بدء إغلاق صناديق الاقتراع في أمريكا    مشاريع مهيكلة بسيدي إفني ومير اللفت            29 برلمانيا بمجلس المستشارين يصادقون على مشروع قانون إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وثلاثة يمتنعون        وهبي يتهم جمعيات المحامين ب"الابتزاز" ويُكَذب تصريحات بشأن قانون المهنة    مشروع الميزانية الفرعية لوزارة الداخلية برسم سنة 2025 يندرج في إطار مواصلة تفعيل مخططاتها وبرامجها الهيكلية (لفتيت)    نتنياهو يقيل وزير الدفاع جالانت بسبب "أزمة ثقة"    منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تطلق بباريس مراجعة سياسات الاستثمار في المغرب    الرباط.. إطلاق العديد من مشاريع التسريع المدني للانتقال الطاقي    حكومة إسبانيا تعلن خطة مساعدات بعد فيضانات خلفت 219 قتيلا    ذكرى استرجاع أقاليمنا الجنوبية    وقفة تستنكر زيارة صحفيين لإسرائيل        عندما طلب مجلس الأمن وقف «المسيرة « وأجاب الحسن الثاني : لقد أصبحت مسيرة الشعب    بنك المغرب يكشف حقيقة العثور على مبالغ مالية مزورة داخل إحدى وكالاته    الوداد يواجه طنجة قبل عصبة السيدات    "يوسي بن دافيد" من أصول مغربية يترأس مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط    "الأطفال وكتابة الأشعار.. مخاض تجربة" إصدار جديد للشاعرة مريم كرودي    18 قتيلا و2583 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعاً بريدياً تذكارياً بمناسبة الذكرى العاشرة لمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر        أخنوش: خصصنا في إطار مشروع قانون المالية 14 مليار درهم لدينامية قطاع التشغيل    الأحمر يغلق تداولات بورصة الدار البيضاء        جدل في البرلمان بين منيب والتوفيق حول الدعوة ل"الجهاد" في فلسطين    مرحلة ما بعد حسم القضية..!    التجمع الوطني للأحرار يستعرض قضايا الصحراء المغربية ويشيد بزيارة الرئيس الفرنسي في اجتماع بالرباط    قرض ب400 مليون أورو لزيادة القدرة الاستيعابية لميناء طنجة المتوسط    بن صغير يكشف أسباب اختياره للمغرب    تحقيقات جديدة تهز كرة القدم التشيلية    كَهنوت وعَلْموُوت    التساقطات ‬المطرية ‬أنعشت ‬الآمال ..‬ارتفاع ‬حقينة ‬السدود ‬ومؤشرات ‬على ‬موسم ‬فلاحي ‬جيد    رئيس الحكومة يستعرض إنجازات المغرب في التجارة الخارجية    "روائع الأطلس" يستكشف تقاليد المغرب في قطر    مستشارو فيدرالية اليسار بالرباط ينبهون إلى التدبير الكارثي للنفايات الخضراء و الهامدة بالمدينة    "متفجرات مموهة" تثير استنفارًا أمنيا في بولندا    فن اللغا والسجية.. المهرجان الوطني للفيلم/ جوائز المهرجان/ عاشت السينما المغربية (فيديو)    الأرصاد الجوية تتوقع ارتفاع الحرارة خلال الأيام القادمة في المغرب    غير بعيد على الناظور.. حادث سير مروع يخلف عشرة جرحى    حقيقة انضمام نعية إلياس إلى الجزء الثالث من "بنات للا منانة    أولمبيك أسفي يوجه شكاية لمديرية التحكيم ضد كربوبي ويطالب بعدم تعيينها لمبارياته    القفطان المغربي يتألق خلال فعاليات الأسبوع العربي الأول في اليونسكو    وزيرة التضامن الجديدة: برنامج عمل الوزارة لسنة 2025 يرتكز على تثمين المكتسبات وتسريع تنفيذ إجراءات البرنامج الحكومي    دقيقة صمت خلال المباريات الأوروبية على ضحايا فيضانات فالنسيا    صاعقة برق تقتل لاعبا وتصيب آخرين أثناء مباراة كرة قدم في البيرو    تصفيات "كان" 2025.. تحكيم مغربي المباراة نيجيريا ورواندا بقيادة سمير الكزاز    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أين اختفى مكي الصخيرات?
قال إنه يداوي السرطان وداء السكري والسيدا والروماتيزم والصرع
نشر في المساء يوم 15 - 12 - 2013

في 2007، صنع المكي الترابي الحدث، وأضحت الصخيرات قبلة لجموع من المرضى والفضوليين القادمين من كل الجهات.
واليوم، كان لا بد أن نعود للبحث عما تبقى من هذا الرجل، ومن بركاته التي قال إنها ربانية، وإن القوة التي منحه الله، قادرة على أن تشفي كل المرضى فقط بلمسة من يده.
