يزعم كثيرون منذ سنين أن حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو المفتاح لتحسين مكانة الولايات المتحدة في الدول العربية وبين المسلمين في العالم. وليس العربُ والمسلمون فقط من يزعمون هذا، بل يؤمن ناس في الإدارة في واشنطن وكثيرون في وسائل الإعلام والأكاديميا الأمريكية، بل ينتشر بين اليهود وجهات مركزية في أوربا ودول أخرى أيضا أن سياسة "أكثر حيادا" وضغطا أمريكيا على إسرائيل لإنهاء الصراع سيُحسن هو فقط مكانة الولايات المتحدة في منطقتنا. أصبحت السيطرة الإسرائيلية وجماعة الضغط اليهودية في واشنطن منذ زمن نظرية مركزية تفسر في ظاهر الأمر مكانة الولايات المتحدة المضعضعة في العالم العربي. ويفسر الغضب على أمريكا وكراهيتها في الشارع العربي الذي يهتف لعمليات إرهابية في الغرب بأنهما رد مفهوم على سياسة "الطرف الواحد" التي تنهجها الولايات المتحدة. التقيت في واشنطن بساسة وموظفين كبارا زعموا (همسا في الأكثر) أن "السياسة الداخلية (اليهود) تضر بمصلحة الولايات المتحدة ومكانتها في الشرق الأوسط"، بل إن الرئيس أوباما حذره ليبراليون، ومنهم الرئيس السابق كارتر ومستشار أمنه القومي بريجنسكي، وجمهوريون، كمستشار الأمن القومي للرئيس السابق بوش الأب، من أن السياسة المنحازة إلى إسرائيل خطيرة على أمريكا. وقيل ذلك في المدة الأخيرة أيضا في الشأن الإيراني. لكن الفحص عن أحداث السنتين الأخيرتين في المنطقة يبرهن على محدودية الفرضية التي تقول إن مكانة أمريكا في العالم العربي حُددت في الأساس في الساحة الإسرائيلية الفلسطينية؛ فعلى عهد أوباما خاصة، الذي يميل كثير من المقربين منه إلى تبني فكرة أن الطريق إلى قلوب العرب تتمثل في "حل عادل" للصراع، تجد الولايات المتحدة نفسها في حضيض: مُهينة ومُنددا بها وبلا عمود فقري في العالم العربي. ولا يتصل هذا الوضع بالساحة الإسرائيلية الفلسطينية رغم أن أناسا كبارا في الإدارة الأمريكية ما زالوا يؤمنون بذلك. في مصر، خسر الأمريكيون الجيش والجهاز الحاكم والجمهور لا بسبب القضية الفلسطينية بل بسبب عدم فهم عميق لمسارات داخلية مع تمسك بقيم وخطابة مقطوعة عن تتابع الأحداث. وكانت النتيجة البائسة أن كثيرين في مصر ما عادوا يرون أن أمريكا هي رمز الحرية، ولا يثقون بكونها حليفة صادقة. وينظر عرب ومسلمون في العالم إلى عجز الولايات المتحدة في مواجهة القتل في سوريا، بل إن حليفاتها، السعودية والأردن ودول الخليج، تعيد التفكير في العلاقات بواشنطن وبقدرة الولايات المتحدة على مواجهة قوى إسلامية متطرفة. زعم أهارون ميلر -الذي كان مدة سنوات موظفا كبيرا في وزارة الخارجية الأمريكية، وهو من الشخصيات الأمريكية البارزة في مسيرة أوسلو- (زعم) مؤخرا في صحيفة "نيويورك تايمز" أن إدارة أوباما مسؤولة مباشرة عن ورطة الولايات المتحدة الشديدة في مصر بسبب فشل عميق في التأليف بين القيم والمصالح. وهو يرى أن أمريكا التي تعمل بصورة مبلبلة وخطيرة تهدد التعاون بين إسرائيل والعرب، لا العكس. وقال المفكر المعروف فؤاد عجمي، حينما كتب في صحيفة "وول ستريت جورنال"، بمبالغة إن أوباما يشبه في سلوكه جمال عبد الناصر، فكلاهما "شخص قوي الحضور ساق الجموع إلى فانتازيا لا أساس لها" تخلف دمارا. قد يزيل حل الصراع مع الفلسطينيين شيئا من الغضب على أمريكا بين جموع العرب خائبي الآمال. لكن يصعب أن نؤمن بأن اتفاقا إسرائيليا فلسطينيا هو المفتاح لتحسين مكانة الولايات المتحدة المضعضعة في المنطقة. لكن هذا الواقع المقلق يجب ألا يُفسر في القدس تفسيرا خاطئا وكأن موضوع السلام ثانوي في منطقتنا، بالعكس: إن ضعف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يوجب علينا أن نتقدم في أشد تصميم إلى التسوية لإنشاء علاقات أفضل بدول عربية، كالسعودية ومصر والأردن. إن اتفاقا مع الفلسطينيين، إذا أمكن إحرازه، قد لا يُحسن مكانة أمريكا في المنطقة، لكنه عظيم الأهمية لنا. عن «يديعوت