استبعد عبد الرفيع الجواهري، عضو المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، خروج حزب المهدي بنبركة من حكومة عباس الفاسي، على خلفية خلافه مع حزب الاستقلال منذ قرار الاقتطاع من أجور المضربين في 13 فبراير الماضي. وقال الجواهري»: حسب معرفتي بالمطبخ الداخلي للحزب، لا أعتقد أنهم سيغادرون الحكومة، لقد كانت مناسبة المغادرة مواتية في المؤتمر الوطني الأخير، لكنهم أضاعوا فرصة ثمينة يصعب الآن، بالمنطق السائد لدى بعض القياديين تداركها في الوقت الراهن». - هل يمكن أن يؤدي الخلاف بين حزبي الاتحاد الاشتراكي والاستقلال حول الاقتطاع من أجور المضربين والإصلاحات الدستورية إلى خروج الاتحاد من الحكومة وإجراء تعديل حكومي؟ < الخلاف بين حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي حول الاقتطاع من أجور المضربين ليس أول خلاف، بل سبقه خلاف داخل الحكومة الحالية حينما طرح محمد اليازغي عدم دستورية بعض المقتضيات القانونية التي تهم رجال السلطة، فتصدى له وزير الداخلية، معتبرا أن الأمر ليس كذلك وأنه يدخل في سلطات الملك حسب الفصل 19 من الدستور، وناصره في ذلك شريك اليازغي في الكتلة الوزير الأول عباس الفاسي، مزكيا مقاربة دخول المسألة في نطاق الفصل 19 من الدستور، لكن هذا الخلاف لم يتدخل فيه المكتب السياسي للحزب، مما يفيد بأن الأمر يهم موقفا شخصيا لليازغي. أما الخلاف الذي نشأ بسبب قضية الإضراب والاقتطاع من أجور المضربين، فقد أصدر في شأنه المكتب السياسي بلاغا، مما يؤكد عمق الخلاف وتضاربا في المواقف بين الحكومة وفيها وزراء اتحاديون وبين الحزب ممثلا في مكتبه السياسي. ونفس الشيء بالنسبة للخلاف في موضوع تعديل الدستور. وهذه المسألة تؤكد التعارض الكبير بين حزب الاستقلال الذي يرأس أمينه العام الحكومة وبين الاتحاد الاشتراكي الذي يعتبر نظريا حليفا لحزب الاستقلال في الكتلة والحكومة، وهذا المشكل يطرح سؤالا هو: ماذا بقي من مبررات لوجود وزراء من الاتحاد في حكومة عباس الفاسي مادام الخلاف قد مس قضايا جوهرية كالحق في الإضراب وتعديل الدستور؟ إن مشاركة الاتحاد في هذه الحكومة كان أصلا خطأ فادحا، ولقد سبق لي أن عبرت عن ذلك أمام إخواني في المكتب السياسي السابق الذي كنت عضوا فيه، وهو نفس الموقف الذي عبرت عنه قبل ذلك في سنة 2002 في المكتب السياسي في فترة الكاتب الأول عبد الرحمان اليوسفي، وها هي نتائج إعادة إنتاج الخطأ ماثلة للعيان، مما يزكي ما سبق أن حذرت منه . تسألونني هل سيغادر وزراء الاتحاد الحكومة. إنهم في الحقيقة في موقف لا يحسدون عليه ولاسيما أن البعض قد أول إستراتيجية النضال الديمقراطي التي أقرها المؤتمر الاستثنائي لسنة 1975، والتي تعني المشاركة في المؤسسات المنتخبة، أقول أولوها باتجاه إستراتيجية المشاركة في الحكومة مهما كانت الظروف والأحوال. وحسب معرفتي بالمطبخ الداخلي للحزب، فإنني لا أعتقد أنهم سيغادرون الحكومة. لقد كانت مناسبة المغادرة مواتية في المؤتمر الوطني الأخير، لكنهم أضاعوا فرصة ثمينة يصعب الآن بالمنطق السائد لدى بعض القياديين تداركها في الوقت الراهن. أما التعديل الحكومي، فإنه بيد الملك ولا أحد يمكنه أن يعلم بتوقيته، وأظن أنه لن يأتي في المدى القريب الذي تشيرون إليه. - أنتم من دعاة خروج الاتحاد الاشتراكي من حكومة عباس الفاسي، ما الذي يجعل قيادة الحزب تتمسك بالبقاء في الحكومة ولا تتجاوب مع دعوات الانسحاب الصادرة عن بعض مناضليه؟ < فعلا كنت منذ 2002 وما زلت وفيا لقناعتي الراسخة بأن مشاركة وزراء من الاتحاد في الحكومة، سواء في عهد جطو أو الفاسي، تعتبر خطأ سياسيا لم يحسب الإخوان عواقبه. لقد كان بعض القياديين في الاتحاد وفي طليعتهم محمد اليازغي يبررون المشاركة في الحكومة بكونها ستقوي إشعاع الحزب وتنظيماته، وأن الخروج من الحكومة سيضعفه، ومازال هذا الاعتقاد السطحي سائدا وتحت ذريعته يتشبثون بمقاعد في حكومة لا تسمن ولا تغني من جوع، لكن نتائج الانتخابات التشريعية في سنة 2007 أعطت الجواب المأساوي عن الطرح المذكور. وها هي نتائج المشاركة أيضا في حكومة الفاسي ماثلة للعيان. - هل ترون من مصلحة في خروج الاتحاد الاشتراكي من الحكومة في هذا الوقت بالضبط؟ < إن للزمن السياسي وتوقيت اتخاذ القرار أهميته، وكما قلت لكم فإن التوقيت السياسي للخروج من الحكومة كان هو المؤتمر الوطني الأخير للحزب وقد أضاعوا الموعد. لكن ذلك لا يمنع من دراسة التوقيت السياسي لفك الارتباط إنقاذا لما تبقى من ماء الوجه، غير أن الذي أخشاه أن يغادروها بغير إرادتهم بعد استكمال “اليد الخفية «لهندسة المشهد السياسي الذي بدأت ملامحه تظهر في الأفق، وأتمنى مخلصا أن لا يحدث ذلك. - كتبتم مؤخرا أن المشهد السياسي في حاجة اليوم إلى صعقة كهربائية، هل تعتقدون أن الحزب قادر اليوم على الإقدام على هذه الصعقة؟ وما طبيعتها؟ < نعم كتبت في جريدة الأحداث المغربية بأن المشهد السياسي بحاجة إلى صعقة كهربائية، وهذا التعبير هو للقائد الاتحادي المرحوم عبد الرحيم بوعبيد، وقد كان الحزب يطبقه في لحظات التوتر السياسي والاجتماعي. البلاد الآن في لحظة توتر سياسي وغليان اجتماعي وليست هناك معارضة سياسية قوية، للأسف، تستوعب مطالب العمال والفئات المستضعفة وتحرك البركة الراكدة للعمل السياسي. إن هناك شتاتا لليسار وهذا التشتت ساهم في ضعف مبادراته، كما أن هناك أطرافا أخرى تلجأ في معارضاتها إلى «تديين» السياسة مع خطاب أخلاقوي هو أقرب إلى الوعظ منه إلى الفعل السياسي الخلاق، مما يجعل الساحة السياسية فارغة، وفي ذلك خطر على البلاد. هذا الوضع المتوتر في حاجة إلى صعقة كهربائية تتمثل في خروج الاتحاد الاشتراكي من الحكومة، لكن كما قلت سابقا مع ضرورة إجراء حساب دقيق للزمن السياسي، أي توقيت ذلك الخروج، لكن دون إطالة أمد إنجازه ثم الاتجاه نحو معارضة فعالة لملفات وبدائل للإصلاح السياسي والدستوري بما يضمن فصلا حقيقيا للسلط، وتمتيع الحكومة ومؤسسة الوزير الأول بصلاحيات فعلية، وتوسيع الصلاحيات التشريعية والرقابية للبرلمان، وضمان استقلال القضاء وحرية الصحافة، ومقاومة مظاهر الفساد الإداري والمالي. ولكي يكون لذلك مفعول وجدوى يتعين تجميع شتات اليسار في مرحلة أولى في إطار جبهة حداثية تخوض معركة الإصلاح الشامل إلى جانب تكتيل النقابات العمالية والمهنية وإعادة الحيوية إلى التنظيمات الشبابية والنسائية ومنظمات المجتمع المدني، كل ذلك من أجل فرز نسق سياسي واضح وفعال والتخلي عن الرهان عن إطار استنفد مهامه التاريخية.