلالة على التجاويف الرمزية للنص من أجل التقاط فتات الضوء المتناثر بين الثنايا، فيما تبدو الكتابة، في صميم أدائها المأهول والمنعزل والمجازف، نشاطا جيولوجيا متحركا بين طبقات متراكمة من الوقائع والمشاهد، والخطابات والمخيالات، والذاكرات الجوفية القريبة والبعيدة، وسهاد الأحياء وأجراف الموتى، والأنفاق السفلية اللامسموعة المخترقة للأجساد والأرواح معا، والمكتظة بالهواجس والمخاوف والرغائب، والأساسات الاستيهامية البعيدة للسلطة والقبيلة والمدينة والمجتمع، وصولا إلى القيعان السحيقة للغة والرموز والمنظومات الإشارية والتعبيرية. هذا هو الشغف الغائر الذي وجهني واجتذبني كقارئ ولا يزال، والذي استدرجني وهججني في ليلة الكتابة لاحقا، والذي تفرع مفعوله خلال ذلك ليشمل حتى الترجمة منظورا إليها كسفر تلقيني ومغرم بين لغتين لكل منهما آداب ضيافتها الخاصة وكيمياؤها العضوية ورائحتها الشهوانية المتضوعة من جسمها التاريخي. وهو نفس الشغف الذي لازمني أيضا عندما خضت تجربة الركن الصحافي المنتظم كرسالة فرحانة مبعوث بها كل أسبوع من سهرات ومعابر شتى. كان منذ بداياته القرائية شغفا متدرجا، موسوما بالتهيب ومخفورا بغبطة ملتبسة لا تستبين ما يستدعيها ويبررها. كما لو أنني أحسست، في شكل حدس لا ضمانة له، وأنا على مشارف قراءاتي الناضجة في المرحلة الثانوية، أنه أمام كل التهديدات الماثلة والخفية، وإزاء كل حدث جسيم ومنقلب وخيم، وفي وقدة السؤال المستعر والحارق الذي يلهبنا به انفلات الزمان وجرح الفقدان، يمكن للكلمات أن تجيب، ويمكن للشخوص الحكائية، والأساطير التأسيسية الكبرى، والكيانات الشعرية، وأقاليم الحلم والرموز العميقة أن تشد العضد، وتغذي الأعضاء، وتمدك بقلب آخر ودم آخر، مثلما يمكنها، هي الطالعة من عزلة الموتى أو الآتية من أحياء باعدت بينك وبينهم السبل والجغرافيات، أن تملأك بحضور أكثر مأهولية ونورانية من كثير من التجمعات والعلائق غير المتشربة روحانيا. لذلك كنت - ولا أزال- كلما اقتنيت كتابا أحس أنني اقتنيت مساحة زمنية من عيد باطني ممكن، وأنني واجد في طياته لا محالة رسالة تخصني يتعين علي استلامها دون إبطاء لكي أتلمس في ضوئها طريقي بين شعاب الواقع ومفاوزه. كانت القراءة، بالنسبة إلي، هي الرحم المباركة الأولى للكتابة، وكانت النهر البدائي الذي جرف إلى أعماقي، على نحو لم أتحسسه وأدركه إلا لاحقا، أتربة عضوية وبذورا رؤياوية وأسمدة روحية ترسبت في مستقرها غير المسموع إلى حين. فكما الجحر الذي سقطت فيه أليس وانزلقت منه إلى بلاد العجائب، كانت القراءة سردابا سحريا أدخلنيه انجذابي الطفولي إلى العوالم الخيالية ومراتع العزلة الفرحانة. وكان لوالدي، المولع باقتناء الكتب، الدور الحاسم في اكتشافي للمنقلب الآخر، الزاخر والساهر، الذي يقع أسفل اللعبة الغامضة المسماة واقعا أو عيشا، وأسفل صخب الحارات، ورتابة المقررات المدرسية، ومرارة الأسوار والمحظورات. ومنذئذ تدرجت في استكناه المذاق الماورائي للكلمات ومعايرة وزنها المرهف كما تعاير القطع الذهبية، وسهرت الليالي أقتفي في القواميس والمراجع آثار وامتدادات لفظ أو رمز أو وجه أسطوري، مستعيدا في كل مرة ومستحضرا ذينك الرجع المقدس والفرح المكرس اللذين هب علي منهما الروح والريحان وعطف الجنان في الكتَّاب القرآني المضمخ بالكيميائيات الأرضية للصلصال والسماق، والمفعم بجلال الآيات العظيمة المسطورة في اللوح الممحو في صباح اليوم الموالي. كانت الملاحم والحكايات والقصائد والسير والوقائع تأكيدات ملموسة وحاسمة بأن العالم كلام، وأن هذا الأخير قادر على أن يتحول إلى وجوه وأجساد وأوطان لا تبيد. كم كانت وفيرة الخيرات التي أغدقتها الكتب والمعاجم، وكم كانت مربٍّية واختبارية تلك الجغرافيات، والمدائن، والكاهنات، والشعائر، والحكم، والشهامات الحدودية، ودسائس القصور، والكنوز المحروسة بالطلاسم، والأحلام التي تجد تفسيرها في أحلام أخرى، والعبارات التعزيمية التي تقتل وتحيي وتشفي وتفتح الأبواب، والبلايا، والشهوات، والمظالم، والجذور اللغوية القصية، والنفائس والعبر التي تدفقت من ألف ليلة وليلة، وسيرة سيف بن ذي يزن، والألواح الطينية السومرية، والذخائر الفرعونية والإغريقية، ومفاتن وطقوس عشتار وإيزيس وسيبيلا وأوريديسا وأرتميسا وفيدرا، ولسان العرب لابن منظور الذي أعتبره منجزا شامخا يبقى، إلى جانب المنجز الشامخ الآخر الذي اجترحه معاصره دانتي في كوميدياه الإلهية العظيمة، من أعمق هدايا الموتى الأحياء الذين علموني ولا يفتأون يعلمونني أن الكتابة تعني استحقاق اللغة كحبيبة رمزية كبرى، وأن الكلمات، حتى وإن بدت حاليا يتيمة وسط اللغط والألم المعولمين، يمكنها مرة أخرى أن تجيب. لذلك لم يكن ولن يكون الانخراط الكتابي في الأغوار ترفا مجازيا بقدر ما هو تورط في هجرة سفلية تحيلنا جميعا على الزمن العمودي، الضارب بجذوره المهتاجة في أديم العبارة، والمتجمهر في كل نظرة وإيماءة ومشهد وواقعة وطعام وزهرة وصخرة وحيوان ونبع وقطرة ماء أو دم. وهذا الزمن الأركيولوجي، الهادر بقدرات لا مسموعة والمرادف لوجد لا محدود، هو الذي خبره واختُبر به المتصوفة الذين غلبوا في حضرة الحبيب كل شيء وغلبهم في غيبته كل شيء. وبين ذلك الحضور الشاسع والزفافي، وهذا الغياب الفادح والحدادي، تواجه اللغة حاليا، أكثر من أي وقت مضى، اختبار النزول غير المهادن إلى عمق الأعماق، ضد الرداءات والتسطيحات المتعاقدة، لكي لا تلتهم النار المعاني والكلمات التي تحرسنا منذ تأسيس العالم. لقد خبرت هذا الزمن العمودي واختبرني حيث شاء قدري الشخصي أن ألتحق بتازة لقضاء فترة الخدمة المدنية، وهو ما اعتبرته حينئذ، أنا المهيأ بنزوع استبطاني فطري، بمثابة هبة في طيها امتحان. أذكر أنني حين دخلت هذه المدينة ذات شتاء، وفي حقيبة سفري الأعمال الكاملة لمالارمي، كان للتركيبة التضاريسية لهذا الإقليم، بسهاد جباله ونسك أوديته وسهر مغائره، وقع جيو-روحاني حاسم في أعماقي. هناك، بفضل القوى البدائية الطليقة في التجاويف، والحوار الطويل مع بعض الصفايا والأصفياء، والزيارات الطقوسية لمغارة فريواطو، والقراءة المتعالقة بالكتابة على امتداد الليالي المحروسة بفتنة غالية وعالية، اقتربت لغويا من ضاحية صوتي الخاص. إن دين الشرف الرمزي يقتضي الاعتراف بما علمنيه ككاتب مقامي الصوفي في ذلك الموقع، وما أضاءتني به بعض علائقي الجوهرية فيه، مما لا يسمح الحيز الزمني بتفصيله الآن. فقد كتبت ونشرت أثناءه بعض القصص القصيرة والنصوص الشعرية والشذرية، وبدأت ترجمة «المجرى الثابت» لإدمون عمران المليح، وأكملت كتابة ونشر مقاطع «الليلة المحروسة» بملحق الاتحاد الاشتراكي، وتلقيت