حين أشرتُ في مقالة سابقة إلى الفئات المهددة بالخرف والجهل، لم يكن في بالي أن أحصر ماسماه الأستاذ عبد الله العروي «الآفة «في المعلمين ورجال السلطة والأطباء. أولاً، لأن التحذيرات منبثقة من استنتاجات لعلماء نفس وعلماء اجتماع رصدوا الظاهرة تاريخيا وميدانيا فثبت لهم ب»الدليل الدامغ» أن الإحساس بالتفوق، لدى بعض الناس، قد ينقلب إلى ضده في كثير من الأحيان، علما بأنه لا وجود لعقدة تفوّق، والعهدة على سيغموند فرويد، فهي في أصلها، في حالة وجودها، عقدة نقص أصلا. وثانيا، لأن هذه الفئات هي الأكثر تهديدا، وليست معنية بهذه «الآفة» لوحدها، لحيثيات لا داعي إلى إعادة سردها هنا من جديد. وحسناً أن أحد أصدقائي الكتّاب نبهني إلى أنني، في سياق التحذير، ولعلةٍ لا تخفى، تلافيتُ الحديث عن شريحة الكتاب، وكأنها بمنأى عن أي تهديد محتمل، والحال أنها مرشحة للانقلاب على أعقابها في كل وقت وحين. ومعناه أن الداعي لكم بالخير، يحجز له مكانا تحت خيمة المعلمين ورجال السلطة والأطباء، شريطة أن يتم الاعتراف به ككاتب، وحتى بدون هذه الصفة فهو، بالقوة والفعل، محسوب على المعلمين، وهذا شرف رفيع لا يدعيه، ولكنه يسعى إليه على الدوام. ولئن ثبت انتماؤه، فعلا، إلى الكتاب والمعلمين معا، فاسألوا الله له، ومعه، أن يحفظه من شر غاسق إذا وقب ومن شر حاسد إذا حسد، عدا حسن الختام حتى لا يغدو كبعض أبناء سلالتيه (بالتثنية) «أفرغ من فؤاد أم موسى». وليس عيبا أن ينفد ما في الجراب، ذاك أمر وارد باستمرار، فليس المرحوم الطيب صالح أول ولا آخر من توقف عن الكتابة، وهو من هو، بعدما شعر بأن الإلهام قد جافاه، وأن السيل لم يعد يبلغ الزبى. ولكن المسخرة في أن يستمر الواحد منا في الإفتاء (في أمور الدنيا والدين) بغير علم. ولأن دنيا الكتاب لا تكاد تتسع لغير الأدب فإنهم، متى جف النبع، ليسوا معصومين من قلب الطاولات على بعضهم والبصق في الآبار والعيون التي شربوا منها، وتصفية بعض الحسابات الصغيرة، والوقوف في وجه التغيير والموجات الجديدة العاصفة، في مشهد يضحك ويخزي. وحتى أكون منصفا، فإن عدم إدراجي ل»الكتبة «ضمن قائمة المرشحين للتقهقر في السلالم والدرجات، لم يكن بدافع النسيان، ولا بدافع تخصيص «عمود» لكسر خواطرهم و»تشريق ليقتهم» (وحتى لا نتهم بالترويج للدارجة، فإن العبارة فصيحة تماما)، وإنما تلافيا لنبش عش الدبابير، سيما أن هؤلاء- أو بعضهم على الأدق- صاروا أشرس من سيطلقون على تخريجاتي، أقصد تخريجات علماء النفس وعلماء الاجتماع، وكانوا سيطلقون عليّ «نيرانا صديقة» للبرهنة على أنهم ليسوا كذلك ولو أنهم كذلك. وقاني الله مما تقدم من نيرانهم وما تأخر. تبّاً لك أيها الصديق! الحبيب الدائم ربي