السلام عليكم، إخوتي، ليس أحد بمنأى عن الأمراض التي تعتري النفس وتسود القلب وتضعف الإيمان وتوشك أن تجهز عليه، فتظهر نتائجها المرضية الوخيمة على اللسان والأفعال، ولا ينجو من ذلك إلا من لطف به الله وأنجاه وقليلا ما هم، فقد يكون الضحية وجهاً من وجوه المجتمع،مصلحاً اجتماعياً، أو داعيةً، أو عالماً، أو خطيباً، أو واعظاً، أو ...، نعم، نعم، فليس أحد ممن عنده نفس معصوم من الأمراض المتسللة والمتسربة، والتي لا ينتبه إليها الشخص إلا وقد استحكم المرض منه وتمكن واحدث فيه من المصائب والخراب والفظائع الشيء الكثير إذ قد يذر النفس والقلب من الإيمان قاعا صفصفاً.. نعم قد يبدأ الأمر صغيراً وقد ينتهي بالنفس وهي وحش كاسر أعمى لا يفرق بين الحق والباطل، ومن هذه الأمراض المتسللة والمستحكمة والمدمرة القاتلة:«الحسد»، ومصيبة الحسد، بالإضافة إلى سوء الأدب فيه مع المُنْعَمِ عليه المحسود والإنتقاص منه والتقليل من قدره إما بلسان الحال أو بلسان المقال، لذلك حذرنا نبينا من هذا المرض وخطورته قائلا: «دب إليكم داء الأمم الحسد والبغضاء هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين » الترمذي، وفي حديث ابن ماجة، قال مبصرنا صلى الله عليه وآله وسلم :«الحسد يأكل لحسنات، كمأ تأكل النار الحطب». نعم أمر الحسد فظيع من حيث النتائج والسيئات إذ هو يحلق الدين والحسنات، وهو مصيبة على الضحية المحسود الذي يتعرض للأذى من الحاسد، ومصيبة على الحاسد إذ تتحول نفسه وقلبه إلى تنور من نار ودخان وفظائع، أول من يتأذى هو، لما يموج فيه من الشر فلا يرتاح ولا يترك من يرتاح لكونه يغلي ويتغيظ ولا يطمئن أبداً.. والحسد لا حد له،فقد يكون في الدين، كقوله تعالى:}وَدَّ كَثيرٌ مِن أَهلِ الكِتابِ لَو يَرُدّونَكُم مِن بَعدِ إيمانِكُم كُفّارًا حَسَدًا مِن عِندِ أَنفُسِهِم مِن بَعدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ فَاعفوا وَاصفَحوا حَتّى يَأتِىَ اللَّهُ بِأَمرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدير{ وقد يكون في المرتبة الإجتماعية أو المنصب السياسي أو الإقتصادي أو الإداري، أو في الصحة والمال والأولاد والزوجة والجمال، والعلم، فالحسد ينصب على كل نعمة أنعم بها المنعم على عبيده وعباده، ولذلك جاءت العبارة عامة شاملة في بصيرة قول الله تعالى:( قل أعوذ برب الخلق، من شر ما خلق، ومن شر غاسق إذا وقب، ومن شر النفاثات في العقد، ومن شر حاسد إذا حسد) نعم الحسد إذا استحكم وأظلم معه القلب قد يأتي على الإيمان، وما قصة هابيل وقابيل منا ببعيد، إذ الحسد هو الذي دفع بقابيل أن يقترف أول جريمة قتل في تاريخ الإنسانية، لذلك، نبهنا حبيبنا عليه وآله الصلاة والسلام قائلا: «...لا يجتمعان في قلب عبد، الإيمان والحسد» سنن النسائي.. فاللهم طهر أنفسنا وقلوبنا من كل الأدران والإنحرافات والإعتراضات التي تبعدنا وتحجبنا عن أنوار صفاتك وعفوك ورضاك. اللهم أَنِرْ أنوار معرفة حكمتك وعلمك في قلوبنا، حتى نرى مدى حكمتك وعلمك في منحك ومنعك وتدبيرك، فنكون راضين مستسلمين لقضائك وانعامك بسطاً وقبضاً على عبيدك وعبادك، اللهم اجعل قلوبنا والسنتنا تلهج بالبركة والتوفيق والزيادة لكل من أنعمت عليه بنعمك.. اللهم إنا نعوذ بك من كل حسد ومن كل حاسد، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، اللهم إنا نعوذ بكلماتك التامات من كل شيطان وحسد وحاسد وعين وهامة.. وصل اللهم وسلم وبارك وأنعم على سيدنا محمد وآله والحمد لله رب العالمين..