يشكل حي الديزة العشوائي بمرتيل مدينة مصغرة تعكس واقعا مغربيا مهمشا، وسط لا مبالاة السياسيين والمنتخبين وعمالة المضيق – الفنيدق. فالحي الذي انطلق عشوائيا من 3 منازل في أواخر الثمانينيات انتهي حاليا إلى 10 آلاف نسمة. هي مجرد كتلة انتخابية جد مهمة لبعض الأحزاب السياسية المتواطئة بصمتها عن معاناة سكان هذه «الإمارة» العشوائية، التي انزوت جانبا، حين قامت السلطات قبل شهرين بهدم دعائم وأساسات بعض المنازل، التي بنيت في غمرة الاحتفالات بعيد الأضحى المبارك، فيما لا تتوانى جمعيات حقوقية في التنديد بما يجري بحي الديزة، الذي بني على واد يجري طمره ليل نهار، ما ينذر بكارثة إنسانية وبيئية خطيرة، وقنبلة موقوتة بمدينة مرتيل صبيحة عيد الأضحى الماضي، ووسط انشغال السلطات كان العشرات من عمال البناء يشتغلون طوال الليل في بناء العديد من المنازل العشوائية، مقابل 800 درهم، عن كل ليلة عمل، وسط صمت أعوان السلطة وبعض منتخبي الحي. أياما بعدها سيقرر عامل الإقليم، هدم المنازل، حيث استدعى المئات من عناصر القوات المساعدة والتدخل السريع رفقة العشرات من عمال الإنعاش الوطني الذين خاطروا بحياتهم في عملية هدم بعض دعائم وأساسات دعائم بعض الشقق التي بنيت في ظلمة الليل، وسط غضب شعبي كبير واحتجاجات النساء رفقة أطفالهم. «إننا نشجب لجوء السلطات الإقليمية إلى العنف والاستعمال المفرط للقوة لمعالجة إشكالية البناء العشوائي بحي الديزة، كما نسجل ضعف والتباس المقاربة التي تنهجها الدولة عموما لمجابهة استفحال هذه الظاهرة التي تشكل خطرا محدقا على سكان الديزة، وعلى المجال الحضري بمرتيل ككل»، يقول أولاد عبد الكريم منعم، رئيس «المرصد المحلي للنزاهة ومناهضة الفساد بمرتيل» ل «المساء». فالمرصد المذكور هو الإطار الحقوقي الوحيد الذي ندد بعملية الهدم، كما أصدر تقريرا مفصلا حول حي «الديزة» منبها بأن «الوضع بالديزة يهدد بوقوع كارثة إنسانية وبيئية كبرى ولا يمكن تفاديها بهدم انتقائي لبعض المنازل على رؤوس أصحابها». في الوقت ذاته وجهت السلطات المحلية استفسارات لرئيس الجماعة الحضرية، علي أمنيول المنتمي لحزب الأصالة والمعاصرة، وبعض نوابه وبعض الموظفين بمصلحة المصادقة على الوثائق للرد حول ما يعرفه حي «الديزة» من خروقات على كل الأصعدة. شملت هذه الاستفسارات تحديد مسؤولية العقود العرفية ورخص الإصلاح، كما تم فتح تحقيق حول تورط بعض نواب الرئيس في عمليات البيع والشراء لأراضي الديزة، عبر تسجيل عقود بتواريخ سابقة وبدون مبرر قانوني، فيما تم استعمال خاتم وتوقيع مزور لإحدى الموظفات بالجماعة، التي أفادت لعمالة المضيق –الفنيدق بمعطيات مهمة حول ما يطال العديد من العقود من تزوير وتزييف. «الهدم لن يساهم إلا في الرفع من قيمة الرشاوى التي يتلقاها بعض أعوان السلطة والسماسرة، مقابل التغاضي عن عملية البناء بدون ترخيص» يقول رئيس المرصد المحلي للنزاهة ومناهضة الفساد بمرتيل، مطالبا في الوقت بمحاسبة كل من ثبت تورطه في نمو المجالات الإسكانية غير المهيكلة بمرتيل من رجال سلطة ومنتخبين سواء الحاليين أو السابقين، منهم من راكم ثروات هائلة على حساب حاجة السكان الطبيعية للحصول على مسكن يأويهم». صمت السياسيين وتنديد الحقوقيين