وكان لا بد أن نحمل أسئلتنا لهذا الرجل، ولساكنة المنطقة صبيحة يوم غائم، عن هذه القدرة الخارقة التي جعلت منه معجزة صدقها الكثيرون، وإن كان الكثيرون أيضا قد اعتبروها مجرد خرافة انطلت على الناس، خصوصا المرضى، الذين يتشبثون بأية قشة يمكن أن تخلصهم من الداء، حتى وإن كانت مجرد حكاية لا تصدق.
وكان لا بد أن نزور «حوش» المكي، أو الفضاء الذي كان في 2007 يعج بالآلاف من الزوار، لنستطلع حاله اليوم.
في الطريق
إلى الصخيرات
لم يكن الوصول إلى حيث يوجد بيت المكي الترابي بضواحي الصخيرات، صعبا. فكل الطرق تؤدي إلى بيت الشريف، يقول أحد سكان المدينة التي كانت يومها لا تزال تتثاءب بشوارعها الفارغة إلا من بعض العربات التي تتجه إلى السوق الأسبوعي. وكل الحكايات التي رويت في 2007 عن هذا الرجل المعجزة تحفظها الساكنة عن ظهر قلب. غير أنها لم تعد تصدقها كما صدقتها من قبل، يشرح لنا أحد الذين التقيناهم في الطريق إلى حيث بيت المكي.
«هي مجرد لعبة عرف المكي الترابي كيف يكسب منها الملايين»، يضيف مرافقي الذي ظل ينفث دخان سيجارته وهو شبه ملفوف في جلباب صوفي غامق. «لقد تمكن من اقتناء فيلا بالهرهورة»، يقول محدثي. هل تعرف كم تساوي فيلا بالهرهورة اليوم؟
لم أجد لاستفهام صاحب الجلباب الصوفي الاستنكاري، أي جواب. واكتفيت بالقول إن الشريف لم يكن يتقاضى أي مقابل مادي أمام ما يقوم به، وكل ما هناك، ما يسمى في أعرافنا المغربية بالفتوح. « فتوح» سأكتشف وأنا أقضي أكثر من أربع ساعات بالفضاء الواسع الذي كان بمثابة عيادة لمكي الصخيرات في 2007، ولا تزال الى اليوم، أنه هو صلب العملية.
كانت السيارة تقطع الطريق بين الصخيرات وبيت المكي. ولم تكن المسافة التي تفصلني عن هدفي غير ثلاثة كيلومترات، قيل لي إنها كانت تكلف الراغبين في الوصول إليها أكثر من عشرين درهما يتقاضاها أصحاب الطاكسيات الكبيرة المرابطين على مقربة من محطة القطار. أما اليوم فلم يعد الثمن يتجاوز الثلاثة دراهم. إنه الكساد الذي تسبب فيه المكي الذي لم تعد تلك الآلاف من زواره تقصده، وأصبح اليوم يكتفي ببضع عشرات لا زالوا يمنون النفس بالشفاء على يده.
في حضرة المكي
فضاء مرتب واسع. وأعشاش من قصب، قيل إن المكي وضعها لكي يستظل بها زواره، يوم كانت الجموع تغلق عين الشمس، والتعليق لأحد المرضى الذين كانوا ينتظرون مقدم الشريف، وبضع نسوة في جلابيبهن السوداء يتحلقن حول أحد باعة الأكلات الخفيفة.
وقبل أن أتوقف، كان أحد الذين قدم نفسه على أنه حارس للسيارات يشير علي بأن أقتني لوازم الزيارة التي لا بد منها. وحارس السيارات هذا لم يكن غير زبون من زبائن المكي، الذي زاره من أجل الاستشفاء من مرض الصرع، ليجد نفسه في خدمته. وأولى الخدمات هي أن ينظم عملية ركون السيارات.
أخذت مكاني بين تلك النسوة لأحتسي كأس شاي، وأستمع لقصص بعضهن.
هناك إجماع على أن الشريف نجح في علاج أعداد كبيرة من المرضى. لكنه اليوم فقد الكثير من زبنائه فقط لأن الأطباء فتحوا عليه النار وقاوموا مده الجارف. وهو نفس السؤال الذي سأطرحه على المكي الترابي حينما هل هلاله بعد انتظار فاق الأربع ساعات ليكون رده مشابها. «الأطباء الذين يتعيشون من التحاليل والأدوية، هم الذين أفقدوني زبائن 2007 و2008.. لكني، يضيف المكي، أزور اليوم عددا من المرضى الذين يثقون بقدراتي».