من أدونيس، الذي نشر لي قصيدة بمجلة «مواقف»، رسالة يتمنى علي فيها ترجمة مالارمي إلى العربية، وهو ما لم يسمح به مساري اللاحق. ولما عدت إلى فاس في شتاء 85 شرعت في كتابة «العشاء السفلي»، بلورة وتكريسا وتثبيتا لوجه أنثوي فخم ومبارك صعدت صاحبته الجريحة من الأغوار لتهب حبيبها القديم ليلة ذاكرة وحب وموت، ولتحوله، سواء في طريقه إلى دارها أو وهو في كنف لقائها على حافة الوداع، إلى سالك يعبر، من خلالها ومن خلال أحشاء فاس، جسدا غراميا ولغويا ومعماريا وميثولوجيا. وبعد صدور «العشاء السفلي» سنة 87 عن دار توبقال، بمبادرة وترحيب نبيلين من صديقي الشاعر الأستاذ محمد بنيس، انخرطت ردحا من الزمن في دروب الترجمة بوازع استكمال بنائي الذاتي، والإسهام في الاسترداد اللغوي لنصوص مغربية شاء القدر التاريخي والخيار الشخصي لكتابها أن ينجزوها بالفرنسية، فترجمت ونشرت، باقتراح من الأستاذ محمد بنيس نفسه، ودائما لدى توبقال، روايتي «ليلة القدر» و»طفل الرمال» للطاهر بنجلون، و»تجاعيد الأسد» لعبد اللطيف اللعبي، و»اليسار الفرنسي والحركة الوطنية المغربية» لجورج أوفيد. كما نشرت دار أفريقيا الشرق ترجمتي لكتاب «فاس، مقام العابرين» للشاعر محمد العلوي البلغيثي، وأصدرت منشورات الفنك ترجمتي ل»المجرى الثابت» للكاتب الراحل إدمون عمران المليح بعدما تعذر نشرها في بيروت بسبب الحرب الأهلية اللبنانية، مذكرا بأن الناقد والروائي الصديق الأستاذ محمد برادة هو الذي حفزني على ترجمة هذا العمل الأساسي عندما شاركنا معا في ندوة «الرواية والسيرة الذاتية»، التي انعقدت بأصيلة في مستهل الثمانينيات، دون أن يفوتني التنويه أيضا بما تعلمته من مساهمتي في ثلاث موسوعات صدرت تباعا عن دار عكاظ بالرباط، وكذا بالدرس العميق واللانهائي الذي لقنتنيه لاحقا ترجمتي لكتاب زكية داود الفخم والملتهب «عبد الكريم، ملحمة الذهب والدم»، باقتراح متبصر من صديقي الشاعر محمد الأشعري حين كان وزيرا للثقافة، إضافة إلى التنويه عاليا بما غذتني به ورسخته في دواخلي تجربة الركن الصحافي «عتبات بدائية»، الذي واظبت جريدة «العلم» على نشره كل أحد طيلة أربع سنوات من أواخر الثمانينيات إلى بدايات التسعينيات باحتفاء مضياف من طرف المبدع والصحافي الراحل الأستاذ عبد الجبار السحيمي، وهو الركن الذي صدرت أضمومة مترابطة من مقالاته في كتاب «الحبق والعتبات» عن منشورات أفريقيا الشرق سنة 2006. وبموازاة هذه الهجرة التكوينية في أراضي الترجمة، والانجذاب إلى منازل البرق المتمثلة في المقالات، استأنفت قصيدة النثر نداءها لزمني الكتابي، صاعدة من نفس الأغوار التي كشفتها لي وأضاءتها رواية «العشاء السفلي»، وباعثة من مرقدها السحيق، في ما يشبه عودا أبديا نيتشويا، تلك السيدة الجليلة، الباذخة والجريحة والبريئة والمشبوهة دوما، لكي تنهض وتنير حافات اللغة والفكر من جديد، متخذة لها، بدلا من اسم ميزار، اسم ووجه سهوار في ديوان «كهف سهوار ودمها» المنشور سنة 2001 من طرف اتحاد كتاب المغرب، ثم اسم ووجه عشتار في ديوان «السراديب» الصادر سنة 2007 عن منشورات ما بعد الحداثة، مما أوجب وشرّع ضم هذين الديوانين معا إلى رواية «العشاء» في الكتاب الجامع الذي نشرته وزارة الثقافة المغربية سنة 2011 بعنوان «الأغوار». ذلك ملمح مقطعي مقتضب لمسار لا ينفك