«لا تعليق لدي». بهذه العبارة باللغة الإنجليزية، أجابتنا قمر شقور، رئيسة المكتب الإقليمي لحزب التجمع الوطني للأحرار بمرتيل، بخصوص السؤال الذي وجهته لها «المساء» حول موقفها من هدم شقق عشوائية بحي «الديزة»، وحول قرار عمالة المضيق الفنيدق، والمسؤول عن عمليات البناء العشوائي. فالمستشارة ببلدية مرتيل، التي «رحلت» من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى حزب «الحمامة»، فضلت العمل بمقولة «كم حاجة قضيناها بتركها»، مفضلة عدم التعليق على ما يجري بحي «الديزة» الذي يأوي 10 آلاف نسمة، انتهاجا بسياسة النعامة بغرس رأسها في الرمال، حتى لا تخسر ما تبقى للحزب هناك من كتلة انتخابية مفترضة، فيما لا يتوانى محمد بلحسن، وهو من أبرز كوادر حزب العدالة والتنمية بالمدينة السياحية، في توجيه رسائل إلى محمد المرابط، عامل عمالة المضيق الفنيدق، عبر وسائل الإعلام ينتقد ضمنها فشله في الوصول إلى حل لمعضلة حي الديزة. فالنخبة السياسية بمدينة مرتيل لا تود «إحراق أوراقها» بحي الديزة، سواء عبر إصدار بلاغات تشجع قرار عامل الإقليم في محاربته للبناء العشوائي، أو عبر التضامن مع سكانه. «حي الديزة في الأصل هو عبارة عن ضفاف فيضية تكونت نتيجة الغمر المائي للبحر أو الوادي، مشكلة بذلك بقعا أرضية تم الترامي عليها أو توريثها من طرف بعض السكان الأوائل للحي. إلا أننا وبالرجوع إلى الوثائق الإدارية الأولى نجد أن الضفة الغربية هي في ملكية الوكالة المائية لحوض اللوكوس، والباقي من مجموع حي الديزة يدخل في نطاق الأملاك الجماعية» يقول البقالي محمد، مضيفا بأن المحتجين من سكان حي الديزة اليوم، خاصة أولئك المنادون بعدم خندقة المطالب الإصلاحية لسكان الحي في كل ما هو سياسوي انتخابوي موبوء هم محقون في ذلك، مضيفا بالقول بأن «المجلس البلدي الحالي ساهم وبكثير من الاستهتار في تعميق الفوارق المجالية ولهشاشة البنيوية، مقابل إرضاء بعض المصوتين في دورات المجلس ورميا بالسكان إلى الهاوية». ويقول البقالي بأن إصلاح حي «الديزة» وهيكلته لن يتأتى إلا بحل توافقي يرضي جميع الأطراف، وأن هذا التوافق لن يتم إلا بإحداث لجن يقظة تتبع المباني المخالفة للقانون. لذاك يجب على السلطة الاستعانة بخرائط الأقمار الاصطناعية التي تتوفر عليها الوكالة الحضرية بتطوان، والتي تظهر بدقة مختلف المباني العشوائية التي أقيمت أخيرا في مختلف مناطق حي الديزة، مشددا على أنه على وزارة العدل أن تطبق القانون في حق جميع المخالفين والمتورطين في البناء العشوائي، والتجار والوسطاء الذين ساهموا في انتشار هذه الظاهرة، أو رجال السلطة المحلية الذين سمحوا بإقامة مباني بدون ترخيص.
كتاب أبيض حول حي «الديزة» العشوائي
كشف تقرير صادر عن «المرصد المحلي للنزاهة ومناهضة الفساد بمرتيل» توصلت «المساء» بنسخة منه، أن حي «الديزة» يعرف واقعا ديموغرافيا وسوسيو- اقتصاديا يتسم بالهشاشة والتعقيد إلى أبعد حد؛ يتمثل أساسا في ارتفاع كثافته السكانية (حوالي 12 ألف نسمة) وانخفاض لمستوى المعيشة وضعف الموارد والخدمات والتجهيزات الأساسية به، من مرافق صحية ورياضية وثقافية واجتماعية ومساحات خضراء، مع انعدام أي تصميم للتهيئة العمرانية خاص بحي الديزة، ما عدا برنامج لتأهيل الحي وضعته بلدية مرتيل منذ ما يزبد عن 6 أشهر، يروم مد الحي بالماء الصالح للشرب والتطهير السائل، وهو المشروع الذي مازال متعثرا ولم تنطلق أشغاله بعد، رغم أن اللوحة الخاصة به تشير إلى انطلاق الأشغال مع حلول شهر أكتوبر 2013. ونبه التقرير ذاته إلى أن الحي يعيش وضعا بيئيا متدهورا، يتجلى في تلوث كبير للمياه الراكدة، وهو ما أصبح يعرف ب»الدرع الميت» لوادي مرتيل، والذي يحيط بمنطقة الديزة من ثلاث جهات، بحيث تنبعث منه روائح كريهة جدا؛ هذا بالإضافة إلى التخريب والاستنزاف اللذين صار عرضة