بين مظلات القصب وإسطبلات البهائم، كان لا بد أن أكتشف شجرة غير عادية. لقد تحولت أغصانها إلى مكان ألصقت به صور المرضى الذين زاروا المكي الترابي. نساء، رجال، شباب وأطفال. كانت ملامح بعض الصور قد انمحت بفعل أشعة الشمس. وكان لا بد أن أسأل عن السر في ذلك وأنا أستحضر صورة مماثلة، وإن بصيغة أخرى. إنها ضريح عائشة البحرية، هناك على ضفة نهر أم الربيع، حيث تختار النسوة، اللواتي يزرن الضريح، أن يكتبن على جدرانه بالحناء أسماءهن وأسماء فرسان أحلامهن طمعا في الزواج. أليست عائشة البحرية هي الولية التي تزورها النساء العوانس طمعا في ذلك؟ لكن أية علاقة بين عائشة البحرية ومكي الصخيرات؟
لا شيء غير هذه الخرافة التي ضربت أطنابها، وجعلت البعض يعتقد أن رجلا يملك قوة خارقة يستطيع فقط بلمسة من يده أن يحولها إلى المريض لكي يشفى. وهو مرض غير محدد. إنه السرطان بكل أنواعه، والسكر والغدة الدرقية، والتهاب الكبد، والروماتيزم، وأمراض العيون، والصرع أيضا.
بدأت الأعداد تكبر. نساء ورجال وبعض الشباب. الجميع ينتظر متى يحل المكي بين ظهرانينا. يقول حارس السيارات إن الشريف حضر، لكنه لا يزال في بيت الوالدة، التي يفضل أن يتناول معها وجبة الفطور قبل أن يباشر عمله، خصوصا أنه اختار الاستقرار في العاصمة الرباط.
أستحضر حكاية فيلا الهرهورة لأسأل محدثي عن ثروة المكي. ودون تردد قال إنه غني وله هكتارات هنا وهناك.. كما أن عائلته تشتغل بالفلاحة.
ولا غرابة أن جرارا كان على مقربة من المكان الذي يستقبل فيه المكي مرضاه، يحمل روث بهائم يتوجه بها إلى مكان غير بعيد.
تساءلت مرة أخرى عن العلاقة بين علاج مرضى السرطان وداء السكري والسيدا، وروث البهائم المنبعثة روائحه في المكان.
بعض السيارات تقف بعيدا. هناك بيت الوالدة.. والشريف يستقبل فيه شخصيات مهمة للعلاج. إنها شخصيات «في أي بي» التي تحظى بالعناية والاهتمام. لذلك لم يكن المكان يخلو من بعض الحواجز الحديدية التي تفصل الطبقات. قيل لنا إن باشا الصخيرات يوجد رفقة بعض أفراد العائلة الذين جاؤوا للاستشفاء. وقبل أن يغادروا، كانت سيارة المصلحة الحاملة للعلامة الحمراء، تمر أمامنا تاركة خلفها الغبار.
مرت أكثر من ساعة على مقامنا بين مرضى المكي. لا يتجاوز العدد بضع عشرات. نستحضر ما كان يحدث في نفس هذا المكان من حوالي ست سنوات تقريبا.
يحكي أحد المشتغلين مع المكي كيف أن الزورا كانوا يمنعون من الدخول إلى هذا الفضاء ابتداء من الساعة التاسعة صباحا. وكثيرا ما قضى بعضهم الليل هنا لكي ينال حظه في الصباح.
استمعت لهذه الشهادة، واستحضرت كيف بدأ المكي مغامراته بلمس قنينة الماء التي يأتي بها المريض، قبل أن يغير الطريقة ويكتفي فقط بالإشارة إليها من بعيد.
اليوم نحن في حدود الساعة الحادية عشرة، ولا أثر للمكي.
يحاول حارس السيارات أن يهدئ من غضبنا. فيما يشرح أحد باعة الليمون، الذي كان يضع هو الآخر بضاعته للبيع، أن المكي لا يحضر إلا حينما يتأكد من أن عدد الزوار قد ارتفع. تماما كا يصنع بعض الأطباء الذين لا يحضرون لعياداتهم إلا بعد أن تمتلئ قاعة الانتظار. إنها طريقة ذكية للماركوتينغ العلاجي.
سكر وماء
عاد سؤال المكسب الذي يجنيه المكي الترابي من هذه العملية ليطرح أمامي وأنا في حضرته. واستحضرت ما قيل في 2007 و2008 من أن عائدات بيع قوالب السكر كافية لتجعل منه ثريا. وكان لا بد أن أسأل هؤلاء الذين يقومون بخدمة الشريف، ومنهم نسوة مهمتهن أن يتكلفن بالعنصر النسوي، خصوصا أن بعض الحصص العلاجية فيها نزع للثياب، ولمس لأعضاء الجسد الداخلية، كما سنعاين في أكثر من حالة.
لم يتأخر الرد. فزيارة المكي والبحث عن العلاج بلمسة من يده تفرض أولا «الفتوح». و»الفتوح» هو اقتناء قالب سكر من المحل المخصص لذلك. واقتناء قنينة ماء، هي التي يفترض أن يلمسها الشريف ويشرب منها المريض لكي يأتي الفرج، ويتحقق العلاج.
غير أني سأكتشف أن هذه القوالب، التي تشترى من نفس المكان لدرجة يمنع معها اقتناؤها بعيدا عنه، تعود بسرعة إلى نفس الدكان لكي يقتنيها آخرون فيما يشبه عملية دائرية.
