تشكل المدرسة معبرا أساسيا للطفل نحو القراءة متى وفرت له نصوصا أدبية بمستلزماتها التربوية الثقافية والجمالية لتسهم في تحفيزه على صقل معارفه اللغوية ومداركه المعرفية إضافة إلى شحذ ملكاته التخييلية وانفتاحه على محيطه. فإلى أي حد تستجيب المقررات التربوية لهذه الغايات؟ فيما يخص المقررات الخاصة بتلاميذ السلك الابتدائي وسلك الإعدادي لانجد ما يثير اهتمام الطفل بالقراءة، فالنصوص المقررة مقتطفة من جرائد ومجلات تركز على الجانب الاقتصادي والاجتماعي، مما يجعل الطفل ينفر من القراءة، فإذا تتبعنا الكتب المقررة في الإعدادي، وهي موجهة لأطفال يفترض أنهم في سن تسمح لهم بالقراءة والانفتاح على العالم، نجد الكتب المدرسية المقررة في الإعدادي (المختار، مرشدي، المفيد، المنار) تتحدث عما تسميه الوزارة مجالات تفتح التلاميذ، فماذا يستفيد الطفل من نصوص تتحدث عن التكامل الاقتصادي في دول المغرب العربي وعن العولمة أو عن الاتحادات الجمركية؟. لقد كانت الكتب المقررة قديما منفتحة على اختيار نصوص موجهة للأطفال تجعلهم ينسجمون معها، بل إنها تخاطب مداركهم وهم في العقد الثاني من أعمارهم، وتكفي الإحالة هنا على النصوص التي كان يختارها الراحل أحمد بوكماخ، أو النصوص التي تضمنتها سلسلة المطالعة الجديدة بالإعدادي، بل حتى المقررات التي وضعت بعد الاستقلال للسلك الإعدادي، والتي وضعها أساتذة البعثة التعليمية المصرية. ورغم أن الوزارة تداركت غياب الرغبة في القراءة عند التلاميذ فقامت بإقرار كتب المؤلفات في السنة الثالثة الإعدادية، فإن هذه المادة، أي مادة دراسة المؤلفات، لا تجد لها صدى في جدول الحصص التعليمية للتلميذ مما يجعلها غير ذات جدوى. إن المشكل يطرح نفسه حتى في كتب اللغة الفرنسية، إذ نجدها تتخذ نصوصا فوق مستوى مدارك التلاميذ بالسلكين الابتدائي والإعدادي، بل إن مادتها بعيدة كل البعد أيضا عن اهتمامات التلميذ المغربي، فأين نحن من النصوص التي كانت تعتمد كليلة ودمنة لابن المقفع وألف ليلة و ليلية أو قصص الإبراشي ومحمود تيمور وعبد السلام البقالي وعبد الرحمان الفاسى، ممن كانت كتاباتهم تستظهر من قبل التلاميذ في حصص المطالعة التي أصبح المنهاج الجديد لوزارة التعليم يسميها حصة القراءة المنهجية للنصوص، معتمدا في ذلك على ما تسميه الوزارة باستهداف الكفايات المعرفية و المنهجية و الثقافية للطفل. طفل لا يملك أي رصيد لغوي محترم في ظل إملاء الخريطة المدرسية التي تجعل التلاميذ ينتقلون من سلك إلى سلك اعتمادا على النسبة المئوية المحدد سلفا من قبل الوزارة والتي تتعدى90 بالمائة، مما يجعل القسم خليطا من التلاميذ الدين يتفاوتون فيما بينهم في التهجي و التلفظ والتعثر القراءة، فأحرى أن تشدهم النصوص المقترحة في الكتب المدرسية. لقد انتبهت وزارة التربية الوطنية في فرنسا سنة 2006 لمشكل القراءة وتعثر التلاميذ الفرنسيين فيها فعممت مذكرات وزارية وكونت لجانا للبحث في الموضوع تحت الرئاسة المباشرة لوزير التربية الوطنية آنذاك و نظمت أياما تربوية لمناقشة الموضوع وصورت دروسا في القراءة تم تعميمها على كافة الأساتذة بالإعدادي والثانوي تحت شعار «تعلم القراءة» بحيث شملت العملية جميع المدارس الفرنسية على اختلاف مشاكلها، بل تمت معالجة الموضوع من جذوره، أي من التعليم الأولي. وزير التربية الفرنسي استند في معالجته للموضوع على سند نظري لمربين سابقين (ألان جول فيري، مادام ما نتسوري، فاي) تعتمد عليه وزارة التربية الوطنية في وضع البرامج الخاصة بالأطفال. فهل سبق لنا أن سمعنا وزير التربية الوطنية وكاتبة الدولة لديه في التعليم المدرسي يستحضران أساسا نظريا لطرح قضيا التعليم، ومنها هده القضية المفصلة لتشجيع الأطفال على المطالعة والقراءة وليس على إكسابهم ما تسميه الوزارة خطوات منهجية أشبه بفك رموز عمياء لا تكرس إلا غياب الاهتمام وانفصال المدرسة عن اهتمامات الطفل وواقعة البيئي والاجتماعي، وهي كلها عناصر فاعلة في أن تجعل من القراءة سلوكا تربويا وحضاريا في المجتمع المغربي.