في ظرف أربع سنوات فقط، استطاع السيد المكّي الترابي، أو "مكّي الصخيرات" كما تُسميه وسائل الاعلام، أن يتفوق على جميع الأطباء المغاربة في شتى أنواع التخصصات، ويصير أشهر "معالج" في المملكة، يتقاطر على بيته الريفي في الصخيرات مئات من "المرضى" كل يوم. السيد المكّي لا يتوفر على دپلوم في إحدى التخصصات الطبية المعقدة، بل "يعالج" الناس فقط ب"بركة يديه الكريمتين"، رغم أن تخصصه كما يقول في الهندسة الزراعية! "" جريدة "المساء" كانت أول من اهتم بالسيد المكي الترابي عندما خصصت له مقالا على صدر صفحتها الأولى منذ عامين حسب ما أذكر، قبل أن تجد صور الرجل مساراها إلى أغلفة كافة المجلات والجرائد الأخرى، وصار اليوم يتلقى دعوات خاصة من خارج المغرب، ويتم استقباله من طرف الجنرالات والوزراء والرؤساء والملوك. هؤلاء لا تعوزهم الامكانيات المادية من أجل البحث عن علاج لأمراضهم في أرقى المستشفيات والمصحات العالمية الراقية، ومع ذلك يلجؤون إلى خدمات السيد المكي الذي صرح أكثر من مرة بأن زبناءه يوجدون أيضا في القصر الملكي بالرباط! المثير في الأمر هو أن الديوان الملكي لم يُصدر لحد الآن أي بلاغ أو بيان حقيقة لنفي ما صرح به السيد المكي غير ما مرّة، ما يعني أن ما يدّعيه الرجل صحيح وإلا لكان له عبد الحق المريني بالمرصاد! وإذا كان السيد المكي يدّعي بأنه يدخل إلى القصر الملكي لتقديم "خدماته" العلاجية لساكنيه الذين يقول بأنهم من بعض الأميرات، فالشيء الوحيد الذي سيفهمه الناس هو أن للرجل فعلا "قدرات علاجية خارقة"، وتلخيص ذلك نجده في الإقبال الكبير الذي أضحى يحظى به، ليس في المغرب فحسب، بل حتى في جمهورية كرواتيا والبوسنة والهرسك! من الناحية العلمية لا يمكن تصديق ادعاءات السيد المكي، لأن العلاج عن طريق اللمس أمر مستحيل، خصوصا وأن الرجل يدّعي أنه بهذه الطريقة فقط يستطيع أن يعالج جميع الأمراض المستعصية، مثل السرطان والسكري وأمراض الكلي وزيد وزيد... هذا من جهة، من جهة ثانية، نعرف جميعا أن زمن المعجزات قد انتهى بموت الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والسيد المكي على كل حال ليس نبيا ولا رسولا لكي يتحدث عن قدرته الخارقة على علاج المرضى عن طريق اللمس فقط، كما كان يفعل النبي عيسى بن مريم عليه السلام، الذي وهبه الله قدرة خارقة على علاج الصمّ والبكم والبرص، لغاية هدفها إقناع الكفار من قومه بأنه ليس إنسانا عاديا، والسيد المكي على كل حال هو إنسان عادي! رئيس "جمعية الأطباء الداخليين" بمستشفى ابن سينا بالرباط، صرح لجريدة "المساء" في الملف الذي أعدّته حول السيد المكي في عدد نهاية الأسبوع الماضي، ب"أنه من الناحية العلمية لا يمكن الجزم بأن للمكي قدرات خارقة على شفاء المرضى لعدم وجود أدلة على ذلك، ولم يبلغ إلى علمي أن مريضا ذهب عنده وتماثل للشفاء". وكان جواب السيد المكي على كلام رئيس "جمعية الأطباء" هو أن الأطباء والممرضين المغاربة بأنفهسم يزورونه طلبا للعلاج. پْشااااخ! وهذا ما زكّته صحافية "المساء" التي اسْتقت تصريحات لأطباء وممرضين يعترفون بأنهم فعلا طلبوا العلاج عند السيد المكّي، ولكن من دون الكشف عن أسمائهم، وهذه بطبيعة الحال عادة مغربية بامتياز، إذْ يفضل الجميع أن يعيش بوجهين أو أكثر! الغريب في الأمر هو أن السيد المكي يتحدى