وتحضرني حكايات عدد من الأضرحة التي تحقق عائدات مالية محترمة بفضل الزيارات، وبفضل الشموع التي تباع وتشترى بين الضريح ودكاكينه.
أما قنينات الماء، فسأكتشف أنها من علامة تجارية خاصة، لدرجة لا يحق لعلامة أخرى أن تكون منافسه في حضرة المكي.
ننتظر وننتظر، قبل أن تهل طلعة المكي، وهو يسير بهدوء إلى حيث مكان العلاج. وبنفس معطفه الأسود وصلعته الناصعة وأسنانه البيضاء، لم تتغير ملامحه على الرغم من أنه قال في 2007 إنه سيموت بعد خمس سنوات، فقط لأن والده وجده توفيا ولم يتجاوزا الستين. كان يسير في اتجاه كرسيه الجلدي، بعد أن يمر على بعض مرضاه، الذين اختاروا البقاء جالسين في سياراتهم. ولأن حصص العلاج لا تتجاوز بضع ثوان، فقد كان قادرا على الطواف على أكثر من زبون قبل أن يحضر إلى حيث الجموع. هنا وبعد أن يجلس على كرسيه الفاخر، يتحلق حوله المرضى وهم محملون بقوالب السكر وقنينات الماء ليلمسها ويمرر يده على جسد بعضهم، وتحديدا النسوة. قبل أن ينهي جلسة العلاج في حدود الساعة الثانية بعد الزوال.
«إنه التوقيت المقدس الذي لا يمكن للشريف أن يتجاوزه»، يقول أحد أعوانه. فبعد أن يكون قد أكمل علاج مرضاه، لا بد أن يقرأ الفاتحة ويطلب من الحاضرين دعواتهم ليغادر. أما الوجهة، فهي بعض الزبائن المتواجدين في بيوتهم. وهم زبائن لا يتردد أحدهم في القول إن بعضهم من علية القوم.. إنهم سياسيون ورجال من الجيش وأمراء، يطلبون بركة المكي.
ما يشبه الخلاصة
بين 2007 واليوم تكون قد مرت ست سنوات على قنبلة المكي الترابي التي فجرها الرجل في الصخيرات.
وبين 2007 واليوم، يبدو أن هذه القنبلة التي انطلت حيلتها على الآلاف، لم تعد تغري غير بضع عشرات.
في طريقنا بحثا عن المكي الترابي، طرحنا السؤال عما تبقى منه. ولم يكن الأمر مفاجئا أن نكتشف أن بركة الرجل «طارت»، وذهبت أدراج الرياح.
لم يعد ذلك المكان، الذي كان يختنق بزواره، يستقبل غير عدد قليل.
ولم يعد أصحاب الطاكسيات يجنون من ذلك ما جنوه في 2007 . بل إن تلك المساكن، التي ظلت تخصص لزوار الشريف لدرجة وصل معها ثمن كراء غرفة في ليلة واحدة إلى قرابة 500 درهم، أضحت اليوم شبه مهجورة. والحصيلة هي أن خرافة مكي الصخيرات لم تعمر غير بضعة أشهر لتنتهي، دون أن ينتهي الرجل الذي بدا في صحة جيدة وعلامات النعمة بادية عليه من خلال معطفه الشتوي الأسود، وحذائه، وابتسامته التي كان يوزرعها على ما تبقى من زبنائه، لدرجة أنه ربط معهم ألفة وهو يطوف عليهم بالسلام.
غير أن بركة المكي «طارت» ليس لأن مرضاه اكتشفوا أن العلاج في حاجة لطب وعقل ومنطق، ولكن لأن منطقة الصخيرات ستعرف «معجزة» أخرى لا تبعد عنه إلا ببعض الكيلمترات. إنه الشريف عبد القادر، الذي أصبح هو الآخر قبلة للباحثين عن العلاج. غير أن الشريف عبد القادر متخصص فقط في علاج المرضى بالصرع والمس. في الوقت الذي تجاوزت فيه قدرة المكي الترابي ذلك، لأن الرجل متخصص في علاج كل الأمراض العضوية والنفسية على السواء.
من قال إن انقلاب الصخيرات انتهى في السبعينيات. إنه لا يزال متواصلا إلى اليوم في مغرب الحداثة حيث طلق بعض المغاربة العقل، وارتموا في حضن الخرافة التي تجعل من رجل فلاح لم تطأ قدماه يوما كلية طب، متخصصا في علاج كل الأمراض حتى تلك التي لا يزال الطب الحديث عاجزا عن علاجها.
مكي الصخيرات.. والقوة الخارقة
ادعى أن في يده اليمنى سما مضادا لكل السموم
اعترف المكي الترابي أنه ظل يملك منذ صغره قوة خارقة لدرجة جعلته يشعر باختلاف عن بقية أقرانه. «وكنت أعتقد، يشرح المكي، أن تلك القوة التي أتوفر عليها، هي قوة مدمرة قد تضر الناس. لذلك ظللت أحتفظ بها لنفسي قبل أن أقرر توظيفها لخدمة الناس وعلاجهم».