يسأل ويؤرق التلميذ المقيم بداخلي، لأن الكتابة تلميذة مسهدة بين إشارات الواقع ومعاني الباطن، يهججها الحزن ويثملها الفرح العربيد، وفي كليهما يبقى القلب وحده منيرها ودليلها، لأنه يخبرها في كل لحظة بأن الأغنية العظيمة تستحق أن نسافر إليها. محمد الشركي أفق عربي في جوار ساحة السيرك! حين أدرك إمبراطور روما نيرون أن مركز الإمبراطورية، العاصمة روما، بدأ يهتز تحت الضغوط القادمة من أطرافها، قرر إحراق العاصمة في العام 64 بعد الميلاد. ولكي يهدئ النفوس الثائرة رفع شعار الخبز وألعاب السيرك. كان الخبز ما يزال متوفراً في العاصمة، فيما تدبير أمر ألعاب السيرك ممكناً. دفع بالآلاف من الشبان المسيحيين آنذاك إلى ساحات المبارزة يذبح بعضهم بعضاً أو تفتك بهم الحيوانات المفترسة في ألعاب السيرك المفتعلة، بينما شعب روما المخمور يتفرج ويلهث ويصيح فرحاً ومتعة فوق المدرجات. هذه الحكاية ستغدو مثالاً يروى كلما دار الحديث عما اصطلح على تسميته ب»إلهاء» الرأي العام عن أحداث كبرى أو فاجعة تجرى حوله، ويراد لهذا الرأي العام أن ينصرف عنها نحو أمور مسلية عملاً بالقاعدة السيكولوجية التي تقول إن الناس بالسليقة أميل إلى المفرح والمبهج والمسلي منها إلى المحزن والمفجع والباعث على النكد. وإلى هذه الحكاية أيضاً عاد الدكتور أنور عبدالملك مرة ليحلل الأداء الراهن للإعلام عامة، والإعلام في بلداننا العربية بصورة خاصة. يقال إن شبكة «سي إن إن» بعد أن شعرت بأن مكانتها وتأثيرها يهتزان أمام ظهور وصعود شبكات أخرى مثل «فوكس نيوز» وزميلاتها، دعت مجلس إدارتها إلى الاجتماع للنظر في الأمر ومحاولة التغلب على التراجع الذي فرضته المحطات المنافسة، فقرر مجلس الإدارة تعيين رئيس تحرير مجلة «تايم» في نيويورك، الذي اعترف له الجميع بأنه رفع من مقام المجلة بطبع صور الفاتنات من ممثلات هوليود على صفحاتها الأولى. أول قرار اتخذه الرجل لإصلاح الحال هو الاستغناء عن خدمة من يشكلون نسبة عشرة في المائة من العدد الكلي لموظفي الشركة، وضغط المصروفات في المكاتب الخارجية البالغ عددها 32 مكتباً. لكن هذا التدبير الإجرائي لم يكن هو جوهر ما قام به الرجل، ذلك أنه أدخل اتجاهاً جديداً في تقدم الأخبار بإيقاع مختلف عن ذاك الذي درجت عليه الشبكة، ووضع لذلك شعاراً: «الأخبار الحقيقية بسرعة حقيقية». هذا الطابع أعاد للشبكة حضورها مجدداً، بعد أن نجحت في إحكام إستراتيجية جديدة تعتمد على الإثارة والتفجير والمزج بين الملاهي والترفيه الجنسي من ناحية، واللهب والنار والدمار والجثث المتطايرة من الشظايا من ناحية أخرى، وسرعان ما غدا هذا نهجاً مقلداً في العديد من محطات التلفزة الأمريكية والعالمية. لكن علينا ملاحظة أمر آخر وثيق الصلة بالأمر هو تكاثر محطات التسلية، التي لا تفعل شيئاً آخر سوى بث الأغاني والموسيقى ب»كليبات» متقنة في مخاطبة الحسي والغريزي، موجهة نحو الأجيال الجديدة، والتي تخلق «ثقافة» سائدة ونمط سلوك رائجاً. وتزخر الأقمار الصناعية للبث الفضائي العربي بهذا النوع من المحطات، التي تستعيد، واعية أو غير واعية، فكرة ألعاب السيرك التي ابتكرها نيرون في العقود الأولى للميلاد. إنها تبعث الخدر في عروق المشاهدين الذين تعد كتلهم بالملايين، فيما النيران تشتعل بجوار ساحة السيرك حسن مدن* كاتب من البحرين