في تصريحاته الصحفية كل الأطباء والعلماء الذين يرفضون الاعتراف ب"طاقته الخارقة"، ويقول بأنه مستعد لمواجهتهم حتى يثبت للجميع أنه ليس دجّالا ولا مشعوذا، بل "رجلا بسيطا" يعالج الناس ب "بركة" وهبها إياه الله تعالى. هنا لا يمكن للمرء إلا أن يجد نفسه في حيرة كبيرة تجاه هؤلاء الأطباء الذين ينكرون مزاعم السيد المكي، وفي نفس الآن لا يستطيعون القيام حتى ولو بدراسة واحدة للوقوف على حقيقة الرجل. ففي المغرب يوجد علماء نفس وعلماء اجتماع وأطباء من كافة التخصصات، هؤلاء جميعهم يستطعون بأبسط الوسائل أن يجزموا في ما إن كان ما يدعيه المكي حقيقة أم باطل، لكن لا أحد منهم يهتم بالموضوع إلا عندما يتم استفسارهم من طرف إحدى الجرائد أو عندما تتم استضافتهم عبر شاشة التلفزيون أوالاذاعة، باش يديرو الاشهار لراسهم! وليس كما يحدث في البلدان المتقدمة التي يخصص علماؤها وأطباؤها عشرات السنين من أعمارهم لإنجاز دراسات تعود بالنفع على المجتمع. حيتْ هادو دياولنا الله يهديهم لا يهتمون سوى بأرصدتهم البنكية، وكأنهم لا يعرفون أن استمرار شعبية المكي سيكونون ضحيتها الأولى عندما يهجر الناس عياداتهم الغالية ويتوجهون إلى الصخيرات لكي يعالجوا أنفسهم مقابل قالب من السكر! أما الدولة فمن الطبيعي أن تقوم بغضّ النظر عن مثل هذه الظواهر، ما دام أنها المستفيدة الأولى والأخيرة من عمل السيد المكي وأمثاله، لأن إيقافه يعني أن الدولة ستجد نفسها في "حيص بيص" تجاه آلاف المرضى الذين يتوجهون إلى الصخيرات لطلب العلاج على يدي السيد المكي. لذلك تفضّل أن تتركهم يذهبون إلى الصخيرات، حتى لا تُفاجأ بهم وهم واقفون بأعداد غفيرة أمام المستشفيات يغنّون لها: داوينا آللا آهياتا داوينا! الأمل الوحيد للقيام بدراسة بسيطة حول "خوارق السيد المكي" يظل ملقى على عاتق جمعيات المجتمع المدني، ما دام أن الدولة والعلماء والأطباء ما مسوقينش! لماذا لا تفكر إحدى الجمعيات مثلا، خصوصا تلك التي تهتم بالمجال الطبي، بإنجاز دراسة عبر جمع أقصى عدد ممكن من المتطوعين الذين يعانون من مرض ما، ولا يؤمنون بالشعوذة والدجل، ولا يعانون من أي مرص نفساني، كي لا يكونوا فريسة سهلة للسيد المكي، ويتم نقلهم إلى الصخيرات بعد معاينتهم طبيا، وبعد ذلك يمكن عقد مقارنة بين حالتهم الصحية قبل وبعد زيارة السيد المكي الترابي، تحت إشراف الأطباء المتخصصين دوما، فإذا كان عدد المرضى مائة شخص مثلا، وشُفي منهم ثمانون أو تسعون بالمائة، حينذاك يمكن أن نقول بأن للرجل "طاقة خارقة" بالفعل، وأن ما يدّعيه صحيح، وأنه ليس مشعوذا ولا دجالا، وإذا كان عدد من شعروا بالتحسن أقل من ذلك بكثير، سنفهم أن الذين يدّعون أنهم عولجوا من طرف السيد المكي ليسوا سوى مرضى نفسانيين أخطؤوا عنوان العيادات النفسية وتوجهوا إلى ضيعة المكي بالصخيرات! إذا كان هناك من سيقوم بدراسة من هذا النوع، فأنا رهن الاشارة، ومستعد لأن أكون أول المتطوعين، لعل وعسى أن يشفيني السيد المكي من مرض انزلاق الغضروف أسفل العمود الفقري، أو ما يسمى ب"السياتيك"، والذي أخبرني الطبيب بأن الوحيد القادر على تخليصي من ويلاته هو مشرط الجراح! ولكن من سيقوم بهذه الدراسة يا ترى، ما دام أن الشعار الذي يرفعه الجميع في هذا الوطن الحزين هو: راسي يا راسي وكأننا في يوم الحشر! [email protected]