أما نوع الأمراض، التي يمكن للمكي الترابي أن يعالجها فهي، حسبه، متعددة، منها السرطان بكل أنواعه، وداء السكري، والغدة الدرقية، والروماتيزم، والتهاب الكبد، وأمراض العيون والصرع والسيدا أيضا.
أما العلاج، فيتم عن طريق مصافحة المريض الذي تصله تلك القوة التي توجد بداخل المكي الترابي، لتخرج منه كل العلل. وكلما داوم المريض على حصص العلاج، كلما تمكن من التخلص من أمراضه.
يقول المكي إنه لا يقدر على تحديد طبيعة القوة التي توجد بداخله، لأنها قوة وهبها له الله، خصوصا أن الترابي يرفض أن يُنعت بالفقيه، لأنه لا يحفظ القرآن، أو بالدجال أو بالساحر، ويفضل أن يقال له أنت ولي من أولياء الله الصالحين.
ولأن علاج مكي الصخيرات يمتد إلى الصرع، فإن الرجل يقول إنه يتحدث كل اللغات التي يتحدث بها الجن، الذي يعترف أنه يهابه لأنه يحاربه بتلك القوة التي يتوفر عليها بداخله، والتي تشبه الصعقات الكهربائية.
وقد اعترف المكي الترابي أن من بين زبنائه يوجد أمراء بعضهم من خارج المغرب. كما يوجد سياسيون ورجال من الجيش، وقضاة وأطباء أيضا. ليضيف أن جل الذين زاروه تماثلوا للشفاء، رغم أن نقابة الأطباء ظلت تشكك في هذه النتائج، وظلت تحاربه، كما ظل يقول المكي الترابي. كما أن أمراء من المملكة العربية السعودية عرضوا على المكي، كما اعترف بذلك، الاشتغال لحسابهم، لكنه رفض الأمر لأنه لا يباع، كما يقول، ولا يشترى.
زارني، يقول المكي، مرضى من الكويت وإسبانيا والهند والصين والإمارات العربية المتحدة. بل إن السفير الأمريكي السابق توماس رايلي كلف وسيطا مغربيا لإشعار المكي الترابي برغبة الملاكم العالمي محمد علي كلاي في تلقي حصص لعلاجه من مرض الرعاش، الذي تسبب له في شلل كلي، على أن تتكفل السفارة الأمريكية بكل مصاريف العلاج. غير أن المكي تحفظ ولم يبد حماسا لذلك، مبررا أن حصص العلاج تكون أفضل كلما كانت في ضيعة الصخيرات، لا بعيدا عنها. لكن هذا لم يمنع الزيارة التي قال إن وفدا من أمريكا قام بها، وهو يمثل دكاترة وعلماء، لضيعته حيث استمعوا لشهادات مرضى تجاوزوا عللهم، قبل أن يقترحوا على المكي السفر إلى أمريكا للخضوع لبرنامج مكثف للكشف عن سر القوة التي يتوفر عليها من خلال مؤتمر علمي، في أفق تدريس هذه القوة للطلبة. كما تلقى المكي دعوة من هؤلاء الأمريكيين للحصول على الجنسية الأمريكية والإقامة الدائمة هناك. لكنه رفض لأنه يريد أن يستفيد أبناء بلده من هذه القوة الخارقة التي وهبها له الله.
لا يتردد مكي الصخيرات في القول إنه يملك قدرة إلاهية خارقة للعادة ولا توجد في العالم بأسره. لذلك لا يخفي تحديه لكل من شكك في هذه القدرة من علماء وفقهاء. ويقول إنه على استعداد ليكون موضوع بحث علمي لأنه مستعد لعرض خدماته على وزارة الصحة المغربية لمعالجة بعض الأمراض المستعصية كالسرطان.
ولكي يشرح أكثر، ظل المكي يقول إن يده اليمنى تعالج جميع الأمراض بما فيها المزمنة، لأن بها سم مضاد يخرج ليسري في جسم المريض ليقضي على كل السموم الموجودة بداخله. أما اليد اليسرى، فتوجد بها قوة ضد الصرع والجن والسحر.
المكي ينقل خبرته إلى الخارج ويتعرض لمحاولة قتل دون أن يخترق الرصاص جسده
لم تكن الزيارة التي قام بها المكي الترابي إلى كرواتيا، وهي إحدى جمهوريات يوغوسلافيا السابقة، غير تتويج لما حققه الرجل من شهرة تجاوزت كل الحدود، لدرجة أن رئيس البلاد استقبله شخصيا، قبل أن يخصص له ما يشبه القداس لكي ينشر بركته على المرضى.
لقد قال المكي إنه عالج ملك التايلاند من داء السرطان، قبل أن تقول لنا الأخبار إن ملك التايلاند توفي بنفس هذا المرض.