لهما شاطئ الديزة، جراء الاستغلال المفرط واللاقانوني لرماله، مع عدم خضوع المباني لأية ضوابط عمرانية، من حيث تحديد العلو الأدنى والأقصى، إذ تحول إلى «بؤرة رئيسية لاستقبال المهاجرين الوافدين عليها من عدة مناطق حضرية وقروية تمثل مختلف جهات المملكة» يقول التقرير الذي توصلت «المساء» بنسخة منه، مسجلا في الوقت نفسه من خلال البيانات التي قام بتجميعها بأن الغالبية العظمى لهذه الفئات تعاني من هشاشة حادة ومن تدني مستواها التعليمي، مما يوسع من هوة الفوارق الاجتماعية بين المكونات الترابية للمجال الحضري لمرتيل ككل. وأفاد التقرير بأن الحي العشوائي يتم تشييده اعتمادا على الرمال المستجلبة من شاطئ الديزة في جل عمليات البناء، التي تتراوح تكلفتها ما بين 50 و 80 درهم لعربة اليد الواحدة (برويطة)، كما سجل أن بعض شباب حي الديزة المعطل يتخذون من هذا النشاط مصدر عيش لهم، وارتفاع تكلفة مواد البناء واليد العاملة خلال المواسم، والعطل الدينية (بين 500 درهم و800 درهم كأجر يومي للعامل الواحد)، مع تعدد الوسطاء في تسهيل عملية البناء ما بين بعض أعوان السلطة وأعضاء بالمجلس البلدي لمرتيل وسماسرة ومضاربين؛ علاوة، يقول تقرير المرصد المحلي للنزاهة ومناهضة الفساد بمرتيل، على توفر كل المستجوبين على عقود بيع وشراء قطع أرضية بحي الديزة مصادق عليها من طرف مصلحة إثبات الإمضاء ببلدية مرتيل.
تواطؤ وعقاب
وفق معلومات توصلت إليها «المساء» فإن الحي العشوائي الذي يعتبر نقطة سوداء في عمالة المضيق الفنيدق، لم يكن له التوسع ليبلغ 12 ألف نسمة دون تسهيلات مقدمة له من طرف بلدية مرتيل بخصوص عملية البناء، وبأماكن غير صالحة لذلك، من خلال مصادقة مصلحة إثبات الإمضاء فيها على عقود عرفية تهم أراضي تدخل في نطاق الملك العام المائي الطبيعي، حسب ما هو منصوص عليه في القانون رقم 10/95 المتعلق بالماء، خاصة المادة 12 منه، كما أنها تساهم بذلك في عملية التقسيم والتجزيء غير القانوني لأراضي غير مجهزة، وهو ما يؤكده تقرير المرصد الحقوقي، الذي يشير إلى تورط بعض أعوان السلطة المحلية في العملية نفسها من خلال تلقيهم لعمولات مقابل تغاضيهم عن عمليات البناء التي تتم في واضحة النهار، إضافة إلى قيامهم بتبيان السبل والحيل التي تمكن من إقامة سكن بهذا الحي للراغبين في ذلك، بالإضافة إلى تقصير كل من وكالة الحوض المائي اللوكوس في الاضطلاع بدورها من أجل الحفاظ على المجاري الطبيعية للمياه بمنطقة الديزة وحمايتها من التلوث ومن أي عبث، ومديرية الشؤون الإدارية والقانونية ومديرية الموانئ والملك العمومي البحري بوزارة التجهيز والنقل في الاضطلاع بدورهما لحماية وحفظ ومراقبة شاطئ الديزة من الاستنزاف والتدمير الممنهج الذي يطاله، حسب ما تخوله لهما المادة 11 من المرسوم رقم 2.06.472 بتاريخ 04 غشت 2008 المتعلق باختصاصات وتنظيم وزارة التجهيز والنقل. «الخطأ الفادح الذي ارتكبته الدولة منذ عقود هو عندما عمدت إلى تحويل مجرى وادي مرتيل عبر القناة التي صارت تعرف ب»الواد الثاني» وهو الأمر الذي تسبب، من جهة في تحويل المصب الطبيعي لهذا الوادي (الميناء القديم) والمروج المحاذية له إلى مستنقعات شديدة التلوث، ومن جهة ثانية، في تشجيع وتسهيل عمليات الاستقرار والبناء في منطقة الديزة» يقول التقرير، فيما يحذر الخبراء من احتمال وقوع كارثة بيئية بسبب طمر مجرى الواد من أجل البناء فوقه، وهي الكارثة التي قد تصيب عشرات الآلاف من سكان «إمارة الديزة»، وهو الوصف الذي يطلق عليها حاليا بالمدينة الساحلية.