وقال إنه تلقى دعوة من الرئيس الإيراني السابق احمدي نجاد لكي ينتقل لمعالجته.
وقال إنه عالج أحد أفراد العائلة الملكية الإسبانية، وإنه التقى ولي عهد المملكة العربية السعودية، وظل يزور الرئيس الليبي السابق معمر القدافي، قبل أن يغتاله الثوار.
وفي كل خرجة من خرجاته، كانت وسائل الإعلام، بكل تلاوينها تتابع ما يصنع شريف الصخيرات وتتعقب خطواته. لقد خصصت له العديد من البرامج الاذاعية، وحضرت ضيعته بالصخيرات كاميرات القنوات التلفزيونية الشهيرة كالجزيرة والعربية والقناة الفرنسية الخامسة.
وفي كل محطة، كان المكي يخرج على زبنائه بحكاية عن قدرته على شفاء مرضى من طبقات عليا من بينهم وزراء، ورؤساء، وأمراء، دون أن ينسى فقراء البلد، وهو يردد أن الذين حاربوه كانوا يسعون لكي يظل المرضى زبناءهم، وإن كان الكثير من العقلاء قد قالوا إن ما يقوم به المكي هو مجرد دجل وخرافة تنبني على استغلال سذاجة وجهل الناس، وعلى يأس الكثير منهم بعد طول معاناة مع الأمراض المزمنة، وفشل الكثير من الوسائل الطبية.
ظل المكي يمر بيده على جسد المريض، ليقول له بمجرد اللمس، إنه شفي وإن ضرره قد رفع. وعندما توالت عليه الأعداد وأصبحت بالمئات، وبالآلاف حيث وصلت في أوج شهرته إلى ما فوق الخمسة آلاف زائر يوميا، أصبح يكتفي برفع يده، وبعد أن يرفع حجاجه من المرضى أيديهم بقنينات الماء المعدني التي يشترونها قبل الدخول إلى حضرته.
وهكذا وبهذه الحركة الشبيهة بالقداس المسيحي، أو بأي حلقات للدجل في العالم، يقول للمرضى إنهم شفوا من عللهم، فيذهبون مصدقين وقد أحس بعضهم نفسيا بالشفاء.
وبنفس هذا السيناريو، انتقل المكي الترابي إلى كرواتيا، التي يدين فيها الكثير من السكان بالديانة الإسلامية، وقبلها كان في البوسنة.
وهناك قال إنه عالج عمدة زغرب، وملك التايلاند، وأفرادا من العائلة الإسبانية، حسب ما تناقلته وسائل إعلام أوروبية.
وقد خلف نشاط المكي الترابي العلاجي في كرواتيا، المعروفة كجل بلدان أوروبا الشرقية بتقدم الطب وانخفاض أثمنة العلاج، جدلا واسعا وقلقا كبيرا لدى المهنيين الذين أصبحوا حائرين بين تصديق الناس لهذه «البركة»، وبين العلاج الحقيقي الذي لا طريق له إلا الطب والعلم، خصوصا حينما يتعلق الأمر بالأمراض العضوية التي يدعي المكي الترابي علاجها، وهي الأمراض التي لا يزال بعضها مستعصيا على الطب الحديث مثل السرطان وغيره. فكيف يمكن علاجه بلمسة يد، أو برفع اليد أمام الحشود في شبه قداس.
وقبل كرواتيا، كان المكي قد زار البوسنة والهرسك لتقديم وصفات علاجه لأمراض خطيرة عن طريق اللمس في هذه الدولة، التي اعتاد زيارتها خلال السنوات الأخيرة.
وقد خصصت له السلطات البوسنية مركبا رياضيا هو «زيترا» الأولمبي الذي يستقبل فيه يوميا قرابة 13 ألف مريض. إضافة إلى جمهور غفير من الزوار الذين يملؤون مدرجات المركب. وقد ظل زبناء المكي يقفون في طوابير طويلة طيلة الفترة الممتدة من التاسعة صباحا إلى الرابعة بعد الزوال، طمعا في العلاج من الأمراض المستعصية، بعد أن قدم نفسه للبوسنيين باعتباره صاحب قدرة خارقة على علاج هذه الأمراض.
وكان الوافدون على المكي الترابي يتحدرون من مختلف طبقات المجتمع البوسني من دون استثناء، لكن تبقى نسبة النساء من زوار المكي هي النسبة الغالبة بالمقارنة مع نسبة الرجال. أما داخل قاعة الملعب فكانت الأمور أشبه بحصة تنويم مغناطيسي جماعي، إذ كان جميع المرضى على استعداد لتقليد أي حركة يطلبها منهم المكي. وكان الناس يقفون في طوابير، حيث ظل بعضهم يكشف عن بطنه، وهو يصافح الترابي. حتى إن بعض النساء يفعلن ذلك في استسلام يفرضه اليقين بقدرة الرجل على علاج جميع الأمراض بالطاقة التي يمتلكها.
قضى مكي الصخيرات في سراييفو شهرا كاملا بعد أن «عالج» جميع الأمراض، مثل السرطان والسيدا، مستعينا بالله. فالأمر يتعلق، حسبه، ب»قدرة إلهية لا تقرأ، ولا تكتب، ولا تدرس، ولكنها توهب»، خصوصا وأن «الشريف» لا يقدم أدوية، ولا يعطي وصفات من الأعشاب أو غيرها، وإنما يكتفي بمصافحة المريض فقط.
وخلال مقامه بكرواتيا، قال المكي الترابي لعدد من وسائل الإعلام إنه تعرض لمحاولة اغتيال في كرواتيا، بعد رفضه عرضا إسرائيليا لمعالجة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق «أرييل شارون» الموجود في حالة غيبوبة منذ سنوات.
وقال «مكي الصخيرات» إن أشخاصا قدموا إليه أثناء تواجده في كرواتيا، طالبين منه السفر معهم إلى إسرائيل لعلاج بعض الشخصيات الإسرائيلية المرموقة، ومن بينها شارون.
وأضاف مكي الصخيرات في حديثه لأكثر من وسيلة إعلام، أنه رفض عرضا بخمسة ملايير سنتيم لعلاج شارون، مشيرا أنه يمكنه السفر إلى جميع دول العالم ماعدا إسرائيل.
ومباشرة بعض رفض «العرض الإسرائيلي»، تعرض مكي الصخيرات كما يقول، لمحاولة اغتيال بواسطة سلاح ناري، لكنه أفلت منها بسبب ما قال عنه «بركة الطاقة». فجسد المكي، على حد زعمه، لا يخترقه الرصاص لانه يمتلك طاقة «فوق نووية» تصله من كواكب خارجية، وتأتيه محمولة على ظهر مخلوقات صغيرة
الحجم.
الباراسيكولوجيا التي ظهرت في كل مكان وخضعت لمختبر العلم
منها التخاطر ورؤية أشياء لا يراها الآخرون والاستشفاء
لم يكن المكي الترابي، أو مكي الصخيرات، هو أول من ادعى قدرته على علاج المرضى بفضل تلك القدرة الخفية التي يتوفر عليها، والتي يقول إنها إلاهية ويحتفظ بسرها لنفسه. لقد سبقه لذلك عدد ممن قالوا بهذه الخوارق، التي يصنفها العلم في ما يعرف ب»الباراسيكولوجي» أو المافوق الطبيعة. ففي سوريا قالت سيدة تدعى «ميرناو»، إنها كانت قادرة على علاج كل الحالات المستعصية، والأمراض المزمنة.
وفي مصر، تجاوزت شهرة «الطبيبة شهرزاد» كل البلاد، وامتدت إلى عدد من الدول المجاورة، قبل أن تكتشفها الشرطة وتتابعها بتهمة ممارسة مهنة الطب بدون مؤهلات لذلك، خصوصا وأن شهرزاد ظلت تدعي أنها تداوي كل الأمراض عن طريق اللمس فقط. تماما كما هي حالة الإسبانية «مرسيدس بترو»، والفرنسية « بيكون»، التي قيل إن جسمها يتوفر على قوة كهربائية من حجم مائة ألف فلوت، وإن هذه القوة الكهربائية تنتقل عن طريق اللمس إلى جسد المريض لكي تعالجه.
أما في إفريقيا، فالنماذج متعددة لدرجة أنه في كل بلدة وكل قرية، يوجد «طبيب» يعالج كل الأمراض حتى وإن لم يسبق له أن زار أي حجرة درس.
لقد ظهر في كل المجتمعات أعداد من الناس، ومن مختلف الأعمار، الذين تبرز لديهم قدرات تمكنهم من القيام بأعمال يعجز عنها الآخرون، لدرجة أنها تتجاوز المدى الحسي المتعارف عليه. وهي قدرات تحدث من غير وسائط حسية، ومنها القدرة على التواصل مع الآخرين تخاطريا، ورؤية أحداث خارج المدى الحسي العادي، ومعرفة أمور تحدث في المستقبل، والتأثير في الناس والأشياء الأخرى، والاستشفاء، وتحريك الأشياء، وإلحاق الأذى بالآخرين، وتعطيل وتدمير الأشياء الأخرى.
وقد برزت هذه الظواهر والقدرات الخارقة، أو ما يصطلح عليها بفوق الحسية، لكونها لا تعتمد على الحواس، ولا دخل لها بها، لأنها تقع خارج حدود فهم الإنسان العادي، على امتداد الوجود الإنساني، وكانت تجذبه إليها بلا هوادة أو انقطاع، وتعكر صفو استسلامه للتحليل المادي للأمور وتستدرجه إلى اكتشاف خفايا شخصيته وأبعاده عميقة الأغوار. وفي خضم الثورة العلمية، كان لابد للقدرات فوق الحسية أن تطالها يد العلم وتخرجها من الارتجال. فالتصدي لها وإخضاعها للدراسة والملاحظة العلمية والتجريب والقياس، هو الذي سيساعد بالضرورة في استخدامها وفهم الطبيعة الإنسانية بشكل أكبر. وقد جرى اختبار الظواهر والقدرات فوق الحسية كالتخاطر والتنبؤ والجلاء البصري، والتي لقيت قبولا من قبل العلماء، خصوصا وأن الاكتشافات الأولية أظهرت أنه توجد أدلة على أن معظم الناس لديهم القدرة على اكتشاف وتطوير هذه القدرات في
أنفسهم.
ويتألف مصطلح الباراسيكولوجي «ما وراء علم النفس» من شقين، أحدهما «البارا» ويعني قرب أو جانب أو ما وراء. أما الشق الثاني، فهو سيكولوجي، ويعني علم النفس. وفي الوطن العربي هناك من سماه الخارقية، ومن سماه علم القابليات الروحية، ومن سماه علم نفس الحاسة السادسة.
وكان الفيلسوف الألماني «ماكس ديسوار» أول من استخدم هذا المصطلح في 1800 ليشير من خلاله إلى الدراسة العلمية للإدراك فوق الحسي والتحريك النفسي الروحي، والظواهر والقدرات الأخرى ذات الصلة. وتعددت التسميات حتى أصبح يطلق عليه في كثير من الأحيان «الساي». وللباراسيكولوجي موضوع يدرسه وهو القدرات فوق الحسية الخارقة كالتخاطر والتنبؤ والجلاء البصري والاستشفاء وتحريك الأشياء والتنويم الإيحائي «المغناطيسي» وخبرة الخروج من الجسد. أما المنهج الذي يستخدمه هذا العلم، فهو المنهج العلمي الحديث مع شيء من التطوير الذي تقتضيه طبيعة الظاهرة المدروسة. وهذا هو الرد على من يريد أن يعرف هل الباراسيكولوجي علم أم لا. فهو قديم في ظواهره وقدراته، لكنه جديد بمنهجه ووسائله وأساليبه. ويبدأ بالفهم والتفسير ويمر بالتنبؤ حتى يصل إلى الضبط والتحكم بالقدرات التي يدرسها.
الباراسيكولوجيا .. حقيقة أم خيال?
بعد أن ازدهرت دراسات وأبحاث الظواهر والقدرات الباراسيكولوجية وتأكدت أنها حقيقة لدى بعض البشر، جرت اختبارات مكثفة في كثير من بلدان العالم للاستفادة منها في مختلف المجالات. وقد بادر العلماء والمهتمون والمعاهد والمؤسسات والجامعات، إلى إرساء أساليب تجريبية وابتكار طرائق لكشف الجوانب المختلفة لهذه الظواهر والقدرات. وحددت أنواعها المختلفة. كما تمت دراسة صلة بعضها بالبعض الآخر، والاستفادة من تطبيقاتها في مختلف مجالات الحياة العسكرية، والطبية، والاقتصادية، والسياسية، والصناعية، والزراعية، والزمنية، والجيولوجية، والهندسية، وفي تطبيق القدرات الفردية في مجالات الحياة اليومية وغيرها.
إن قيام العديد من العلماء والمهتمين والمعاهد والجامعات والمؤسسات في الدول المتقدمة بارساء أساليب تجريبية، وابتكار طرائق مختلفة للكشف عن القدرات التي تدخل ضمن مجال الإدراك فوق الحسي، والاستفادة منها في مختلف المجالات الحياتية، يؤكد مدى أهمية هذه القدرات. فالأفراد المنفتحون على الأبعاد غير المدركة للبيئة، يستطيعون تأسيس المجتمع الخلاق الذي ينشده جميع الناس. ومن المسلم به أن زيادة الأشخاص من ذوي القدرات فوق الحسية باستمرار، تعني زيادة فرص المجتمع للاستفادة منهم في مختلف المجالات. بيد أن تحقيق ذلك بكفاءة عالية، يتطلب أن يتمتع هؤلاء الاشخاص باستقرار وتوافق نفسي يتيح لهم إطلاق هذه القدرات، وذلك لأن وجود الحاجات والإحباطات والصراعات الداخلية دون إشباع أو حل، سيؤدي بالضرورة إلى سوء توافقهم، وبالتالي حدوث خلل في الشخصية يعوق انطلاق ونمو هذه القدرات.
فلو وجد جهاز حساس ثمين نادر ذو أهمية كبيرة، فلا شك بأن جهودا كبيرة ستبذل في سبيل الحفاظ عليه والعناية به وتحري مواطن الخلل فيه وإصلاحها قبل أن يتعطل. وذوو قدرات الإدراك فوق الحسي، بالإضافة إلى كونهم بشر، فإنهم أكثر حساسية وندرة وأكثر إسهاما في خدمة وتطوير المجتمع من غيرهم. لذا فإن من الواجب إحاطتهم بالعناية والاهتمام علميا وماديا واجتماعيا ونفسيا من أجل تحقيق قدر معقول من التوافق النفسي
لهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.